معركة غيرت التاريخ

السفير البريطاني السابق في العاصمة الروسية يكتب عن أيام الحرب

TT

حينما توقف نابليون عند ابواب مدينة موسكو عام 1812 بان للعيان اول التصدعات الحقيقية التي حدثت في نظامه الامبراطوري. بعد أكثر من قرن على ذلك لا يبدو ان هتلر قد تعلم من درس نابليون القاسي فتوقف هو الآخر عند مشارف موسكو في ديسمبر (كانون الاول) 1941 ثم انتهى امر الجيش الالماني اخيراً عند معركة برلين بعد اربع سنوات من معركة موسكو. الفشل في عدم الاستيلاء على المدينة حدث للمرة الاولى في سبتمبر (ايلول) 1939 للجيش الالماني الذي كان يبدو انه من العسير ايقاف زحفه.

المعركة الثانية حول موسكو ربما تبدو اقل شهرة من معركة نابليون الاولى. لقد اختفت تحت ظلال معركة ستالينغراد وكورسك، الا انها وطبقا لرأي المؤلف رودريك بريثويت يمكن اعتبارها اكبر معركة في التاريخ من حيث عدد المشاركين فيها والذي بلغ اكثر من سبعة ملايين انسان وعلى مساحة تقدر بمساحة الارض الفرنسية، المؤلف بريثويت كان يحتل منصب سفير بريطانيا في موسكو خلال مرحلة انطلاق الشيوعية في الستينات ومرة اخرى خلال فترة الـ «بيريسترويكا» لذلك فإن فترة بقائه الطويل في روسيا ومعايشته للحياة فيها انعكست في هذا الكتاب الذي يصور تصويراً حيوياً وجه مدينة موسكو امام عدو مرعب وشرس. يبدأ كتاب بريثويت بوصف جميل لمدينة موسكو: تاريخها، الريف المحيط بها وفصول السنة التي ستلعب ادواراً مهمة في صفحات الكتاب.

في دراسته هذه يشير المؤلف الى ان معركة موسكو استغرقت ستة اشهر: من سبتمبر (ايلول) 1941 وحتي ابريل (نيسان) 1942 كلفت الروس من القتلى اكثر مما فقد البريطانيون والاميركيون معاً على مدار الحرب كلها. ويعتقد بريثويت ان معركة ستالينغراد التي حدثت نهاية عام 1942 اعتبرها الكثيرون المعركة الحاسمة على الجبهة الشرقية، الا ان المعركة الحاسمة الحقيقية هي معركة موسكو. وقد جرت معركة موسكو خارج العاصمة، وحوصرت القوات الالمانية بعد اجتياحها الكبير للاراضي الروسية، لكنها اخيرا دحرت من خلال مواجهات عسكرية عنيفة فحينما بدأ الهجوم الالماني اتخذ ستالين قرارات استراتيجية انتحارية في الاسابيع التي تلت الهجوم، حيث اخذ يزج افواجا من المقاتلين في طريق الالمان الذين دمروها واحدا بعد الآخر.

كان انتصار الجيش الاحمر واحدا من اكثر النتائج غير المتوقعة في الحرب العالمية الثانية، فقد كانت روسيا غير مهيأة لأشياء كثيرة وكانت القوات على وشك ان تدحر. فخلال صيف 1941 تقدم الجيش الالماني مسافة اربعمائة ميل باتجاه موسكو وذلك خلال ثلاثة اسابيع فقط، وعند نهاية العام اصبح على بعد خمسة عشر ميلا من الكرملن، لكن خلال بضعة ايام تراجع مندحراً تحت هجمات الروس الانتحارية. واخيرا تم تقدير خسائر الالمان بخمسة ملايين انسان فقدوا في روسيا.

يعتقد المؤلف بان موسكو ما كانت لتهدد لو ان ستالين اخذ في الاعتبار التحذيرات التي كانت تنذر بهجوم الماني وشيك بداية صيف 1941، فقد التصق بفكرة ان هتلر سوف لا يهاجم طالما بريطانيا لم تزل غير مهزومة، فقبل ساعات من بدء هجوم القوات الالمانية كان ستالين مقتنعا بأن لا دلائل هناك على هجوم الماني، بل وانه هدد بإعدام اي جنرال يبدي استعدادا للحرب.

معركة موسكو تمثل تاريخا عسكريا يعيد مرده بريثويت كتاريخ اجتماعي وثقافي. المؤلف هنا يعيد خلق الصورة السايكولوجية المعقدة من خلال مئات المقابلات الجديدة التي أجريت للسجناء الروس وكذلك اليوميات والرسائل والصحف.

ويبدو هذا الكتاب اقل تناولا للمواضع الاستراتيجية مما أدى لرسم صور حية لشخصيات عاشت ذلك الحدث وما جرى للناس العاديين ودورهم في الدفاع عن العاصمة اضافة الى الكتب والوثائق والمقابلات الشاملة مع من شارك في تلك المعركة وممن بقي على قيد الحياة حتى الآن.