موت مجاني وفتوات ومكاسب إعلامية ضئيلة

تجربة فلسطينيي الضفة وقطاع غزة في كتاب فرنسي

TT

يميل العرب إلى التعامل مع المقاومة ضد الاستعمار تعاملا مقدسا باعتبار المقاومين شهداء أحياء، ولهذا يندر وجود مراجعات أو نقودات للمقاومة الفلسطينية عربيا لتنبيهها إلى أخطائها والبناء عليها، دون الانتقاص من إنجازاتها. كتاب ليتيسيا بوكاي الصادر بدعم من وزارة الخارجية الفرنسية والسفارة الفرنسية في لبنان في إطار برامج جورج شحادة للمساعدة على النشر، يشكل مساهمة في هذا الإطار

يقدم هذا الكاتب قراءة ممتعة ومشوقة تمزج الوثيقة التسجيلية بالقراءة التحليلية والرواية الدرامية لتجربة فلسطينيي الضفة وقطاع غزة من خلال متابعة السيرة الشخصية لثلاثة مناضلين وتفسير أسباب انهيار عملية السلام من خلال هذه التجارب وما يحف بها. يجد الكتاب ضعفا تنسيقيا بين خلايا النضال الفلسطيني مما يقوده إلى أفق مظلم تبدو فيه أهداف هذه الخلايا متباعدة أو غير واعدة بالثمر. وتعيب الكاتبة على انتفاضة الأقصى 1981 إنها لم تكن حركة تعبئة شاملة، ويظهر موت الشباب مجانيا والمكاسب الاعلامية المتحصلة من هذه التضحيات قليلة.

وقد انتبه بعض المثقفين إلى ان نضال شبان الانتفاضة يفتقر إلى التوازن، فقوى الاحتلال مدججة بالآلة والحنكة والعملاء أيضاً، ولأن العمليات الانتحارية التي توقع خسائر إسرائيلية تدفع الإسرائيليين إلى التصلب وتكسبهم التعاطف الدولي.

تبدأ الكاتبة ميدانيا مع أربعة شبان من مخيم بلاطة المزدحم «سامي، فؤاد، ناجي، بسام» وتلحق بهم إلى السجون التي تحولت إلى مدارس نضالية وتعليمية «أساليب كفاح، لغات إنجليزية وعبرية.. «ثم تحولهم إلى مجموعة مسلحة، ثم النفي الإجباري إلى عمان، ومنها إلى العراق، ثم ملاقاة ياسر عرفات والعودة إلى فلسطين بعد اتفاق اوسلو وتشكل دولة «التوانسة»، أو دولة الحكم الذاتي حيث سيعمل قسم من المنفيين في فروع المخابرات. سيرفض بسام وسامي مبكرا العمل في قمع الفلسطينيين وسيستمر ناجي إلى ان يستشهد بعد رفيقيه.

بشكل مواز ترصد مسارات اخرى: حركة المخيم الفلسطيني ونظام الفتوات، والعائلات المتنفذة في نابلس وحكاية إيمان خطيبة ناجي التي تكبر ويفوتها قطار الزواج فتنتظر العريس كما ينتظر الشعب الاستقلال. توازن الكاتبة بين رصد المكان والزمان محليا ودوليا وسياسة إسرائيل في تفتيت الأراضي الفلسطينية وخنق الاستثمارات مع أمثلة درامية على تحول الاقتصاد المتخلف إلى اقتصاد أمني «الحدود والتهريب كمصدر دخل للعسكريين وعملائهم». وتضرب الكاتبة مثالا طريفا على تحول كولونيل إسرائيلي متقاعد استخدم مؤهلاته «العسكرية» كدليل سياحي للإسرائيليين الراغبين برؤية أوضاع غزة بأعينهم! كما ترصد تحول المجتمع الغزاوي إلى مجتمع محجبات.

ما يمكن قوله في مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي انه يمكن الرهان على الانعتاق السياسي للفلسطينيين، لكنه هدف مثقل بالدماء ومعطل بالظروف الدولية الممانعة، ويزيد الوضع قتامة محدودية فعالية الاتحاد الأوروبي، والدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل. إذا كان الجانب الفلسطيني قد أنهك من الحصار والقتل فثمة أمل في الرافضين للحرب من الجانب الإسرائيلي «ريفوزينيكس».

وتجد الكاتبة على المدى المتوسط ان إسرائيل ستختار بين المحافظة على طابعها اليهودي أو على طابعها الديمقراطي مع الأخذ بعين الاعتبار ازدياد عدد المواطنين غير اليهود، وترى ان إسرائيل إذا فكرت في مصالحها الحقيقية وعقلت فأنها ستجد في الفلسطينيين الحلفاء الامثل لكي يتوسطوا لها مع الجوار العربي. وهي تحذر الطرفين بأن كل قتيل جديد سيبعد الطرفين عن هذا الأمل الذي لا يمكن العيش بدونه.