الحقيقة وراء أسطورة ماوتسي تونغ

70 سنة على سيرة الصين الكبرى

TT

عام 1934 ترك «200» ألف فرد من افراد الجيش الأحمر قاعدتهم الجنوبية بسبب مهاجمة قوات تشيانغ كاي تشيك الوطنية له، قاطعين حوالي ثمانية آلاف ميل مرهقة عبر الانهار والمستنقعات وداخل السهول الواسعة المتجمدة لشمال غرب الصين. لم يبق على قيد الحياة من افراد هذا الجيش سوى «40» الف شخص لاطلاق ثورة ماوتسي تونغ ودحر قوات تشيانغ كاي تشيك. من هؤلاء الاربعين الفاً بقي 500 شخص منهم على قيد الحياة حتى هذا اليوم.

في هذا العام «1934» كان الحزب الشيوعي الصيني في وضع حرج. كان قادته يتمركزون في منطقة جيانغسي، وهي منطقة فقيرة ونائية مناطق وسط الصين. وكان قائد الصين وزعيم الحزب القومي تشيانغ كاي تشيك على وشك ان يتخلص ويقصي الشيوعيين في عملية عنيفة تدعى بـ «حملة الابادة»، لذلك بدأ حوالي «86» الف شخص من قوات الجيش الأحمر بالتحرك نحو الغرب، واثناء مسيرهم واجهتهم قوات امراء الحرب المحليين وقصفوا من قبل القوات الجوية التابعة لتشيانغ كاي تشيك وارغموا على التعامل مع اقسى الظروف المناخية واصعب الاراضي الصينية. بعد عام على ذلك وصل حوالي عشرة آلاف منهم الى مقاطعة شانكي في الشمال الغربي، حيث استطاعوا اعادة تنظيم صفوفهم. واخيرا، وبعد حربهم مع اليابانيين ودحرهم قوات تشيانغ كاي تشيك الوطنية استطاعوا حكم الصين واصبحت المسيرة الكبرى اسطورة الدولة الجديدة وقيادة ماوتسي تونغ.

هذان الكتابان «المسيرة الكبرى» لـ صن شويان «المسيرة الكبرى»: القصة الحقيقية وراء الرحلة الاسطورية التي صنعت ماوتسي تونغ لـ جوسلين واندرو مكوين يصدران الآن بمناسبة الذكرى السبعين للمسيرة، وهما يرويان القصة التي اوشكت على النسيان بعد ان كانت تشكل نصرا اعلاميا لقادة الصين على مدى سنين طويلة. كلا الكتابين هما مزيج من تسجيل حي لرحلة حقيقية واعادة تاريخية مثيرة. جوسلين واندرو مكوين هما صحافيان بريطانيان يعيشان في الصين قررا اعادة خلق هذه المسيرة بواسطة سيرهما طوال كل تلك المسافة التي قطعها ماوتسي تونغ ورفاقه، اما صن شويان فإنها نشأت خلال فترة الثورة الثقافية في الصين وتعيش الآن في بريطانيا لكنها تقوم بين الحين والآخر بكتابة تحقيقات حول التغيرات التي تطرأ في الصين.

كلا الكتابين يوليان أهمية خاصة للقصص التي تتحدث عن الجنود العاديين الذين صنعوا المسيرة وليس قصص القادة ويشيران الى ان النصر الذي تحقق خلال المسيرة الكبرى قد سخره ماوتسي تونغ ولعقود طويلة لأغراضه الذاتية التي تتعلق بتمجيد مهاراته السياسية والعسكرية خلال المسيرة وعصمته من ارتكاب الاخطاء.

من قراءة الكتابين يبدو ان هناك اختلافا بينهما في ما يتعلق بمدينة يودو المعتمة التي تقع وسط الصين، حيث جوسلين واندرو يبدآن رحلتهما من هناك، ولأن اغلب الجنود العاديين ابتدأوا المسيرة من هذه المدينة وليس من المكان أو المدينة الشهيرة روجين، حيث كان القادة النخب يعسكرون فيها مثل ماوتسي تونغ. المؤلفة صن شويان زارت ايضا مدينة يودو لكن تحقيقاتها في هذه المدينة تكشف عن ثمة شيء جديد وهو ان مدينة يودو ليست فقط مدينة مظلمة ومهملة لأن ماوتسي تونغ لم يبدأ مسيرته منها، وانما ايضا بسبب ان هذه المدينة كانت ولقبل بضعة شهور من بدء المسيرة مسرحا لعمليات تطهير مرعبة داخل صفوف الحزب الشيوعي الصيني، وكان ماو هو المسؤول عن اطلاق شرارة هذه العمليات التي اتهم فيها معارضيه في الحزب بأنهم جواسيس قوميون، على اثر ذلك تم اعدام حوالي «20» الف انسان.

من ناحية اخرى فإن كتاب صن شويان يعتمد على المقابلات التي اجرتها مع الاشخاص الذين ما زالوا على قيد الحياة ممن شاركوا في المسيرة، كما وانها تركز على الجانب الآخر من المسيرة الذي تم تدوينه خارج الكتابات الرسمية مثل مسألة الهروب الذي كان دائما يشكل مشكلة كبيرة، حيث يتم اعدام من يُلقى القبض عليه من قبل الجيش الأحمر، أو مثل تعويض الجيش الاحمر الفلاحين قيمة الحبوب التي يأخذونها منهم، الا ان المال كان شحيحا في مرتفعات التبت المتجمدة، حيث تصادر تجهيزات كل القرية الشتائية من الحبوب، وتحلل المؤلفة هذه الحالة بالقول «ان قسوة الحزب لم تأت من عقل موجه شرير اختار ان يهمل المشاعر الانسانية وانما لأن الصين في الثلاثينات من القرن الماضي كانت المكان الذي طبع فيه العنف المجتمع على كل المستويات وحيث الخيارات متوفرة بين الخير والشر».

اضافة الى كل ما يتحدث عنه الكتابان حول المسيرة الكبرى، فانهما، وفي نفس الوقت، يكشفان عن ثمة شيء جدير بالاهتمام وهو اماطة اللثام عن كثير من الاساطير التي نسجت من قبل ماو حول هذه المسيرة. اما المؤلفة الصينية الاصل صن شويان التي تعيش الآن في الولايات المتحدة الاميركية فإنها تعتقد بأن بواعث الكثير من الصينيين الذين شاركوا في المسيرة قبل سبعين سنة لا تختلف كثيراً عن بواعث المهاجرين الصينيين اليوم وهي الرغبة في العيش حياة مادية افضل. على اية حال فإن كلا الكتابين يعرضان تجربة مسيرة طوعية من خلال معايشة الذكرى واجواء الحدث الذي يحتاج، بلا شك الى شيء غير قليل من الثبات والصلابة.

اسم الكتاب: المسيرة الكبرى

المؤلف: صن شويان

الناشر: هاربر كولينز

لندن 2006

الكتاب: المسيرة الكبرى: القصة الحقيقية وراء الرحلة الأسطورية التي صنعت ماوتسي تونغ

المؤلفان: جوسلين واندرو مكوين

الناشر: كونستابل وربنسون

لندن 2006