حرب عالمية رابعة على الأبواب قطباها الصين وأميركا

«الخطر الأصفر» القادم من أقصى الشرق في كتاب فرنسي

TT

أيعقل أن يكون كل هذا الخراب الجوّال الذي تشهده أكثر من منطقة في العالم اليوم موصول الأسباب بالحرب المضمرة التي تشنها الولايات المتحدة الاميركية على المارد الصيني الخارج للتوّ من قمقمه وأسواره؟

هذا ما يعتقده الكاتب «جان فرانسوا سوسبيال» في كتابه «الصين والولايات المتحدة الاميركية، الحرب المبرمجة»، الصادر حديثا بالفرنسية عن دار «فيرست اديسيون.

ان القوة المنتصرة، كما يقول، لا يمكن لها ان تتنفس وتعيش بلا وقود عدائي، فإنها لا بد من ان تختلق الاعداء ان كانوا غير موجودين. لم يكن ايجاد العدو صعبا على الولايات المتحدة التي تخرج الاعداء من قبعتها كالساحر ساعة تشاء، والعدو الآن هو الصين، الخطر الاصفر القادم من أقصى الشرق. ثمة اعداء آخرون، الا انهم ثانويون، او في الدرجة الثانية في نظر المؤلف، والاصولية الاسلامية هي عدو من الدرجة الثانية، وبن لادن بحسب قول الكاتب ليس الا الشجرة التي تخفي غابات الخيزران الصينية.

ليس بامكان الولايات المتحدة ان تضرب الصين على رأسها ضربة تفقدها قوتها البشرية والاقتصادية، فرأت انه من الافضل أن تضربها من خاصرتها النفطية، وعليه فإن الكاتب يقرأ الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق قراءة مفادها انها ضربة موجهة الى الصين اكثر مما هي موجهة الى صدام، وجواب الحرب مدفون في رمال العراق. كما يرى ان الحروب التي تشنها الولايات المتحدة على «الارهاب الاسلامي» في بقاع الارض، انما هي ايضا حروب تسعى من خلالها الى محاصرة الصين بطريقة غير مباشرة، ويقول الكاتب ان الاصولية الاسلامية ليست اكثر من سيف تستخدمه الولايات المتحدة الاميركية في حربها على الصين، وانتشار قواعدها العسكرية الكثيرة تشبه الحواجز والعوائق التي تضعها في طريق الصين عبر الاشراف على المضائق البحرية الحيوية لناقلات النفط وللبضائع الصناعية الصينية في الوقت نفسه.

كلمة القوة الفصل برأي المؤلف، هي اليوم لمن يملك مفاتيح انابيب ضخ الذهب الأسود، الذي اضحى بمثابة الدم الحار المتدفق في شرايين الحياة الاقتصادية، وما شنّ الحروب على المناطق العربية والاسلامية الا عملية تمويه على العدو الأصلي، والمثير للرعب، وهو التنين الاحمر الاسطوري الذي ينهض من وراء سور الصين عملاقا اقتصاديا وبشريا وجغرافيا وحضاريا. فأي حضارة يمكن لها ان تدّعي انها لا تزال على قيد الحياة منذ خمسة آلاف سنة غير الحضارة الصينية؟ أليس كل الحضارات التي رافقت الحضارة الصينية في البدايات آلت آثارا في المتاحف باستثناء هذه الحضارة التي تتعايش في تضاعيفها العراقة والحداثة في آن؟

إن الكاتب يعتبر ان نتيجة هذه الحرب التي لم تنضج بعد لن تكون لصالح الولايات المتحدة، ولا يبني كلامه على الأمنيات، وانما على الوقائع الحضارية والاقتصادية والديمغرافية، بل يعتبر ان هذا القرن هو قرن الثأر، ومحو عار قرن ونصف القرن من الاذلال التي عاشته الصين، وهي لم تنس الى اليوم ان الحظّ، والحظ وحده هو الذي انقذ ارضها من التمزق والتفتت، اذ لو لم تختلف الدول الاستعمارية على قرص الجبنة الصينية، لكانت اليوم ربما مجموعة «ممالك متحاربة»، كما ان الكاتب وهو يقرأ النزاع الراهن بين الصين والولايات المتحدة، يعمد الى تحليل بعض الأمور التي تبدو في الوهلة الاولى ضعفا صارخا في السياسة الصينية، وحتى يفهم موقف الصين، فإنه يعود الى تاريخها بحثا عن الاجوبة، فكثير من أجوبة الحاضر يمكن أن يقرأها الانسان في صفحات الماضي، والصين التي اخترعت الورق والحبر كانت ماهرة في تدوين تاريخها.

ويعتبر المؤلف أن الفكر السياسي والعسكري والاقتصادي ممكن ان يجد القارئ نبذا منه في كتاب «فن الحرب» لصن تسو، وهو الكتاب الذي يرى المؤلف انه لا يخصّ فقط الناحية العسكرية، وانما الاقتصادية ايضا، ودليله على ذلك هو ان «فن الحرب» يدرس في الكليات الحربية، كما يدرس ايضا في كليات ادارة الاعمال والتسويق. وينظر الكاتب ايضا الى ناحية فولكلورية ربما بنظر السائح، وهي الاحتفال الذي يتم خلاله تكريم التنين في الصين، وهو الكائن الاسطوري الداخل في لبّ الفكر الصيني، ويقول الكاتب ان التنين يرمز الى الفكر الصيني والى أسلوبه في نيل المبتغى. فالتنين ليّن، جسده كالعجين، وهو يتحكم في كلّ ذرة من عضلاته، يتكوّم على بعضه ويتمدّد وينقبض بسرعة فائقة، وليونة جسده تبيح له تجنّب الضربات.

ويشير الكاتب الى قصة صينية مجازية ايضا عن صراع «النسر والافعى»، واختار الكاتب عمدا هذه القصة، لما يتضمنه النسر من اشارة الى الولايات المتحدة، ويرى الكاتب ان النصر ليس بالضرورة ان يكون حليف النسر، لأن ليونة الأفعى الصينية تحميها من منقار النسر، بفضل طواعية جسدها وانسيابيته، ولم تستطع الى الآن مخالب النسر الاميركي أو منقاره الجارح اصابة الأفعى الصينية بأذى.

وثمة ناحية اخرى انتروبولوجية، جديرة بالاعتبار، والمعروف ان الفكر الديني الصيني، مختلف جذرياً عن فكر الاديان السماوية، فإن كان في معتقد الديانات السماوية ان الانسان من سلالة آدم واحد، فإن في الصين اعتقادا بأن البشرية لا تنتمي الى آدم واحد او أصل واحد، وانما الى «أوادم» اذا صح التعبير، وهو اعتقاد ديني، يقوم الانتروبولوجيّون الى البرهنة عليه من خلال المتحجرات او اللقى البشرية او الآثار، ويشير الكاتب الى ان هذه النظرة تترك آثارها على الأمور السياسية والحضارية، لأن هذا الايمان ادى بالفكر الصيني الى عدم الاعتقاد او الاذعان لفكرة القطب الواحد، وهي الفكرة التي تسعى الولايات المتحدة الى ترسيخها، اي ان العالم الانساني من يوم وجوده قائم على التعددية القطبية، والاحادية استثناء ولا يمكن الا ان يكون عابراً وهشاً.

كما ان مقولة «نهاية التاريخ» ليس لها في الفكر الصيني اي قيمة او اعتبار، لانها على نقيض الفكر الطاوي المنتشر أيضا في الصين، القائم على الحركة الدائمة وبطلان الاستقرار وهشاشة النهايات. بل ليس ثمة فرق بين البداية والنهاية، ففي اللغة الصينية الكلمة نفسها تستعمل للدلالة على المعنيين، اي انها تشبه ما يسمّى في العربيّة بالأضداد اللغويّة.

ويرى الكاتب ان النصائح التي تسدى الى الصين بخصوص نظام الحكم نصائح خبيثة وغبية في احيان كثيرة، اذ من يعطي كما يقول النصائح لأمّة تدير شؤون مليار ونصف المليار من البشر؟ كما يقول ان اعتبار الديمقراطية هي الحكم الامثل ليس بالضرورة ان يكون صالحا ايضا، اذ ان النظام القائم في الصين، ومنذ عهد وانغ زياو بنغ انتشل 450 مليون شخص من الفقر في مدى عشرين سنة؟

ويشير المؤلف الى نوع من الحرب، يقض مضجع اميركا ومضجع كل الدول الصناعية، فيما بات يعرف بحرب المقاييس اي الـ«ستاندار». فاذا كانت الصين هي مصنع العالم اليوم «وأمازون الانتاج»، فإنها ستكون ايضا السوق الاول، لا سيما بعد زيادة حجم الطبقة الوسطى القادرة على الاستهلاك. واذا كان الزبون دائما على حق بحسب القول الشائع فإن الصين هي التي سوف تفرض المقاييس والمعايير الصناعية في المستقبل.

ويقول الكاتب تخيل ان مليار مستعمل للهاتف الجوال مثلا سوف يعتمدون مقياسا آخر، فإنه من المتوقع حكما ان يتحول ما يختارونه الى مقياس عالمي ترضخ له الصناعات الدولية، وهذه قوة لا يستهان بها. ويقول الكاتب ان هذه القدرة هي سلاح استراتيجي لم تستعمله الصين بعد. وان من سوف يحدد المقاييس في المستقبل هو الصين وليس ميكروسوفت.

ان السياسة الاميركية تحركها، كما يرى المؤلف، رغبة واحدة هي منع الصين من ان تحتل مكانتها المفترضة والمتوقعة، وعلى ضوء هذه النقطة يمكن ان نفهم سياسة اميركا تجاه عدد كبير من دول العالم، في تايوان وفي اليابان، وهما ذراعا اميركا العسكرية في الشرق الاقصى. وقد يستغرب المرء اخلاص اليابان للسياسة الاميركية رغم كل ما فعلته بها، من تدمير نووي، لهيروشيما وناغازاكي، ومن حرب نقدية في عامي 1971 و1985، ومن حرب نفطية عام 1973 وعام 1991، ويرى الكاتب ان الاخلاص للولايات المتحدة الغريب لا يمكن تفسيره الا على ضوء علاقة اليابان مع الصين، ان الصين ذاقت مرارة الاحتلال والاذلال من اليابان، التي لم تكن تختلف نظرتها للصيني عن نظرتها للكلاب. ووقوف اليابان الى جانب اميركا هو نوع من الحماية الذاتية من ثأر محتمل. والكاتب يرى ان وضع الشرق الاقصى، راهنا، لا يختلف كثيرا عن حال اوروبا في عام 1914. والصين الى اليوم لا تزال تعتبر ان تايوان المحافظة الثالثة والعشرون من الصين. والولايات الاميركية تحمي تايوان، وحذرت الصين تايوان من ان اي اندفاعة نحو الاستقلال لن تكون محمودة العواقب. ولكن اميركا بالمرصاد والصين تحاول ردعها من ارتكاب مغامرة عسكرية عن طريق جعل التكلفة اكبر من ان يحتملها الجسد الاميركي.

يقول الكاتب ان الصين ومنذ عام 1997، وخصوصا بعد عام 2001 امتلكت القدرة على ضبط خطابها وأعصابها، فهي لا تواجه الاستفزازات اليابانية او الاميركية الا بأعصاب باردة. والولايات المتحدة تحاول عبر مقولة «حقوق الانسان» السماح للفرق الدينية بالتكاثر في الصين، ولا سيما الانجيليون الذين ينتمي اليهم جورج بوش الابن، وعددهم في الصين أكثر من عددهم في اميركا نفسها.

وثمة فصل عن علاقة الصين مع اميركا اللاتينية، وهي سياسة تنطلق من نظرية صينية كما يقول المؤلف عن الفراغ، فالإناء قيمته في الفراغ الصالح للاستعمال وليس في مادته، وهي تحاول أن تملأ الفراغ الذي رأته في اميركا اللاتينية، أي قريبا جدا من حدود الولايات المتحدة. أما بالنسبة لـ«الفوضى الخلاقة» التي خرج بها جورج بوش، فإنها لا تعني للصين شيئا والسبب في ذلك هو ان هذه العبارة ليست اميركية ولا مخترعا اميركيا، وانما هي صينية عمرها أكثر من ألفي سنة، وردت على لسان «لاو تسو« في كتاب «الطاو»، وعليه فإن الصين أمهر من غيرها في التعامل مع هذه الفوضى الخلاقة، ويلفت الكاتب النظر، في أي حال، الى ان حكام الصين اليوم بغالبيتهم من خريجي كلية الهندسة، وهم لا ريب يحسنون التعامل مع «الفوضى الخلاقة».

ان قارئ الكتاب يخرج بفكرة، وهي ان فرص بقاء الولايات المتحدة القوة العظمى تتقلص يوما بعد يوم، والمحافظون الجدد يحاولون بشتى الوسائل إيقاف دولاب الزمان الصيني.

يشير المؤلف الى نوع من الحرب، يقض مضجع اميركا ومضجع كل الدول الصناعية، فيما بات يعرف بحرب المقاييس اي الـ«ستاندار«. فاذا كانت الصين هي مصنع العالم اليوم «وأمازون الانتاج»، فإنها ستكون ايضا السوق الاول، لا سيما بعد زيادة حجم الطبقة الوسطى القادرة على الاستهلاك. واذا كان الزبون دائما على حق بحسب القول الشائع فإن الصين هي التي سوف تفرض المقاييس والمعايير الصناعية في المستقبل. ويقول الكاتب تخيل ان مليار مستعمل للهاتف الجوال مثلا سوف يعتمدون مقياسا آخر، فانه من المتوقع حكما ان يتحول ما يختارونه الى مقياس عالمي ترضخ له الصناعات الدولية، وهذه قوة لا يستهان بها. ويقول الكاتب ان هذه القدرة هي سلاح استراتيجي لم تستعمله الصين بعد.وان من سوف يحدد المقاييس في المستقبل، هو الصين وليس ميكروسوفت.