زخرفة مغربية مجبولة بعناصر التشكيل الأوروبي

معرض النحات المغربي محمد أوشن يمزج بين أحلام الطفولة في طنجة والحياة اليومية في كولون

TT

تترك اعمال الفنان المغربي محمد اوشن (مومو) في معرضه الذي نظم اخيرا في كولون بالمانيا لدى المشاهد انطباعا حادا بالغرابة، ليس بسبب امتزاج العناصر الفنية والشرقية فيها فحسب، وانما بسبب تكويناتها الفانتازية الغريبة التي تتغير الاشياء فيها وتتراكب في كثير من الاحيان حد الانمساخ. فاعمال مثل «السفينة» و«حلم ناقص» وعدد من الاعمال الاخرى الي تحمل عنوان «بلا عنوان» تتكامل فيها العيون الحيوانية والاجساد البشرية والزخرفة المغربية المجبولة بعناصر التشكيل الاوروبي، مثل اجزاء السيارات والمحركات وغيرها، لتشكل وحدة فنية متينة بغرابتها وجمالها. انها مزيج من احلام الطفولة المغربية، حيث نشأ اوشن في طنجة، والرؤى اليومية في كولون حيث ترعرع واكتملت عناصر فنه. في عمل كبير مثل «السفينة» استخدم الفنان عناصر طفولته على البحر في طنجة ليخلق من السفينة شكلا يشبه السلحفاة الكبيرة. ووضع الفنان المجاذيف في قمة ظهر السلحفاة فبدت كأنها اجنحة تدعو للاعتقاد ان السلحفاة ستطير في اية لحظة. وفي عمل آخر بلا عنوان ويبلغ ارتفاعه حوالي المتر نجد شكلا تشبه عيونه الطويلة عيون الحشرات وارجله تقترب من ارجل الحيوانات وتقوده بوصلة في بطنه نحو اللاشيء.

يقول الفنان انه يستعيد اثناء العمل ذكريات طفولته الاولى في طنجة التي غادرها الى المانيا وعمره 9 سنوات حيث دفعه فقدانه للالعاب والاشياء الجميلة، بسبب ضيق الحال، الى صناعة هذه الاشياء من طين واللعب بها. اما مواده الاخرى فكانت ما يلقاه على الشاطئ او في الشارع من محار ولقى بسيطة يزين بها اشكاله الطينية. فما يفعله الآن هو انه يعيد نفخ الحياة في هذه الاشياء ليمنحها عناصرها الشرقية ـ الغربية ويسبغ عليها حلتها الفانتازية.

والمواد التي يستخدمها اوشن في اعماله تبدو بلا نهاية لأنه يستخدم كل ما تقع عليه يده من اشياء. فهناك الخشب وقضبان الحديد والحبال والمحار والحصى الملون (العيون) والجلود والمسامير والعاج والقماش والسجاد والاسلاك والزجاج الى جانب اجزاء محركات السيارات والترانزيستورات الصغيرة والمقاومات واجزاء الدورات الكهربائية.

واذ تمنح عناصر الحياة العصرية العمل صبغته الاوروبية الحديثة فان التكوينات والجلود والمسامير والحبال والزخارف المغربية تتكفل بمنحه نكهته العربية الشرقية. فنسيج العمل الذي يجمع بين الحضارتين الشرقية والغربية يعبر باية حال عن الطبيعة المزدوجة للفنان وبحثه الدائب عن هويته بين شواطئ طنجة وضفاف الراين في كولون.. واشياؤه تبحث وتبحث عن محط قدم لها في هذه الحياة، تارة باستخدام «البوصلة»، وتارة على متن «سفينة»، وتارة اخرى من خلال «عدسة كاميرا» او تستطيل عيونها وتفتح «قلبها» لتطرح اسئلتها الوجودية والعبثية احيانا كما هو الحال في «بورتريه شخصي».

تتشكل الاعمال وتكتسب تكوينها النهائي بالعمل والتجريب والفطرة احيانا وهذا ما يقوله الفنان نفسه: تعمل يداي بالفطرة حينما اندمج بالعمل فانفصل عن الزمان والمكان. واحس اني تحولت الى اداة عمل ولم اعد خالق هذه الاشكال، فالاشياء تشكل قوة عملي. وعملية الخلق تتكون وحدها من خلال التجربة تتخللها فترات تصل الى حد الانسلاخ».

ولد الفنان في طنجة وانتقل مع عائلته الى المانيا عام 1969. بدأ الرسم في عمر مبكر حيث قدم بعض الاعمال في السبعينات والثمانينات قبل ان يتحول الى النحت نهائيا في التسعينات. اقام سبعة معارض حتى الآن كلها في المانيا.

استمع الجمهور الغفير الذي حضر الافتتاح الى عزف على العود قدمه عازف العود العراقي رائد خوشابا، وهو احد تلامذة عازف العود الاشهر منير بشير ويقوم حاليا بجولات للعزف بين المدن الالمانية.