أدباء ومثقفون إسرائيليون ينتفضون ضد «جرائم الحرب» في لبنان

متشائمون ويعتقدون أن حكوماتهم المتتالية رفضت السلام والنتائج كارثية

TT

«عندما يشيح المثقفون بوجوههم عن المؤسسة الحاكمة في بلدهم، على الحكام أن ينتبهوا الى أي منقلب ينقلبون»، بهذه الكلمات وصف أحد المثقفين اليهود المشهد الاسرائيلي الحالي. فالحكومة الإسرائيلية، ترسل جيشها لتدمير لبنان انتقاما لخطف الجنديين، وتواصل تدمير غزة. وعدد لا يستهان به من الأدباء والمثقفين اليهود يرون في ما يحصل، جرائم حرب بشعة، يخجلون منها ويمقتونها، مع شعور بالإحباط يتلبسهم، لأنهم غير قادرين على عمل شيء لوقفها. ومع ذلك فقد قرر المثقفون أن يرفعوا اصواتهم وشاركوا في أول وأكبر التظاهرات ضد الحرب، ووقع أربعمائة منهم على بيان الى الرأي العام، نشروه كإعلان مدفوع الأجر في احدى الصحف الإسرائيلية، وهنا تحقيق حول ما يدور من تساؤلات، بعد أن بدت الحرب أطول وأبشع مما كانوا يتصورون.

يقول البيان الذي وقعه أربعمائة مثقف إسرائيلي: «اسرائيل تنفذ جرائم حرب واسعة، تهدم دولة، وتحول اكثر من نصف مليون شخص الى لاجئين. قرى كاملة دمرت، عشرات الوف العائلات هجّرت، مئات القتلى وآلاف الجرحى من المواطنين. كل التبريرات لن تقدر على تنظيف هذه الجرائم. خطف الجنديين، المعاناة، القتل وهدم الاماكن المأهولة في شمال البلاد لا تستطيع التغطية على الاعمال البربرية التي تنفذها اسرائيل، في ما تتواصل المذابح في غزة. يجب ايقاف هذه الجرائم حالاً».

الكاتب الفلسطيني سلمان ناطور، من رواد العمل اليهودي ـ العربي في اسرائيل، ويعرف شخصيا معظم الأدباء اليهود الذين أطلقوا صرخة الاحتجاج، يقول ان حالات الحرب في اسرائيل تشكل دائماً امتحانا للمثقفين. وفي العشرين سنة الأخيرة، كنا نفحص موقف اليسار والمثقفين في اللحظات السياسية الحرجة، فنقسمهم الى نوعين. الاول يواصل نضاله العنيد، وهو صاحب موقف ثابت وله وزنه في الساحة الاسرائيلية، ويقف أفراده باستمرار ضد العدوان الاسرائيلي. الثاني: اشخاص تواقون للسلام لكنهم في المواقف الصعبة يتماهون مع الحكومة والجيش، وذلك ناتج عن الثقة العمياء بحكومتهم. ويقول ناطور ان التعاون اليهودي ـ العربي بين المفكرين والمبدعين في اسرائيل هو ضرورة فلسطينية ويهودية في نفس الوقت، لأن الدولة الاسرائيلية تحاول تهميش دور مثقفيها، خاصة اصحاب الموقف السياسي الذي لا يتلاءم معها. السلطة تحاول ان تقمعهم، لأنهم معادون للصهيونية.

في تحقيقنا هذا، حاولنا الدخول الى عمق آراء المثقفين اليهود الذين يقفون في مقدمة المناضلين ضد السياسة الاسرائيلية الرسمية، فكانت لنا هذه اللقطات من أقوالهم:

المخرج السينمائي آفي مغربي، هو أحد الفنانين الأربعين الذين بعثوا برسالة تضامن لزملائهم المخرجين العرب في مهرجان الفيلم العربي في فرنسا، مؤخراً، كتعبير عن رفضهم للحرب. ومغربي الذي تربطه علاقة وطيدة مع عدد من زملائه العرب يتمنى لو ان اسرائيل تصبح جزءا من الشرق الاوسط وتقيم علاقات صداقة مع الدول العربية المجاورة. لا يفوت آفي تظاهرة ضد الحرب الا ويشارك فيها. منذ اربع سنوات ونصف السنة اقام وآخرون في تل ابيب ناديا باسم «نادي الاحتلال» يتم فيه عرض فيلم فلسطيني مرة كل شهر، وأفلام لمخرجين عرب، ويقول: «انا ورفاقي، معارضون بشدة لتلك الحرب. إعادة الجنود الاسرى لا يكون إلا بالحوار. ورسالتنا الى مهرجان السينما في فرنسا كانت الاولى التي خرجت من اسرائيل ضد الحرب لنعبر عن رفضنا للدمار الذي تسببه اسرائيل».

وحين يسأل آفي، اذا حل السلام بماذا يحلم؟ يجيب بعد ضحكة عالية: «انا لا احلم بامور لن تحقق. ولا اعتقد أنني سأرى السلام يوماً. قد يبدو هذا الكلام غير مشجع، لكنني لا اريد ان اكذب عليك».

شولميت الوني، وزيرة التربية والتعليم في حكومة رابين، تقول «انها حرب متهورة تفتقد الى الدراسة الصحيحة والمعلومات. الجيش جاء بخطته الجاهزة بينما الحكومة لم يكن لديها اية خطة. في بلادنا الجيش هو بقرة مقدسة، يثقون به بشكل أعمى، بدعوى انه يفهم الأمن اكثر من الآخرين. الحكومة ارادت ان تظهر هي الأخرى قوتها بالامور الامنية. لهذا اعتقد ان الحكومة لم تتوقع ان يتدهور الوضع الى هذا النحو، وأنا لا أتصور كيف يمكن لنا أن نهدم لبنان للمرة الثالثة». وتضيف ألوني: «هذا الدمار الفظيع، لا يستطيع العقل ان يستوعبه، واعتقد انه بالامكان ايجاد طرق أخرى لمعالجة المشكلة. فالحرب يجب ان تكون الامكانية الأخيرة. قلبي مكسور كيف يعيش مليون انسان في سجن مغلق من كافة الجهات. يعيشون بلا كهرباء، دمروا لهم الشوارع والبيوت. الصورة قاتمة لدرجة انني لا استطيع تحديدها. كل هذا لأن جيشنا اقوى منهم ويا للفظاعة. مصيبتنا هي حرب الايام الستة والاحتلال عام 1967، والاستيطان على تلك الاراضي. من هناك سادت الغطرسة العسكرية العمياء. اعتقد ان الحل الوحيد هو بالجلوس مع الفلسطينيين على طاولة المفاوضات، بشكل منظم، والانسحاب من تلك المناطق، واعطائهم الامكانية لاقامة دولتهم المستقلة وترك الحدود مفتوحة بيننا بدون تلك الجدران المرعبة. والمضحك المبكي ان هذه الحرب تأتي بحجة خطف جنود، مع اننا قبل يومين من ذلك قمنا بخطف شخصين من عندهم. فنحن نتصرف بشعور دائم بأننا على حق وكل شيء مسموح لنا. خسارة لأن غالبية الناس هنا، من عرب ويهود، يريدون العيش بسلام».

الأديبة رونيت مطلون، تأخرت نسبيا عن المشاركة في ركب المتظاهرين ضد الحرب، لكن استمرار الحرب، جعلها تطرح اكثر من علامة استفهام وقالت: من حق اسرائيل أن تدافع عن نفسها إذا هوجمت وحزب الله تنظيم خطير وارهابي. ولكن الجميع يعرف أننا سنصل في نهاية المطاف الى طاولة المفاوضات وسنتوصل الى اتفاق ما. فلماذا لا نفعل ذلك من البداية»؟!

البروفيسور افنير جلعادي، من سكان مدينة حيفا التي تلقت النسبة الأكبر من صواريخ «حزب الله» شغل، في السابق، منصب رئيس قسم الشرق الاوسط في «جامعة حيفا»، وهو باحث في تاريخ الاسلام والعرب في العصور الوسطى، يقول: هذه الحرب ارتجالية وغير مدروسة، وقرارها صدر من رأس محموم. السياسيون عندنا تنازلوا عن الحوار واختاروا الحرب، وهذا يدل على روح انتقامية. ما حدث في لبنان، جرائم في حق الشعب اللبناني. لنفترض ان لدينا حربا مع «حزب الله» فان النتائج التي أسفرت عنها حتى الآن هي فضيحة. في كل مرة يسقط صاروخ كاتيوشا علينا، اشعر بالغضب على حكومتي التي ورطتنا. لا أوافق على ان الجبهة الداخلية موحدة وراء الحكومة في هذه الحرب. فالناس المساكين يجلسون في الملاجيء في خوف، ولديهم معاناة حقيقية. وفي لبنان الوضع مرعب أكثر، وهم يشتموننا بحق، لكنني أرى أن قادتهم من حزب الله ليسوا أفضل بكثير. يضيف جلعادي: «الناس في اسرائيل بدأوا يدركون الورطة التي قادتهم اليها الحكومة. فالجيش الاسرائيلي يخدعنا. مواقع حزب الله القريبة من الحدود الاسرائيلية تفاجئهم، وهذا يؤدي الى مقتل أناس وجنود. الأمر نفسه يتعلق في المنطقة الفلسطينية، أيضا هناك الجيش الإسرائيلي، يكتشف انه غير مهيأ لهذا النوع من الحرب، ويفاجأ بالقسام. كل هذا يثبت ان القوة ليست كل شيء، لا بد من حوار. الجميع يريد من الفلسطينيين أن يمارسوا الديمقراطية، وعندما يمارسونها يرفض الغرب نتائجها. الحل يأتي من الخارج، من أوروبا وأميركا. فهم ليسوا معنيين بابقاء الحبل طويلا لاسرائيل. العالم بدأ يتحدث من جديد عن ضرورة ادخال سورية في الموضوع. لو انهم تحدثوا مع سورية وانهوا الصراع معها لما وقعت هذه الحرب».

الكاتبة والمترجمة، ياعل لوتان تقول: هذه جرائم حرب من أولها الى آخرها. في الثقافة اليهودية يوجد شيء اسمه افتداء أسرى. تعتبر من أرقى وأقدس القيم في التاريخ اليهودي. لقد خطفت حماس جنديا ثم حزب الله جنديين. بدلا من أن نفاوض على اعادتهم وانقاذ حياتهم، ذهبنا الى توجيه الضربات. اسرائيل تقول بذلك لجنودها انها ستهملهم في حال وقوعهم في الأسر. اسرائيل أعدت حربا مسبقة بهدف توجيه ضربة قاصمة لـ «حزب الله». هدموا لبنان في سبيل هذا الهدف. والمشكلة الأكبر ان الأميركيين يريدون ضرب سورية، ويستخدمون اسرائيل لتدحرج العملية. ويفعلون ذلك بواسطة جرائم حرب بشعة. تقطع الكهرباء عن أناس أبرياء في عز الحر في بيروت، وفي اماكن أخرى تدمر البيوت، وفي بعض الأماكن تهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها، بأي حق؟ وبأي منطق؟

لا هذه الحكومة الاسرائيلية تريد السلام ولا من سبقها. في عام 1952 عرض المصريون علينا السلام، ورفضنا. ومنذ ذلك الوقت قدمت لنا عروض أخرى وكررنا الرفض. اسرائيل هي سبب كل الحروب. «حزب الله» أيضا مسؤول. أنا لا أحبه. لكن من قال ان الحب مهم. اسرائيل انتظرت الحجة التي تتذرع بها لشن الحرب و«حزب الله» وفرها لها.

ارى ان الحل بأيدي الأوروبيين. لا أعلق الآمال على الأميركيين، فهؤلاء لا يتصرفون بنوايا طيبة. فإذا توفرت النوايا لدى الأوروبيين يمكن أن ينجحوا. لكن السلام يكون فقط إذا توفرت الرغبة لدى اسرائيل. وأنا متشائمة. أنا لا أرى جدية لدى الحكومة. مع ذلك أود أن ألفت انتباهك الى ان الناس في اسرائيل لم يتحركوا بعد الحرب في لبنان إلا بعد مجازر صبرا وشاتيلا. أما هذه المرة فإن الناس خرجوا الى الشوارع مبكرا جدا. ولا تتأثري من نتائج استطلاعات الرأي التي قالت ان 90% من السكان يؤيدون الحكومة. فالناس ردوا على سؤال مخادع يقول: هل أنت مع الحكومة في جهودها للتخلص من صواريخ حزب الله؟. ولكن لو سألوا الناس، هل أنت تؤيد قصف لبنان بهذه الطريقة المدمرة؟ لكانت النتيجة مختلفة.

البروفيسور شمعون بلاص، أديب معروف، عراقي الأصل، ومحاضر في آداب اللغة العربية في جامعة تل أبيب، وهو يقول: حرب قذرة. أعلنوا انهم يريدون تحطيم حزب الله، ولكنهم في الواقع يدمرون لبنان، ولا نرى النهاية. هذا أمر خطير للغاية. خطف الجنود يسوى بالمفاوضات. هذا هو الطبيعي وسيصلون اليه حتما في نهاية المطاف.

عندما رأيت المشاهد صعقت، شعرت بالغضب ثم بالاحباط. الجيش يسيطر على الدولة ويجر السياسيين وراءه. عمير بيرتس الذي جاء الى السياسة على اساس برنامج سلمي يتعاون اليوم مع الجيش. هذا محبط، ولكن يجب أن نتكلم ونصرخ ضد هذا الأمر، لا يعقل أن نترك الجيش يقرر مصيرنا. الناس يقتلون، فما الذي سيخرج من هذه الحرب.

هناك صراع يهودي ـ عربي ولا حل من دون مفاوضات. على الصعيد اللبناني لا مفر من التفاوض مع سورية. أنا لست نصيرا للنظام السوري ولكن من حق سورية أن تستعيد الجولان بالكامل أولا، وعندئذ يتحقق السلام لا مع سورية ولبنان وحسب، بل هذا يمهد الأجواء لسلام مع الفلسطينيين ايضا.