المقارنة مغرية بين التجربتين الفلسطينية واللبنانية

القدس: أسامة العيسة

TT

في حين أن النقاش في الشارع الفلسطيني، تركز أثناء وبعد الحرب، على المقارنة بين تجربة الحركة الوطنية الفلسطينية كثيرة الاخفاقات، وتجربة «حزب الله» التي تحقق ما يعتبره الفلسطينيون النصر، فإن الأسئلة حول ذلك غابت عن الصحف الفلسطينية، ووجد المثقفون الذين في معظمهم، يدورون في فلك فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الوطنية واليسارية، في حالة انتظار، وإذا تحدثوا في الصالونات، فللتقليل من تجربة «حزب الله»، ولم يختلف الحال كثيرا لدى كتاب الأعمدة في الصحف الفلسطينية. يعتقد د. محمود الجعفري، المحاضر في جامعة القدس، أن ما حدث في لبنان، ستكون له انعكاسات ليس فقط على فلسطين، ولكن على الشعوب العربية جميعها. وقال «اعتقد أن الوضع في الشهر الأخير، ألغى انطباعات كانت موجودة، منذ خمسة عقود، وظهرت حقائق جديدة، وأظن أن هذا هو أهم نتيجة في الموضوع». وأضاف قائلاً: «ما هو واضح أن طريقة التعامل مع المواضيع ستكون مختلفة، ولنتذكر انه بعد تحرير الجنوب اللبناني عام 2000، اجتمع وفد فلسطيني مع وفد إسرائيلي في ألمانيا، وهدد أعضاء الوفد الفلسطينيين نظراءهم الإسرائيليين، بأنهم إذا لم يستجيبوا لمطالبهم، سيفعلون مثلما فعل حزب الله بهم، فكان رد الإسرائيلي حاسما: إذا جربتم أن تفعلوا مثل حزب الله، فسنعيدكم 20 عاما إلى الوراء».

واستطرد الجعفري «والكل يعرف ما حدث من تطورات مثل كامب ديفيد الثانية، وما تبعها من أمور، ومن هنا لا أرى أن القيادة الفلسطينية، يمكن أن تستلهم تجربة حزب الله، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن طريقة التعامل الفلسطينية والعربية، مع إسرائيل، طوال الفترة الماضية كان خاطئا. ربما التفوق التكنولوجي الإسرائيلي يخيف العرب، والذي يعتمد على نظرية الانجراف لكل شيء أمامه وسحقه، الآن يمكن أن يعوض العرب النقص في التكنولوجيا بالعنصر البشري والإرادة، هذه أهم إنجازات تجربة حزب الله، والتي يجب أن يتم استلهامها».

ويقارن الجعفري بين تجربة حزب الله الأخيرة، وتجربة الفلسطينيين في معركة الكرامة في مارس (آذار) 1968 قائلا «عندما توفر في معركة الكرامة عنصراً بشرياً، مستعداً أن يواجه الدبابات في منطقة الشونة في الأغوار، وتلقى دعما من الجيش الأردني، تغلب العنصر البشري لدى الفدائيين على قوة الإسرائيليين، واستطاع الفدائيون إحداث انتصار، شبيه مما حدث في الشهر الأخير من قبل حزب الله».

ويضيف الجعفري «كان هدف إسرائيل في معركة الكرامة، سحق الوجود الفدائي شرق نهر الأردن، والآن تسعى إسرائيل لدرء ما تراه من خطر لحزب الله شمال نهر الليطاني. توجد نقاط تشابه أخرى بين التجربتين، ولكن الاستخلاصات يمكن أن تكون مختلفة، النتيجة البعيدة التي قطفها الفلسطينيون الكل يعرف ما هي. أما في التجربة اللبنانية فالأمر سيكون مختلفا، بوجود قيادة مختلفة».

ويعتقد الجعفري انه من المبكر أن يحدث نقاش معمق لدى المثقفين وفي الأروقة الأكاديمية، حول تجربة حزب الله الأخيرة، ولكنه على قناعة أن التجربة اللبنانية يمكن أن تكون ملهمة فعلا.

ويرى الكاتب في الشؤون العسكرية يوسف الشرقاوي، انه من الضروري أن يكون للتجربة اللبنانية «انعكاسا إيجابيا على التجربة الفلسطينية، لما تحتويه من دروس يجب الوقوف أمامها مطولا». ويدعو الشرقاوي إلى «حوار معمق بين الفلسطينيين حول التجربة اللبنانية»، ويعتقد «أن الحوار قد بدأ فعلا لمواصلة وحماية هذه التجربة الغنية. وأرى أن الكتاب والمثقفين يجب ألا يكونوا فقط متضامنين مع التجربة، بل جزءا عضويا منها». ويرى انه «يجب أن نبني إيجابيا على هذه التجربة لإغنائها، ولتقويتها، ودفعها إلى الأمام، ويجب أن ندرسها بتعمق وعناية ونقف أمامها باحترام كمثقفين ومواطنين وسياسيين، ونعمل على تعميمها».

وترى الشاعرة سوسن البرغوثي، أن «كل تجربة سياسية لا شك تؤثر على القضية الفلسطينية». وتعتقد بأن «انتصار المقاومة اللبنانية على أرض المواجهة الميدانية المباشرة لها أبعاد أخرى عديدة، ليس أقلها تأكيد إجماع الشعوب العربية على المقاومة، كخيار استراتيجي».

وتؤكد البرغوثي على أهمية إجراء حوار بين مثقفين وكتاب، أو في الصحف حول الاستفادة من الدروس اللبنانية، ولكن «ينبغي الحذر كل الحذر من تحول الحوار إلى مشروع إعلامي لتمرير الأفكار الغريبة عن مجتمعاتنا، والهادفة إلى أخذ تواقيع موافقتنا على صكوك اضطهاد شعوبنا وغصب حقوقنا في الأرض والكرامة».

وعن كيفية الاستفادة من التجربة اللبنانية ترى البرغوثي، ان ذلك يكون «بالوعي لأهمية التصدي لهذه الهجمة الأمرو ـ صهيونية، وعلى كافة الصعد السياسية والثقافية وغيرها، لأن الأمن القومي للأقطار العربية لا يتحقق بالتطبيع، ولا بالانقلاب عن الهوية والانتماء».

وتعتقد بأنه سيصار للاستفادة من التجربة اللبنانية، وتقول «بالتأكيد سنستفيد، فعندما تتمكن المقاومة اللبنانية من الصمود بكل معنويات عالية في وجه آلة الحرب الإسرائيلية رغم المجازر والمحارق الجماعية، نزداد ثقة أن قوة الحق والحقيقة فوق قوة التفوق العسكري، الذي تتمتع به اليوم دولة الإرهاب المنظم، التي عبثا حاولت تبرير عدوانها على الجنوبين اللبناني والفلسطيني من دون جدوى».

تحرك عملي هو المطلوب

ويعتقد الدكتور أسامة الأشقر المدير العام لمؤسسة فلسطين للثقافة، التي تتخذ من مخيم اليرموك في دمشق مقرا لها، أن «المطلوب من المثقف العربي اليوم أكثر من التأمل والتفكير ونقد الواقع العربي بالتأييد أو بالإدانة، ففداحة الخطْب في فلسطين ولبنان تطالب النخبة بالحراك وتوجيه التفكير نحو الأبعاد العملية وتجاوز مرحلة السبات الفكري والعملي الذي يعيشه».

ويرى أن المطلوب من المثقف «أن يعلن استنفار قلمه وعقله وعلاقاته، ليساهم في عملية ترميم الانتماء وإعادة ترميم ثقافة المقاومة والصمود والمواجهة، والعمل على تحصين هذه الثقافة وتسويرها وتحريرها من الضغط المعاشي والعصبية السياسية، ومطلوب منه اليوم أن يبادر لجمع المثقفين إلى تشكيل خلايا أزمة في كافة ميادين الثقافة والفنون والمقاومة التعبوية، وأن يترجم أفكاره إلى مبادرات عملية مهدّفة بوسائل وموجّهات وآليات تنفيذ وتمويل». ويعتقد انه «من غير ذلك، فإن المثقفين ركام من الغبار الملوّث».