حان وقت مواجهة النفس ومراجعة الحسابات عند المثقفين المصريين

TT

جابر عصفور: روح التغيير طالت كل شيء

يؤكد الدكتور جابر عصفور، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، أن المأساة التي تعرض لها الشعب اللبناني نتيجة الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين والمذابح التي اقترفتها الآلة العسكرية الإسرائيلية حركت في مجتمع المثقفين شيئا وجعلتهم اكثر وعيا بطبيعة الواقع وجعلتهم أيضا يشعرون بالعار، لأنه لم يسمح لهم أن يفعلوا أي شئ للبنان والأشقاء اللبنانيين في بيروت. وقد جعل الإحساس القوى بالاستنكار لهذا الموقف ـ كما يرى عصفور ـ أن تكون هناك حملة مراجعة للنفس بالنسبة للمثقفين، خاصة بعدما وضعت الحرب أوزارها، حتى أن البعض بالمؤسسات الإعلامية ومنهما الإذاعة المصرية وعدد من الفضائيات قامت بتعديل برامجها وبث أغاني عبد الحليم حافظ عن الصمود والمقاومة والنصر أكثر من مرة. فالكل أفاق من أسطورة إسرائيل التي سطرتها المقاومة اللبنانية بكشف زيف الجيش الذي لا يقهر، وأشعروا بصمودهم ومقاومتهم المنظمة الدولة الإسرائيلية بالتهديد والخطر وذلك لان المقاومة اللبنانية تقاوم وهي على إيمان قوى بعدالة قضيتها وبالنصر.

ويشدد عصفور على أن الذي حرك أكثر مشاعر المثقف والعامة هو «حزب الله»، الفئة القليلة والحزب الصغير الذي استطاع أن يفعل ما لم تفعله الدول، وكشف الحقيقة وهدد دولة إسرائيل المحتلة حتى أن مدن الشمال الإسرائيلي أصبحت لأول مرة في تاريخها خالية من السكان ومهجورة. وعلى ذلك فما أحدثته المقاومة اللبنانية من تأثير على المثقف يعد اكبر من أي تأثير على أي فئة أو نخبة أخرى، وجوهر هذا التأثير هو تأصيل روح المقاومة بمعناها العام في نفس المثقف لإحداث تغيير، وهذا التغيير ـ في رأي عصفور ـ ليس بالضرورة بشأن هذا الواقع الحالي بل التغيير لأي شيء يراه المثقف خطأ أوغير مقبول بالنسبة له.

أحمد عبد المعطي حجازي: الكتابة ستأخذ أشكالا أخرى

من جانبه يرى الشاعر أحمد عبد المعطى حجازي أن تأثير ما حدث في لبنان أو أي حدث سياسي آخر له جوانب متعددة، فهناك تأثيرات مختلفة سواء على المثقف أو على غير المثقف، وهي تختلف من شخص لآخر. فمواجهة الحدث تأتي بعدد من الأفكار والخبرات وبالتالي الحدث السياسي. فما يراه المثقف اليوم جراء حدث ما من الممكن أن يراه غدا في إطار آخر، خاصة ان الحدث السياسي له مراحل ولا يقع كله مرة واحدة. فهناك مقدمات ونتائج، وما نراه ايجابيا وبتفاؤل مع حدث ما قد تأتي النتائج بحيث تغيير نظرتنا إليه كل التغيير.

ويقول حجازي إن الحرب اللبنانية ليست أول تجارب العرب أو أول حروبنا مع العدو الصهيوني. فالمثقف ينظر إلى الحرب بعين مختلفة ونظرة مختلفة. هناك زاوية التضحيات التي قدمها رجال المقاومة اللبنانية، وهناك زاوية احتياجنا للبطولة وللانتصار أيا كان هذا الانتصار. على ذلك، فمن حق البعض أن يتحمس وان يعبر عن إعجابه الشديد بالمقاومة المتمثلة في «حزب الله» وقادته، وعلى الجانب الآخر هناك من ينظر إلى هذه الحرب على أنها عمل لا تنقصه الوطنية بل تنقصه الحكمة، لأن الاشتباك مع إسرائيل ستكون له نتائج ورد فعل. وهنا التساؤلات المطروحة: من يستطيع حساب ذلك، ومن هي المؤسسة المكلفة التصدي لإسرائيل، حزب من الأحزاب أم الدولة؟ وهي الأسئلة التي طرحها المثقف على نفسه، لأنه لا ينبغي أن يكتفي المثقف بالحماس أو التشاؤم أو التفاؤل، ولكن ينبغي دائما أن يسأل وان يفهم ويحكم عقله وضميره.

لا بد للمثقف في النهاية ـ كما يرى حجازي ـ أن يستفيد من التجربة الأخيرة في لبنان وان نعمل على أساس هذه النتائج، وبالتأكيد شكل الكتابة سوف يختلف عند المثقف، فهناك جوانب لا بد من التنفيس عنها أو إظهارها والانتباه لها لأن النتائج متعددة. فقد أثبتت الحرب رغم الدمار الذي أحدثته في لبنان، بأن العدو الصهيوني كيان ضعيف وخائف وغير واثق من نفسه، ولا شك أن مقاومة ذات نفس طويل ومنظمة ولا تقتصر على طائفة واحدة أو حزب واحد بمشاركة كافة البلاد العربية ستكون فاعلة. ليس من الضروري المشاركة بمقاتلين في الكفاح المسلح، حيث من الممكن أن نشارك بمقاطعة أو بالدعاية أو أي إجراء، لكن في النهاية لا بد من المشاركة، ولا بد من التنسيق والتنظيم، فمقاومة على هذا النحو تستطيع أن «تقتل» إسرائيل أو على الأقل أن تستخلص الحق أو نصف الحق.

فريدة النقاش: على المثقفين جميعا

أن يعيدوا حساباتهم

أما الكاتبة فريدة النقاش ففي ظنها أن تأثير هذه الحرب العدوانية على لبنان سوف يكون عميقا للغاية وبعيد المدى فى وجدان المثقف العربي، رغم أنني أعتقد أنه ليس هناك مثقف واحد بل هناك مجموعة من المثقفين، ومنهم «التقنيون والمحايدون والملتزمون» وآخرون، يعتبرون أنفسهم ليسوا أطرافا من اى نوع. وهناك أيضا «العضويون» كما وصفهم «غرامشي» الذين يهتمون بالشأن العام ويقومون بعمل ما يستطيعون لخدمة الآخرين.

وتوضح النقاش انه بالنسبة للمثقفين الملتزمين فهؤلاء تلقوا بالفعل عبر هذه الحرب، شحنة نضالية كبيرة مليئة بالأمل وساندت اختيارهم للعمل بجانب الجماهير الشعبية لإرساء دعائم الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني، وأكدت أن عملهم هذا لم يكن قط عبثا. فمجموعة صغيرة من البشر جيدة التنظيم شديدة الاقتناع بالأهداف والمبادئ تستطيع أن تكافح من أجل التغيير والحرية والعدالة وهزيمة المستعمر، وهي الأهداف التي يوافق عليها العرب الذين يتطلعون لتحرير أرضهم ويضعونه هدفا نصب أعينهم. وتضيف النقاش إن هذا الوصف ينطبق على المثقفين الملتزمين والمقاومة اللبنانية على حد سواء. فالمقاومة كانت لها أهداف محددة وأخذت تمشي تجاه هذه الأهداف بقدرة عالية وتأهيل عال، ووقفت أمام ما تردد بأنه اعتى جيش عسكري في المنطقة، ليس بالمقارنة مع جيش عربي بعينه ولكن مع جميع الجيوش العربية مجتمعة.

وعن الرسالة التي استخلصها المثقفون تقول النقاش إنها رسالة أمل أمام الظلام الحالك والتخويف والدعاية السوداء التي صورت للشعوب العربية انه ليس هناك احد قادر على مواجهة إسرائيل حربيا، وان اختيار طريق المفاوضات ليس بهدف الوصول للسلام ولكن لعجزنا عن هزيمة إسرائيل، وعليه فان هذه الأسطورة سقطت عقب الحرب المحدودة بين إسرائيل والمقاومة اللبنانية، وبدأت عجلة إعادة الحسابات والتي سوف تجرى في المنطقة، وسوف يجد المثقفون الملتزمون أنفسهم يعملون خلالها ويخططون لأهداف بعيدة المدى وأخرى قصيرة المدى، بأشكال وطرق جديدة ومختلفة.

أما المثقفون المحايدون فدعتهم الكاتبة أمينة النقاش الى أن يعيدوا النظر في حساباتهم ويتخذوا موقفا ما، وطالبت المثقفين التقنيين من جانب آخر بأن يحسبوا حساباتهم من جديد، خاصة ان التقنية المجردة يمكن أن تكون لنا ويمكن أن تكون أيضا علينا. ورأت أن أفضل طريقة يمكن أن يتبعها التقنيون هو الاقتراب أكثر من الجماهير العربية التواقة إلى العدل والحرية والتي فضلت أن تمشي مرفوعة الرأس رغم الجرح العميق الذي طال الأمة العربية كلها.

محمود أمين العالم: تأثيرات كبيرة تحتاج استقصاء علمياً

يرى محمود أمين العالم أن التساؤل عن تأثير هذه الحرب فى المثقف يعد بالتساؤل الكبير والضروري والهام، لكنه لا يمكن أن يعتمد على أفكار فردية وطروحات عينية ويحتاج إلى دراسة استقصائية بين مجتمع المثقفين ورجل الشارع العادي لمعرفة التوجهات الجديدة ونتائج محددة بناء على أسلوب تناول علمي.

ويرى العالم أن الدراسة ستتنوع بتنوع انتماءات المثقف. فالماركسي سيكون له رأي غير الإخواني، والحكومي وغير الحكومي. وبالتالي ستختلف المواقف من المقاومة أو بطولة نصر الله كقائد عربي أو خطوته كانت غير محسوبة، وعلى ذلك يجب دراسة علمية لتحديد معالم ردود الأفعال في المجتمع المتحضر تجاه هذا الحدث الضخم الذي اثر في المنطقة برمتها، ولا يمكن البحث فيه بطريقة عينية.