جيل جديد يتربى في ظروف أصولية دينية

العسكريون الأميركيون نجحوا في الاستقلال عن الحكومة والشعب بعد 11 سبتمبر

TT

يرى مؤلف هذا الكتاب، جيمس كارول، ان الجيل الجديد من العسكريين الأميركيين يتربى في ظروف اصولية دينية وتطرف سياسي. ولهذا اختار اسم «بيت الحرب» لكتابه هذا، لكنه يخشى ان المتطرفين دينيا وسياسيا سوف يحولون «بيت الحرب» الى «بيت الله»، إشارة الى الدمج بين الحكومة والدين.

يقول جيمس كارول، مؤلف كتب وكاتب عمود في جريدة «بوسطن غلوب»، إن العسكريين الاميركيين «ظلوا دائما يريدون الاستقلال عن الحكومة وعن الشعب. لكنهم لم ينجحوا في تحقيق ذلك مثلما نجحوا خلال السنوات القليلة الماضية»، بعد هجوم 11 سبتمبر.

ووصف كارول البنتاغون (مبنى وزارة الدفاع، عبر نهر بوتوماك، في الجانب الآخر من واشنطن العاصمة) انه «اكبر مدفع في تاريخ اميركا، لكنه مدفع غير منضبط»، وانه غيّر سياسات اميركا الخارجية كثيرا، وكان يريد ان يغيرها اكثر لولا «حكمة» رؤساء جمهورية وبعض اعضاء الكونغرس.

وركز كارول على الرئيس دوايت ايزنهاور (الذي كان جنرالا، وقاد قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية حتى انتصرت على محور المانيا وايطاليا واليابان). واشار الى عبارتين مشهورتين قالهما:

ـ الاولى: «احذركم من المؤسسة العسكرية الصناعية (قصد التحالف بين العسكريين ومصانع السلاح)».

ـ الثانية: «البنتاغون دليل على القوة غير المنضبطة التي تنمو وتنمو».

شرح كارول هذه الآراء في كتاب «بيت الحرب: البنتاغون وزيادة القوة الكارثة»، الذي صدر أخيرا. كتب كارول كتابا عملاقا (657 صفحة)، وأهداه الى والده الجنرال جوزيف كارول، حتى لا يتهمه اي شخص بأنه يكره العسكرية والعسكريين. وهنا يتذكر زياراته الى البنتاغون مع والده، عندما كان عمره عشر سنوات، ويقول: «لستين سنة ظل البنتاغون مثل معبد عملاق محرم. عندما كنت صغيرا، والآن؟».

ثم وقع هجوم 11 سبتمبر، الذي أدانه كارول ادانة قوية. ولاحظ ان الهجوم وقع في ذكرى وضع حجر اساس البنتاغون (11 ـ 9 ـ 1941) في حوالي الساعة العاشرة صباحا. قال ان ذلك مجرد صدفة، لكنه اشار الى ان حجم مبنى البنتاغون كان الثاني بعد حجم مركز التجارة العالمي في نيويورك، الذي دمره هجوم 11 سبتمبر. ولاحظ انه «بعد سقوط البرجين الشمالي والجنوبي، اصبح البنتاغون اكبر مبنى في اميركا، رغم انه اصبح مبنى مجروحا».

لكن البنتاغون، كما كتب جورج مارشال (كان جنرالا في الحرب العالمية الثانية ثم اصبح وزير خارجية) في كتاب مذكراته، «مثلما كان رمز قدرة اميركا على هزيمة الاعداء، كان هدفا سهلا للاعداء، خاصة من الجو». وحدث ذلك بعد خمسين سنة من نشر المذكرات.

ولهذا لم يستغرب كارول لأن الارهابيين استهدفوا البنتاغون «لأنهم ارادوا ضرب رمزنا الاقتصادي، ورمزنا السياسي، ورمزنا العسكري». ولاحظ ان العسكريين اسرعوا ونظفوا مكان سقوط الطائرة، في شبه سرية، واصلحوا الجزء الذي اصيب، واحتفلوا بذلك، وكأن شيئا لم يكن. وقال ان هذا ساعده على فهم «سايكولوجية البنتاغون».

لم يقلل كارول من دور البنتاغون في الحرب العالمية الثانية (بني خلالها)، وفي حربي كوريا وفيتنام، وفي حصار برلين وكوبا، وفي اغاثة الصومال واندونيسيا، وفي غزو العراق. لكنه قال «ان في التاريخ اشرارا»، واشار الى «رجال اغرتهم الماكينة العسكرية الجبارة، وخلطوا بين الوسيلة والغاية، وظنوا ان القوة الاميركية لا حدود لها».

وانتقد كارول، ايضا، «روح الانتقام» عند كثير من الاميركيين. وقال انها ظهرت مع نهاية الحرب العالمية الثانية (تدمير مدينة درسدن الالمانية قبيل استسلام المانيا، والقاء قنبلة هيروشيما قبيل استسلام اليابان). وفي حرب فيتنام (حرق القرى وقتل اكثر من ثلاثة ملايين فيتنامي). وبعد هجوم 11 سبتمبر. لكن هذه المرة حدث شيئان اضافيان:

ـ اولا، ظهرت «روح الانتقام واضحة وعلنية».

ـ ثانيا، ظهرت معها «روح الخوف».

وقال كارول: «يفعل السياسيون الخائفون اشياء مروعة، منها تخويف شعوبهم. ويسعد العسكريون بالانتقام ممن ضربهم».

وأضاف كارول عاملي الانتقام والخوف الى العامل الاساسي في نقده للبنتاغون وهو عدم القدرة علي السيطرة عليه. وعاد، ليثبت رأيه، الى خطب الرئيس (الجنرال ايزنهاور) بعد ان ترك البيت الابيض، ونقل على لسانه قوله: «ليس هناك اقوى من رغبة القوي في زيادة قوته. انا لا اتحدث عن القوة العادلة، انا اتحدث عن القوة الكارثة. ولهذا يجب مواجهة هذا التحالف بين القوة والكارثة لأنه يهدد حريتنا ونظامنا الديمقراطي» (ولهذا اسم الكتاب: «زيادة القوة الكارثة»).

وقال كارول: «ظلت الرغبة في الرد على ضربة شخص آخر جزءا من طبيعة البشر. لكنها رغبة تدعو الى الخجل، وهذا ايضا جزء من طبيعة البشر. لانها تفتح الباب للدخول الى مكان مظلم هو بيت اللاعقلانية الذي نعرف اننا يجب الا ندخله».

«ولهذا نخلق اسباباً واعذاراً عندما نرد على ضربة عدو، ونستعمل كل الكلمات إلا كلمة: انتقام»

برر الرئيس هاري ترومان ضرب هيروشيما بالقنبلة النووية بأنه «عمل عسكري لا بد منه»، لكنه شتم، في نفس الخطاب «اليابانيين الأوغاد».

وكان بوش يقدر على ارسال فرق سرية، بالتعاون مع دول اخرى، لقتل قادة منظمة القاعدة في معسكراتهم في افغانستان».

واشار كارول ان توماس فريدمان، الكاتب في جريدة «نيويورك تايمز»، كتب عمودا بعد ايام من هجوم 11 سبتمبر، عنوانه: «الحرب العالمية الثالثة» (ضد القاعدة). وان آخرين يكتبون الآن عن «الحرب العالمية الرابعة» (ضد الارهاب في كل مكان). وقال ان هؤلاء يريدون انتقاما على نطاق واسع.

قدم كارول كتابه عن تاريخ البنتاغون (الناصع وغير الناصع) في صورة قصة شخصية: زار البنتاغون وهو طفل مع والده الجنرال جوزيف كارول، وحتى زيارته الاخيرة، قبيل اكمال الكتاب، الى مقابر آرلنغتون، حيث دفن والده ووالدته. وقال: «يرقد والداي على مسافة قريبة من تمثال الجندي المجهول. على لوحة قبر والدي تاريخ ميلاده، وتاريخ وفاته، سنة 1991، سنة حرب الخليج. والدي، والمدفونون حوله، ماتوا قبل جيل الحروب شبه الدينية».

واضاف: «جيل والدي هو جيل الحرب الباردة، لكنه لم يقتل العدو، بل تفاوض معه، على الجانب الآخر من الستار الحديدي (الذي فصل بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي). جيل والدي لم يضرب موسكو، لكنه عقد اتفاقيات معها. جيل والدي لم يتردد في النقد الذاتي. جيل والدي لم يبالغ في دينه، ولا في آرائه السياسية. لم يكن اصوليا ولا متطرفا».

واضاف كارول: «لكن يبدو ان الجيل الجديد من العسكريين يتربي في ظروف اصولية دينية وتطرف سياسي» ولهذا اختار كارول اسم «بيت الحرب» لكتابه، لكنه يخشى ان المتطرفين دينيا وسياسيا سوف يحولون «بيت الحرب» الى «بيت الله»، اشارة الى الدمج بين الحكومة والدين.

ووصف كارول كيف ان والده كان عسكريا من الدرجة الاولى، لكنه لم يكن متطرفا سياسيا ولا دينيا. وانه قال له مرة: «احذر يا ابني من يوم تعلن فيه حرب بدون سبب اخلاقي ومصيري» وانه نصحه مرة: «لا تنتظر حتى تقع هذه الحرب. انت صحافي مشهور. اكتب عنها، وحذر الناس منها» ولهذا، كما يقول، كتب هذا الكتاب.

=