عرب أميركا يتسلحون بالـ «هيب هوب» للدفاع عن فلسطين ولبنان وأنفسهم

من مجرد رقص إلى حركة ثقافية تجتاح العالم

TT

عرب أميركا يجدون في الـ«هيب هوب» ملاذاً وسلاحاً وطريقة مثلى للتعبير والتأثير في مجتمع لا ينظر اليهم كما الآخرين. هذا الفن الذي بدأ رقصاً وانتهى إلى حركة ثقافية تجد تموجاتها ليس فقط بين السود في أميركا، وإنما بين مختلف شعوب الأرض، بات وسيلة العرب الأميركيين للاحتجاج على بوش وتشيني وكوندوليزا رايس، وحتى على تفتيشهم الممض في المطارات، وتمييزهم عن بقية خلق الله. واللافت ايضا أن هؤلاء العرب المولودين في بلاد العم سام، لا يستطيعون الفصل ابدا بين الـ«هيب هوب» وفلسطين والعراق ولبنان.

جاء الى واشنطن، الاسبوع الماضي، «ايرون شيك» (الشيخ الحديدي)، وغنى، على انغام موسيقى «هيب هوب»، اغنيات: «رسالة الى بوش» و«المحافظون الجدد» «ويوميات بغداد» و«ادوارد سعيد». والشهر الماضي غنى «نومادز» (الرعاة) في لوس انجلوس، على انغام نفس الموسيقي، اغاني حملت عناوين مثل: «يا حبيبي» و«بوش هو الإرهابي». والشهر الماضي، غنى «راغ هيد» أو (غطاء الرأس) في نيويورك على أنغام الـ«هيب هوب» أيضاً، اغاني «هلا» و«اطفال الحجارة» و«الآلهة»، كما أقام «دي جي خالد»حفلا في ميامي غنى خلاله «عربي من جمايكا» و«أنا منكم» و«مارتن لوثر كينغ». بدأ الـ«هيب هوب»، قبل خمس وعشرين سنة، كنوع من انواع الرقص (حركات بهلوانية، لكنها ذكية ورمزية) في شوارع «هارلم» في نيويورك، و«ساوث ايست» في واشنطن، و«واتز» في لوس انجليس، وغيرها من احياء السود الفقيرة في المدن الاميركية الرئيسية. وبعدها صحبت الرقص أغاني، ثم أصبحت كلمات الأغاني عبارات عادية (وكأنها كلام شخص الى شخص آخر)، ثم زاد الاهتمام بالموسيقى وقل الاهتمام بالعبارات (لأن معظمها زنجية من احياء السود، ليس سهلا ان يفهمها غيرهم).

 

10 سنوات من التحولات غطت أميركا والمعمورة

 لكن الـ«هيب هوب» الذي كان مجرد رقص، تحول خلال السنوات العشر الأخيرة إلى حركة ثقافية مؤثرة، غطت كل اميركا (واقبل عليها بنات واولاد البيض اقبالا كبيرا، حير آباءهم وامهاتهم). وانتشرت هذه الحركة في العالم بفضل الانترنت والفضائيات، وخاصة قناة «ام تي في» الموسيقية. وعدد كبير من الأغاني كثيرة تضمن كلمات بذيئة، فيها شتائم للنساء، والشاذين جنسيا، والشرطة (اغلبيتهم من البيض). لكن من الأغاني ايضا ما يتحدث عن مشاكل السود، مثل التفرقة العنصرية، والجرائم، والمخدرات، والاطفال غير الشرعيين والامهات من دون ازواج.

ثم انتشرت «هيب هوب» وسط طبقات اخرى في اميركا. أي وسط البيض (غنى «ام آند ام» عن الظلم الذي يجمع البيض والسود)، ووسط اللاتينيين (غنى «خوزيه» بالاسبانية عن الملايين الذين يعيشون في اميركا بصورة غير قانونية). وانتشرت هذه الثقافة خارج أميركا، وظهر لها نجوم يغنون بالألمانية في ألمانيا، وبالصينية في الصين، وبالعربية في مصر وفلسطين وغيرهما.

 لكن بقيت قضية فلسطين هي محور «هيب هوب» عرب ومسلمي أميركا، وركزت الأغنيات على الظلم والنضال، ثم وجدت أرضا خصبة في أميركا بعد هجوم 11 سبتمبر، وزيادة المضايقات والاساءات للعرب. وبينما خاف الكبار من جيل المهاجرين المولودين في الدول العربية، غضب الجيل المولود في اميركا، ووجد في الـ«هيب هوب» متنفساً للتعبير عن غضبه، وتدور مواضيع أغانيهم حول تفتيش المسافرين في المطارات والطائرات، واحتلال افغانستان والعراق، وضرب الفلسطينيين واللبنانيين، ويتألمون لبغداد المحتلة والقدس المحتلة. لكن هؤلاء لم يولدوا في اي واحد من هذه الامكنة، لقد ولدوا في ريف ولاية تنيسي، وعلى ساحل ولاية فلوريدا، وقرب بحيرة ميشيغان. وهم يغنون في مسارح نيويورك، ولوس انجليس، وواشنطن، ويوازنون في أغانيهم بين الغضب على الظلم، والتفاؤل بالمستقبل اعتمادا على عروبة يفخرون بها، واسلام يؤمنون به.

 

«عمر أفندم» يرفع يديه صوب الشرق

 قال «عمر افندم» (اسمه الحقيقي عمر شقاقي): «ثقافة الـ«هيب هوب» هي دائما ضد الظلم، ونحن العرب دائما مظلومون. ولهذا جمعنا القدر معاً». يغني عمر «فلسطين حرة»، وفي كلماتها يقول: «ارفع يدي نحو الشرق. حيث يريد شعبي السلام. ويريد الحرية من الظلم والاحتلال. كنا اخوانا مثل هابيل وقابيل. لكنهم يحتلوننا ويظلموننا». أما «راغ توب» (لباس الرأس)، واسمه الحقيقي نزار وتد، فهو يقول: «يعتمد تحالفنا مع الاميركيين السود على شيئين: اولا، الـ«هيب هوب» التي هي موسيقاهم. وثانيا، الظلم الذي يشتكون منه في اميركا، ويشتكي منه الفلسطينيون في فلسطين».

لكن اغاني عرب أميركا ليست كلها عن فلسطين ولبنان. فهم يغنون، ايضا، عن المشاكل التي يواجهونها في اميركا، خاصة بعد هجوم 11 سبتمبر. ولا يغني نزار وتد عن تجارب غيره، ولكن عن تجاربه، لأنه، كما قال تم تفتيشه اكثر من عشرين مرة في المطارات والطائرات خلال السنوات الخمس الماضية. وقال «دي جي خالد» (اسمه الحقيقي خالد خالد) انه فلسطيني ولد في فلوريدا، واختلط كثيرا مع مغنيي «هيب هوب» السود، في افريقيا وفي جزر البحر الكاريبي، وزار دولا مثل جمايكا، وغنى للسود والعرب والهنود الحمر. لكنه، في معرض حماسته لكل هؤلاء الذين قابلهم وعمل معهم يقول: «جذور العرب نجدها». جمع خالد في أغنياته بين ظلم «الغيتو» الاسود، وظلم الاقليات في اميركا، وظلم اعمامه في الشرق الاوسط.

 

«الشيخ الحديدي» وصورة العربي الفخور بانتمائه

لماذا اسم «الشيخ الحديدي»؟ قال لـ«الشرق الأوسط»: «كان ثمة ملاكم أميركي سمى نفسه «الشيخ الحديدي» قبل سنوات، وقدم نفسه كعربي يحب العنف، ويصرخ بصوت عال، ويريد قتل خصمه. كان يلبس ملابس عربية، ويضع كوفية على رأسه، ويلبس حذاءين مثل احذية قصص «الف ليلة وليلة». عرفت منه، في البداية، اسوأ شيء، وهو ان العرب اشرار». يضيف الشيخ الحديدي قائلاً: «لكنني كبرت ووعيت وتعلمت، ولهذا قررت ان اقدم «الشيخ الحديدي» الحقيقي. أريد أن أغير صورة العربي لتكون ليست فقط ايجابية، ولكن ايضا فخورة ومتعالية، ومن هنا كلمة حديدي».

الا تخشى ان تتهم بأنك ارهابي؟ قال: «لا. الارهاب ضد المدنيين الابرياء خطأ اخلاقي، حتى اذا كان الهدف منه التحرير او الأمن. لكن هناك جيوش ترهب المدنيين اكثر من منظمات غير حكومية. ولهذا عندما نتحدث عن الارهاب يجب ان نلاحظ بأن هناك دول ترهب وتخيف بدباباتها وصواريخها». واضاف: «اسأل اي انتحاري: «الا تفضل أن تستخدم دبابة؟»، لا بد انه سيفضلها لأنه يعرف انها تدمر اكثر وترهب اكثر. قادت الولايات المتحدة، منذ سنة 1991، حملة ضد العراق وقتلت مائة الف شخص على الاقل، ولا يزال القتل مستمرا. اليس هذا ارهابا؟».

 

«ثري محمدز» أغنية عن الشرطة والحكومة والشعب

 غنى الشيخ الحديدي آخر اغانيه: «ثري محمدز» (محمد ومحمد ومحمد) التي تقول كلماتها: «محمد ومحمد ومحمد. يجب الا يشك احد فينا لمجرد اننا عرب. يجب الا يشك احد فينا لمجرد اننا مهاجرون. يقول الذين يشتموننا ما يريدون. يبسّط الذين يشتموننا اشياء معقدة، الا ترى؟ نحن مجرمون حتى تثبت براءتنا، الا ترى؟ لا توجد ادلة كافية لاثبات براءتنا. محمد ومحمد ومحمد. يأخذوننا الى السجن، ولا يقولون لنا السبب. جئنا الى اميركا لنعمل، لا لتراقبنا الشرطة. الاعلام يبالغ، والحكومة تحرف، والشعب يؤيد. محمد ومحمد ومحمد. نحن عرب، رغم كل شيء. نرجوكم لا تكرهونا. سنعيش هنا، وسيعيش احفادنا هنا، ولن تقدروا على ابعادنا».

وكذلك غنى «نيو كون لف» (أغنية المحافظين الجدد) التي تقول كلماتها:

«لنفرح عندما ينخفض سعر البترول، ويصبح كل العالم باللون الأحمر والأبيض والأزرق (الوان العلم الاميركي). كونداليزا (وزيرة الخارجية)، انت جميلة. شيني (نائب الرئيس)، انت مثير. وولفووتس (نائب وزير الدفاع سابقا)، انت حلمي. دبليو (بوش)، انت غريب».

 

محاكمة سياسات بوش الخارجية

 وغنى «الشيخ الحديدي» أغنيات عن سياسات الرئيس بوش الخارجية، ومنها «محاكمة بوش» التي تقول كلماتها: «شيء غريب، رئيس غير شريف يتحدث عن الله. تقول الوصايا العشر: لا تكذب، ولا تقتل، ولا تسرق. وظيفة بوش هي الكذب، والقتل، والسرقة. هذه ليست هواياته، انها تخصصه. ماذا نفعل له؟ نحاكمه، نحاكمه، نحاكمه». وغنى «الشيخ الحديدي» لبغداد قائلاً: «هل تعرفون ماذا يغضبي؟ مجد بغداد الذي دمر. الدبابات الخضراء، والضربات الجراحية، والصحافيون يكتبون من فندق «فلسطين»، وبوش مثل شخص مصاب بالجذام. مريض علاجه قتله». وغنى للمفكر الأميركي ـ الفلسطيني ادوارد سعيد، اغنية اسمها «حوار مع ادوارد سعيد» تقول: «شكرا على اعجابكم بي. عن ماذا سنتحدث الليلة؟ عن فلسطين وحقوق الانسان العالمية». وفي الاغنية المقاطع التالية: «بالاخضر كفناه، بالابيض كفناه، بالاسود كفناه»، وهي مأخوذة من اغنية «كفناه» للفنان اللبناني مرسيل خليفة.