عبد القادر الكتيابي شاعر يثأر للسودان بوضعه على الشبكة العنكبوتية

مشروع ضخم يحاول أن يصنع مجده بإشراك المواطنين

TT

السودان بلد غائب عن شبكة الإنترنت أو شبه غائب. أدباؤه، تاريخه، جغرافيته، طبيعته، سكانه واهواؤهم، ليست في متناول متصفح الشبكة العنكبوتية. وهذا يعود لإهمال رسمي وغياب المبادرات الخاصة. والغريب أن من نادى بالنهوض بالمهمة، وسد هذا الفراغ الكبير، وبدأ بالتنفيذ، ليس وزيرا أو مسؤولاً، وإنما هو شاعر، يفترض أنه أبعد ما يكون عن هكذا مشروع توثيقي. ولكن عبد القادر الكتيابي مصر على المضي في مهمته، وسيكون بوسع المتصفحين للشبكة، ان يتعرفوا على السودان، في القريب العاجل، بطريقة مختلفة، وبتوثيق، يقدم للمرة الأولى من السودانيين أنفسهم وعن أنفسهم.

الشعراء الذين يحلّقون بكلماتهم وأحلامهم في السماوات السبع، يندر أن يخططوا لمشاريع ملموسة أو أن يتعاملوا مع الإنترنت، ناهيك من تطويعه لـ«مآربهم» الوطنية. ولكن، وكما معظم المشاريع الثقافية الكبيرة في الخرطوم التى يطلقها عادة المثقفون الجادون، ها هو الشاعر عبد القادر الكتيابي يعلن عن مشروعه التوثيقي الضخم للأدب والأعلام والمدن والقرى السودانية على شبكة الإنترنت، ويستعد لعقد مؤتمر صحافي في الخامس من سبتمبر المقبل لإطلاع الناس عليه.

يقول الشاعر الكتيابي في حديث له مع «الشرق الأوسط» موضحا لبنات مشروعه التوثيقي للأدب والشعر السوداني «هذا المشروع مختص بالحضور السوداني على شبكة الإنترنت، أملته ملاحظاتي بوجود غياب إعلامي كبير للأدب السوداني، فمتصفحات البحث بمختلف شبكاتها وشركاتها ولغاتها، لم نجد فيها من وجود للأدباء والشعراء والأعلاميين السودانيين على كثرتهم، وإذا ما كتبت اسم شاعر أو أديب سوداني قلّ أن نجد معلومات عنه، والسبب هو عدم التفات الجهات المعنية هنا، من رسمية أو غير رسمية إلى الشأن الثقافي. فهم يهملون شبكة الإنترنت بشكل كبير، رغم انها متاحة بشكل يومي، وتعد وسيلة كبيرة للتواصل، ولذلك أطلقت ذلك النداء للمشروع على المواقع السودانية، ومن خلال حوارات تلفزيونية ولقاءات وكتابات صحافية، وحملت العبء لترسيخ هذا التوثيق، وطلبت من المهتمين بأن يرسلوا إلى بريدي الإلكتروني الخاص، وأن يساهموا فقط في طباعة أعمال الشعراء والأدباء السودانيين».

وعن استجابة الجمهور يعلّق الكتيابي «هذا النداء وجد استجابة كبيرة من الشباب، الذين يجلسون أمام الأجهزة بالساعات في بيوتهم وفي مكاتبهم، فمنهم من بعث بقصائد لإدريس جماع، وهي طبعا موجودة بالكتب. ولكن كما قلت، أنا لا أطلب أكثر من طباعتها على الكمبيوتر، ثم إرسالها لنا حتى يتاح لنا تنقيحها ومراجعتها، وتكون متوفرة للمتصفح في كل لحظة، بحانب السيرة الذاتية للشاعر أو الأديب لا أكثر. لا بد أن نقوم نحن شعبيا بما قصر عنه الرسمي، فقد أردنا أن نسد النقص على طريقتنا، أن نجمع الأشعار والكتابات ونطلقها على الأثير وأراه أمراً وطنياً بحتاً، ورد جميل للمبدعين السابقين لأنهم لم يدركوا هذا العصر الذي أدركناه».

وللكتيابي موقع خاص به على الإنترنت، بل هو من أول الشعراء الذين نشروا أعمالهم على الشبكة، ويعلّق قائلا: «بعض من أبناء جيلي والجيل الذي تلانا، ممن أدركوا هذا العصر وأتيحت لهم الفرصة، أطلقوا مواقع لأنفسهم، ولكن الأجيال السابقة، لها علينا دين، في أن نبرز إبداعها وعملها. وكنت كلما دعيت إلى أمسية أو نشاط أدبي عربي في بلد ما، لا أبدأ بقراءة شعري حتى أقدم أولا نماذج من أعمال الشعراء السودانيين السابقين كإدريس جمّاع، والتجاني، يوسف بشير وغيرهم، ليعرف الناس على ماذا تأسست علاقتي بالشعر، وهذا واجب على كل صاحب رسالة».

وبجانب التوثيق الأدبي يطلق الشاعر الكتيابي التوثيق الجغرافي فيقول «المشروع الثاني وهو «معجم الأطلس للقرى والحلال في السودان»، هو مرجعية مفقودة فى المكتبة الوطنية السودانية. فمنذ الاستقلال عام 1956 مرّ على وزارة الثقافة عشرات الوزراء، تمكنت البيروقراطية منهم، وتحولت مكاتبهم إلى أماكن، تهتم بالشأن الوظيفي الداخلي ومنعزلة عن القضايا الوطنية. ونحن لا نعترض على أن يبقى وزير في مكانه، ولكن نريد فقط أن يقدم شيئا لهذا الشعب. وحينما قمنا بتسليم هذا التصور لسد هذا النقص المرجعي على الانترنت للقرى والحلال، قصدنا به أولا أن نحقق ولأول مرة، في تاريخ السودان مرجعية بأيد سودانية. فالمراجع المنتشرة عن جغرافية وتاريخ السودان في مكتبة الكونغرس ودائرة المعارف البريطانية، والمحافل الدولية كلها موضوعة من قبل منظمات أجنبية، ونتجاوز الطعن أو التشكيك في نوايا هذه المنظمات تجاه السودان. ولكن نريد أن نقول لأخوتنا وأبناء شعبنا، إن علينا قبل أن ننطق بكلمة وطن أن نتعرف على قسمات هذا الوطن، فالشخصيات التي طرحت نفسها في الإعلام العالمي لتتحدث عن السودان، نلاحظ أن كلا منها يحمل في خياله سودانا غير الذي نعرفه نحن، وأسماء القرى والحلال ليست غاية في ذاتها، فنحن لا نضع قاموسا. الغاية من المشروع أن نضع معلومات عن هذه القرى، وأن نقوم أولا بتصنيف أسمائها، ما سمي منها على نوع الأعشاب، وما سمي على أسماء رجالها الصالحين وما سمي تيمناً بالمعالم الطبيعية، ثم النشاط الاقتصادي، البيئة العقيدة، السكان، وأسماء الأعلام ومستوى الخدمات إلخ. هذه المعلومات يتم عرضها على الموقع الإلكتروني التالي www.sd-encyc.com وهناك مرجعية تتكون من 40 عالما ونفتح الباب لكل مهتم بالشأن السوداني، من مبرمجين وراسمي خرائط ومصممين وغيرهم.

وكدأب الكتيابي الذي يطلق هجومه على السلطات قولا وشعرا! يقول «هذه المعلومات ستساعد على كشف الكثير مما تتشدق به الأنظمة من مشاريع كتوطين الرحل، الأمن الزراعي والصناعي وغيرها من العبارات الرنانة والمستقطبة، ولكن لا يتم الإنجاز الفعلي لها». ويختتم اللقاء قائلا: «ساعدني هذا المشروع على معرفة بعض من مشاعر سيدنا نوح، وهو يصنع السفينة على البر، فكنت أسمع الكثيرين يقولون بسخرية، أن هذا مستحيل، ولكنني والأخوة والفريق الذي يعمل معي سنريهم «أنه بسم الله مجراها ومرساها»، فليس مستحيلا أن نوثق لهذا الوطن».