سيد قطب هو «سيد عصر الإرهاب»

رفعت السعيد يشن هجوماً عنيفا على «التأسلم السياسي» في كتاب جديد له

TT

يناقش المؤلف في هذا الكتاب فكر الجماعات المتأسلمة الحديثة، فيرى أنه يقوم على التفسير النصي، مثال ماحدث عندما تعرض حسن البنا لأول خلاف داخل جماعته «اختلف معه بعض إخوانه عندما قبل دعما ماليا من شركة قناة السويس الاستعمارية فأمر بالمخالفين فضربوا وبرر ذلك مستندا إلى: من خرج على الجماعة فاضربوه بالسيف».

يقف الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع المصري موقفا معارضا من قضية استخدام الدين في العمل السياسي، حيث يرى أنه لا يجوز اتخاذ الدين سلعة في سوق السياسة المليء بالمتناقضات والمصالح المغرضة. ويتبلور هذا المفهوم بشكل جلي في كتاباته التي تعتمد على الجدل والحوار في فهم حقائق الأمور؛ وإعمال منطق العقل في النظر إليها، بما يخدم المصلحة العامة للمجتمع وللناس.

في إطار هذا المفهوم يتناول الدكتور رفعت في كتابه «التأسلم السياسي.. جماعة الإخوان المسلمين نموذجا» الصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، مسألة التأسلم السياسي بمعنى إلباس الموقف السياسي أو المصلحة السياسية ثيابا دينية، حيث يرى إن هذه المسألة التي بدأت من الصراع على السلطة في نهاية عهد الخلفاء الراشدين واستمرت خلال الدولة الأموية ثم العباسية وتمادت إلى أسلحة السياسة فأخذت تتخلق في ثنايا مقولات وأقاويل جماعة «الإخوان المسلمين» فتارة هم مجموعة الناطقين بالشهادتين في مواجهة الكفار الذين ينكرون على الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته، وتارة أخرى هم أهل الحل والعقد في الإسلام، وأخيرا استخدامهم منهجية التفسير النصي للقرآن الكريم، اي عدم الاعتداد بأسباب التنزيل وبواعثه وظروفه، مشيرا إلى أن فقه التفسيرالنصى يخلط بين الدين المعطى السماوي وبين الفكر الديني وهو بالضرورة معطى انساني. ويؤكد السعيد على أن عملية تسييس الدين أو نديي السياسة هي فعل خاطئ من الناحية المنهجية، فالسياسي الذي يطرح رأيا أو موقفا أو برنامجا فإن اختلفت معه كنت معارضا له أو معترضا عليه، لكن هذا الرأي إن جاء متشحا بالدين ومستخدما رداءً دينيا فهو يفرض على المسلمين بأن هذا الكلام هو الدين ذاته أو في أحسن الأحوال هو الرأي الصحيح في الدين وفي معطياته، فلا احد يخالفه لأن المخالفة له تعد مخالفة لصحيح الدين. ويوضح السعيد أن فكرة احتكار الدين لصالح جماعة سياسية يعطيها الحق في الاستقواء بالدين على جميع من عداها فتصبح هذه الجماعة هي الممسكة بمفاتيح الصحيح والخطأ لأنها الممسكة بمفاتيح الحلال والحرام وبالتالي لايجوز الخروج عما تراه هذه الجماعة صحيحا، فالخارجون عليها يجب ضربهم بالسيف. ومن ثم تنمو بذور العنف ويصبح أداة طيعة في يد تلك الجماعة لتأديب الخارجين.

ويناقش المؤلف فكر الجماعات المتأسلمة الحديثة، فيرى أنه يقوم على التفسير النصي، مثال ماحدث عندما تعرض حسن البنا لأول خلاف داخل جماعته «اختلف معه بعض إخوانه عندما قبل دعما ماليا من شركة قناة السويس الاستعمارية فأمر بالمخالفين فضربوا وبرر ذلك مستندا إلى: من خرج على الجماعة فاضربوه بالسيف». ويرصد المؤلف بعض مخاطر التأسلم السياسي فيما يسميه «التفيقه» أي محاولة اعتصار مواقف دينية حول مستجدات دنيوية لم ترد في أصول الشريعة ولا فروعها.

ويرى أن الدين مطلق الصحة وان الفكر الديني نسبي الصحة، لأنه رؤية إنسانية تتغير بتغير الزمان والمكان.

ويتناول الدكتور السعيد مفهوم التأسلم وروافده سعيا وراء فهم حقيقي لجماعة الإخوان المسلمين، نشأتها، وتاريخها، وفكرها، وممارستها ثم تداعياتها، وتوابعها، ويبدأ ببطاقة الهوية المطولة لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا، ثم بطاقة الهوية للجماعة. وذلك في إطار مناقشة مستفيضة لمفهوم البيعة «السمع والطاعة»، والجهاز السري الذي بدأ بالجوالة ثم كتائب أنصار الله فموقف الجماعة من القضية الاجتماعية ودورهم في الحركة العمالية المصرية وتكفير كل من يتصل بالقانون الوضعي مع التأكيد على أسلوب المرونة والغموض، فمرة الإخوان دعوة سلفية وطريقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية. ومرة دعوة القرآن والحق الشامل، إلى أن وصلت إلى دعوة الثمرة الناضجة للشيخ سيد قطب الذي يدعو الى تكفير المجتمع الحاكم والمحكوم على السواء.

ثم يعقب المؤلف بقوله انه في ظل وجود قيادة لجماعة الإخوان المسلمين منغلقة على نفسها لا تمتلك لا الكفاءة الفكرية ولا التنظيمية التي اعتاد عليها الاخوانيون ومع بروز قيادات من الكوادر الوسطى اكتسبت في ظل ظروف محددة بعضا من وجود جماهيري وهي قيادات قدمت الى الجماعة من صفوف «كرة الثلج» التي ولدها سيد قطب، أي من صفوف الجماعات الجهادية كما يسمونها، فهم ـ حسب تعبير المؤلف ـ دخلوا الجماعة شبانا «طلابا أو خريجين جددا» صعدوا خطوة أو خطوتين ثم كفى، فالحصون العليا في قيادة الجماعة محصنة لا يمسها إلا «المقربون» ابن المرشد المؤسس وابن المرشد التالي، أما هؤلاء الغرباء فلا مكان لهم في قمم القيادة الاخوانية. ويستشهد المؤلف ببعض الأدلة على ذلك فيقول إن القيادة العليا في جماعة الإخوان المسلمين بدأت تلعب لعبة غريبة تورط قواعدها ولا تتورط هي فيها، فهم يسجنون وهي تنجو.

ثم تناول الدكتور السعيد شكل التنظيم الداخلي لجماعة الإخوان وطريقة استخدامها وممارستها للديمقراطية، حيث يرى أن الجماعة تفتقد أي شكل من أشكال الديمقراطية متسائلا: أية ديمقراطية مع من بايعت المستشار مأمون الهضيبي أو مصطفى مشهور أميرا أو مرشدا على السمع والطاعة في المنشط والمكره؟، وأية ديمقراطية فيما أسمى ببيعة المقابر؟ حيث وبشكل مفاجئ بويع مصطفى مشهور مرشدا عاما للجماعة خلال مراسم دفن المرشد السابق، بايعه المشيعون دون ترتيب ودون احتراز من أن يكون المبايعون لا يمثلون الجماعة تمثيلا حقيقيا أو حتى لا يكونوا أعضاء فيها.

ويرى المؤلف أن مثل هذه العوامل أدت إلى التململ في صفوف الكوادر الوسطى وظهرت تداعيات جديدة تمثلت في انشقاقات من الجماعة بعضها أسمى نفسه «حزب الوسط تحت التأسيس» وآخرون كثيرون متمردون صامتون أو منسجمون دون ضجيج أو يستعدون لذات الشيء.

ويخلص الدكتور رفعت السعيد إلى أن الإرهاب يبدأ فكرا اي انه يبدأ بفكرة خبيثة متأسلمة لا تلبث أن تقتاد صاحبها أو متلقيها خطوة في طريق المفاصلة مع المجتمع أو مع كل مختلف معه، ويصبح الآخر هو العدو، مؤكدا أن الفكر الانساني النسبي الصحة يروج له باعتباره ذات الدين «الالهي المحتوى والكلي الصحة» ولذلك فإن الآخر العدو يصبح بالضرورة الكافر الذي يجب أن يقام عليه الحد اي حد الردة ويصف المؤلف حسن البنا المرشد العام الأول للجماعة بأنه البذرة الصالحة وسيد قطب بأنه الثمرة الناضجة الذي دعا الى فكرة التكفير، وبالتالي لم يوجه اي اخواني أيا كان مرتبته اي نقد أو شبه نقد لممارسات سيد قطب الذي يعتبره المؤلف سيد عصر الإرهاب الحالي، مؤكدا ان كل الإرهابيين المتأسلمين الذين ملأوا الدنيا قتلا وسفكا للدماء هم قطبيون «نسبة إلى سيد قطب»، حيث بدأ سيد قطب في استقطاب أكثر عناصر شباب الجماعة تشددا ليكون منهم تيارا ينتقد اعتدال البعض من رموز الجماعة ويدعو إلى تكفير المجتمع وكان من ابرز هؤلاء تلميذه في السجن «شكري مصطفى» الذي سرعان ما كون بعد خروجه من السجن «الجماعة المسلمة أي التي أسميت إعلاميا بجماعة التكفير والهجرة ثم تولدت عن هذه الجماعة جماعات أخرى أكثر تشددا مثل جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية وما أفرزتاه من تكوينات تالية عانى منها المجتمع ولا يزال يعاني.