رواية الحرب.. الحرب على الرواية في لبنان

الدار البيضاء: صدوق نور الدين

TT

ارتبط تلقي الرواية العربية في لبنان بالحرب. ذلك أن المادة الموظفة كانت ـ وباستمرار ـ تتأطر ضمن ما قبل الحرب، أو في سياقها، أو ما بعد الحرب. هذا النوع من التاريخ حتَّمه وفرضه الواقع المعاش في وطن عربي تفرد بخصوصيته السياسية وبتركيبته الاجتماعية، إلى ثراء ثقافي، حيث يمكن عد بيروت منارة الإبداع والمعرفة، إذا ما لمَّحنا لكون أقوى الأسماء العربية المفكرة تم تداولها تأسيسا من نشر نتاجها في بيروت، علما بأننا لا نغفل ما قدمته القاهرة وما تزال، وفي زمن آخر العراق.

بيد أن الدلالة البعيدة لهذا التاريخ، تتحدد في انتفاء زمن آخر للكتابة خارج قوة الحرب وانعكاساتها الجريحة، الشيء الذي يدفع إلى القول إن مدونة الكتابة الروائية في لبنان تعمل على الإفضاء بالحقيقة: حقيقة الواقع، وواقع الحقيقة. واللافت أنه وحتى في زمن البناء، ونهضة لبنان، لم تغب صورة الحرب عن كتابات: إلياس خوري، حسن داوود، ربيع جابر، رشيد الضعيف، هدى بركات، نجوى بركات، رينيه الحايك، علوية صبح، وغيره. وكأن التفكير في / وداخل اللحظة الهادئة لا يمكن أن يستمر إلا لظرفية قصيرة، لتعود الحرب مجددا، والأغرب أن تكون مدعومة هذه المرة بخلفية وهم الأمبراطورية، في ظرفية لم تعد فيها الأمبراطوريات تغري بالحديث.

بيد أن اللافت في هذه الهجمة الوحشية والشرسة أن الرواية التي عملت على إنتاج حقيقة السائد والمتداول تقع الحرب عليها في ضوء كونها السجل اللغوي الحاضن لمشهد الحرب وانعكاساتها، إذا ما لمحنا للإبادة والتخريب والتقويض والهدم الذي مس/ يمس البنيات التحتية والمعالم الرمزية والحضارية التي يتفرد بها لبنان. إلا أن هذا المقصد لا يمكن أن يتجسد فعليا طالما أن الإنسان الشاهد على المرحلة موجود، وعلى السواء التاريخ الحق والموضوعي الذي تنفتح عليه التجربة لتعيد إنتاجه وفق متخيل رمزي استعاري يوحي بما ساد، بدون أن يقرره التقرير السلبي.

إن الرواية في لبنان وفي ظل سياقات الحرب السابقة والراهنة، وقد تكون مستقبلة، تعمل على استجلاء اللا يقين الذي يطبع ليس الحياة في لبنان فقط، وإنما في هذا العالم العربي، حيث استفحال التناقضات، وتراجع الحركات التقدمية المناهضة، إلى صمت المثقف عما جرى / يجري هنا وهنالك، إلى السلبية التي تسم الثقافي والتربوي التعليمي، نحو تعضيد وتفعيل مهرجانات للفن الرديء والمنحط.

إن المرحلة الراهنة، مرحلة المجابهة والصمود، ستعمل الرواية في لبنان على تدوينها، والتأريخ لها، تماما مثلما حدث في السابق، وهو درس في التوعية تقدمه الرواية تأكيدا على حضورها وفاعليتها على السواء.