تساؤلات حول الدخول الثقافي بالمغرب

الناشرون الذين يدعون بأن الكتاب الثقافي لا يدر أرباحا لم يغلقوا دورهم بعد

TT

إذا كان أهم ما ميز صيف هذه السنة في المغرب، وفرة المهرجانات على تنوع ضروبها ومشاربها إلى ندرة الاحتفاء بالثقافي الفكري، الحد الذي جعل أحد المشرفين على مهرجان الرباط يدعو إلى إرجاء الأنشطة الأدبية والثقافية إلى شهر رمضان المبارك، ولئن كنا نستثني من هذه المهرجانات الطبعة المتجددة من موسم أصيلة الثقافي والفكري والفني.. على أن التساؤل الذي يبدر والصيف يودع: ترى كيف سيكون الدخول الثقافي بالمغرب؟

إن ما يجدر وعيه ـ ونحن بصدد الحديث عن ملامح الدخول الثقافي الجديد ـ كون العالم العربي وليس المغرب وحده، لا يعير أهمية لما يسمى بالدخول الثقافي. ذلك أن دور النشر العربية، وحتى الرائدة منها، والتي تعمل على مراقبة السوق مراقبة دقيقة قبل الانغمار في الإنتاج والإصدار، لا تبادر إطلاقا إلى الإعلان عن إصداراتها، كي يتم إعداد السوق لتلقيها واستهلاكها، هذا اضافة إلى ضعف المنابر الإعلامية الخاصة بالترويج للكتاب. فمعظم المجلات التي تخصصت في هذا الجانب بالذات، لم تستمر طويلا لضعف الإقبال عليها. لذلك فالمغرب ـ أساسا ـ لا يعرف دخولا ثقافيا لافتا، وذلك لعدة عوامل منها:

ـ هيمنة الدخول المدرسي على الثقافي، وبالتالي توجه بعض دور النشر إن لم يكن أغلبها نحو السوق المدرسي لما يدره من أرباح وفيرة.

ـ إرجاء التفكير في الثقافي إلى الشهر الثاني من كل سنة جديدة، حين تقام دورة معرض الكتاب الدولي. واللافت في أحيان كثيرة ضعف المشاركة المغربية، اللهم من بعض المؤسسات التي تتخذ من المغرب نقطة للبيع.

ـ الادعاء المبالغ فيه بأن الكتاب الثقافي على تنوعه لا يدر أرباحا. والملاحظ أن المراهنين على هذا الادعاء لم يقدموا على إغلاق دورهم، وبالتالي إشهار إفلاسهم.

على أن الملامح الدالة على حركة ثقافية عوض الذهاب في القول بدخول ثقافي، تتمثل في الإصدارات الجديدة التي يتم الإعلان عنها ضمن الملاحق الثقافية بالمغرب: «العلم الثقافي» ويصدر عن جريدة «العلم» الناطقة باسم حزب الاستقلال كل يوم خميس، و «فكر وفن» الصادر عن جريدة الاتحاد الاشتراكي التابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي ويظهر كل يوم جمعة، إلى «ملتقى الفكر» ويصدر راهنا يوم الجمعة عوض الأحد عن جريدة «الأحداث المغربية» المستقلة. هكذا سيتم الحديث عن الرواية الجديدة للمفكر الدكتور عبد الله العروي «الآفة»، والتي تختلف عن منجزه الروائي السابق المطبوع بالذاتي، من حيث تركيزها الأساس على موضوعة النسيان انطلاقا من المزج بين الأدبي والعلمي. أيضا سيتحقق تعرف القارئ على كتاب: «سيميائيات التأويل» للدكتور الطائع الحداوي، وهو نص أطروحة متخصصة في استجلاء البنية العلمية المنطقية لأدب الرحلة. أيضا سيتعرف القارئ على الكتابين الجديدين للدكتور كمال عبد اللطيف: «تحولات المغرب السياسي» و«صورة المرأة في الفكر العربي». ومن ناحية ثانية يمكن الإشارة إلى الإصدارات المغربية التي تمت في الدور المشرقية، ومن بينها نجد ترجمة حوار «في ضيافة هنري ميللر» وقام بإنجازها القاص المبدع سعيد بوكرامي، و«حرائق السؤال» الذي يعد مجموعة من الحوارات مع كتاب من بينهم: خورحي لويس بورخس، أمبرتو إيكو، ألان روب غرييه، ولورانس دأرييل، وأقدم على ترجمتها القاص والروائي محمد صوف، إلى رواية «محمد يحبني» والتي ترجمها الشاعر محمود عبد الغني، وهي إصدارات تمت عن «دار أزمنة» الأردنية..

ويحق من جهة ثانية الإشارة إلى تقرير الخمسينية الموسوم بـ «المغرب الممكن»، وهو تقرير يستجلي 50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب. ويحق القول بأنه ثاني تقرير يصدر بعد آخر كان صدر عن منشورات «وجهة نظر» تحت عنوان «حالة المغرب: 2005 ـ 2006» فقط، وشكل تغطية للواقع السياسي والثقافي والفكري.

على أن ما ميز الحركة الثقافية بداية هذه السنة بالذات، انعقاد دورة جديدة من اللقاء الشعري الدولي الذي تقدم على تنظيمه مؤسسة «بيت الشعر»، حيث جمع فعاليات أدبية مغربية ومشرقية وأخرى من دول غربية. هذه الفعاليات التأمت لتقديم قراءات شعرية ومناقشة قضايا الشعر تحت عنوان قوي: «الشاعر في زماننا».

ويحق القول في النهاية بأنه لا يمكن الحديث عن دخول ثقافي، ما دام لم يتم اعتبار هذا التوجه بمثابة تقليد دائم يتم الاحتفاء به.