حلول الذكرى الثالثة لرحيل إدوارد سعيد وكتبه تنتظر ترجمتها

TT

حلت يوم الاثنين، 25 سبتمبر الماضي، الذكرى الثالثة لرحيل المفكر اللامع إدوارد سعيد. وهي مناسبة مهمة للذاكرة الأدبية العربية والغربية على حد سواء. فهو الذي أرسى تقاليد الدرس النقدي المقارن، مثلما أسس مبادئ النقد الثقافي، حيث الإحاطة بالنص تفترض توسعة الإلمام بالتاريخي، السياسي، الاجتماعي، والاقتصادي، بغية تشكيل الرؤية الجامعة التي تقارب النص عبر مختلف بنياته ومكوناته الأساسية.

على أن الرؤية للنص لا تكتفي بفرادته واستقلاليته، وإنما ترتهن إلى خلق الوعي النقدي المقارن، حيث يتحقق رهان استجلاء نقاط التقاطع والاختلاف.

هذا المستوى من الإدراك النصي، يجلو صورة الناقد المتعامل مع النص، أو الأفكار المعبر عنها ضمنه. إنه الناقد المثقف المنفتح على أعمق التجارب الإبداعية العالمية، كما التحولات التي تعرفها بين فترة وأخرى.

من ثم فإن وعي النظرية الأدبية المعاصرة لا يتأتى بداية سوى بالإحاطة التامة الدقيقة، إلى تفكيك الآليات المكونة لهذه النظرية وانتقادها من داخلها. وهو ما تحقق ـ أساسا ـ مع النظرية الإستشراقية حيث الوقوف على رؤية الآخر للذات، وهي رؤية اكتملت/ تكاملت في سياق مغاير تجسد في استجلاء الصلة بين الثقافي/الإمبريالي، لما يتم ويتحقق من توظيف النص الأدبي «الرواية أصلا» لخدمة الأطماع الاستعمارية التوسعية. وأعتقد بأن الخلخلة الكبرى للتصورات الجاهزة تبلورت في سياق تحليل منجز الروائي «ألبير كامو».

بيد أن قراءتنا لترجمة كتاب «تأملات حول المنفى» والمنشور كجزء أول عقب وفاته، يجعلنا نقف عن مدى اهتمامه الواسع بالنثر العربي عبر أقوى محطاته. ففي دراسته: «بعد محفوظ»، يستجلي سعيد واقع الرواية العربية تأسيسا منطلق الحديث عن قيمة وأهمية اللغة العربية.

فإن كان نجيب محفوظ البداية الفعلية للرواية العربية، لما تفردت به تجربته من دينامية وفرادة طبعت وما تزال تطبع الرواية العربية، فإن الأجيال اللاحقة ممثلة في جمال الغيطاني، غسان كنفاني، إميل حبيبي وإلياس خوري، تعكس على حد رأي سعيد امتدادا دالا وتنويعا على التجربة.

ولم يتوقف سعيد حصريا عند الأدبي وحسب، وإنما طال الهم الأول المرتبط بواقع القضية الفلسطينية ومجرى ما عرفته من تطورات وتحولات، حيث جسدت مواقفه الجريئة وآراؤه الموضوعية التي لم يترجم أغلبها إلى اليوم، صورة المثقف الملتزم القادر على خوض النقاش والحوار بجرأة وكفاءة عالية. ومثلما السياسي يمثل الفني معبراً عنه في الرأي الموسيقي، والتحليل الدقيق على السواء، وهو ما يحيل عن موسوعية نادرة.

المطلوب اليوم ـ ونحن بصدد هذه الذكرى ـ يتحدد في التالي:

1 ـ ضرورة مواصلة ترجمة أعماله الرائدة، و بخاصة كتابه عن البدايات الذي لم يفد منه النقد الأدبي الحديث بعد.

2 ـ إعادة النظر في بعض الترجمات التي لم تعط حقها في سياق الاشتغال عليها.

3 ـ إنشاء جائزة للنقد الأدبي الحديث تحمل اسمه، وتتولى منحها إحدى المؤسسات الفكرية العربية.