ألعاب الفيديو في أميركا دخلت حيز الجد

الجيش الأميركي يقتل أعداءه السمر والإسلاميون يستشرسون افتراضيا

TT

لم تعد ألعاب الفيديو، مجرد تسال لتضييع الوقت أو إمتاع الأطفال، فاقتراب هذه الألعاب من الواقع إلى حد بعيد، وارتباطها به جعلا منها أكثر تأثيراً على عقول الناس ومسالكهم. وإن كان صناع القرار لا يوفرون وسيلة لاستقطاب الأهواء والأذواق، فإن الألعاب بات بمقدورهم توظيفها، في مجالات عدة تخدم مصالحهم. فاللعب متعة، وأن تجعل الناس يذهبون إلى الهدف الذي تريد ومتى تشاء بمنتهى المتعة، هو أمر يستحق أن تعمل لأجله بضراوة.

ظهر، قبل ربع قرن، «باكمان»، بطل اول لعبة فيديو، انتجها اليابانيون وأدمنها الأميركيون، ثم حاكتهم الشعوب الاخرى. كان ذلك قبل العاب الفيديو المربوطة بشاشات التلفزيون، والتلفونات الجوالة، وجهاز الكمبيوتر، حيث كان الأطفال الاميركيون، يذهبون الى المراكز التجارية ومحلات «اركيد» ليلعبوا «باكمان» في جهاز بحجم فرن المطبخ، مزود بشاشة عملاقة. و«باكمان»، هو عبارة عن دائرة كبيرة جائعة، تدور الشوارع في الليل لتأكل الدوائر الصغيرة. و«باكمان» في اليابانية، معناها الرجل الذي يحدث صوتا عندما يأكل. وفي اللعبة يأكل «باكمان» أي الدائرة الكبيرة كل دائرة صغيرة «باكبوي» تواجهها. لكن، تظهر من وقت لآخر دائرة اكبر، في شكل شبح، تأكل «باكمان» نفسه. ويفوز في اللعبة «باكمان»، لأنه يأكل اكبر عدد من «باكبوي»، قبل ان يأكله واحد من الأشباح. واشتهرت اللعبة حينها، لأنها كانت تكنولوجية ومثيرة.

وغير عنيفة، وشخصياتها لا تقتل، ولا تفجر، وإنما تأكل بعضها البعض.

والسبب الثالث لنجاح هذه اللعبة، كما قال مخترعها الياباني تورو اواتاني، ان اساس فكرتها بني على حب الاميركيين «للبيتزا». لأن «باكمان» وضحاياه والاشباح كلهم دائريو الشكل، ولهذا تبدو اللعبة وكأن «بيتزا» تأكل «بيتزا».

اصبح «باكمان»، بعد سنوات قليلة، جزءا من الثقافة الاميركية، مثل «ميكي ماوس» و«باتمان» (الرجل الوطواط). وظهر مسلسل «باكمان» في التلفزيون، وفيلم «الكرسماس في باكلاند» (بلاد باكمان). وظهر، قبل سنتين، فيلم «كلوب دريد» الذي يطارد فيه رجل (في صورة باكمان) بنات جميلات (في صور دوائر صغيرة).

 لكن، بعد ربع قرن من «باكمان»، لم تعد شخصيات الألعاب بريئة وطريفة كما سبق، وارتفعت نسبة العنف والقتل في العاب الفيديو. واوضحت احصائيات شركات صناعة هذه الالعاب انها باعت في سنة 2003، ما تزيد قيمته على 13 بليون دولار. ويتصدر اطفال اميركا، ثم اليابان، ثم كوريا الجنوبية، (والصين تدريجيا) القائمة، وبمرور الزمن، عرفت اغلبية اطفال العالم هذه الالعاب.

بدأت العاب القتل بسيطة، مثل «الغزاة» و«قوات الفضاء» و«حروب النجم»، وانتصر طرف على آخر بالصواريخ والقنابل والمتفجرات. لكنها، تطورت، فيها جنرالات وجنود وارض معارك واسرى، وفيها جرحى، قطعت ايديهم او ارجلهم او فقأت اعينهم، وقتلى بدون رؤوس او بطون.

ويلاحظ أن العاب الفيديو اتخذت منحى افلام السينما ومسلسلات التلفزيون من حيث مواضيعها، وعادت الى الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام. 

لكن لماذا هذا الشغف من الكبار والصغار بألعاب العنف؟ ولماذا انخفضت مبيعات لعبة «باكمان»، وزادت مبيعات لعبة «نصر بالدم» (عن هزيمة النازيين)؟

كتب ستيفن جونسون في كتاب «كل شيء مؤذ مفيد لك» جواباً قد يكون مقنعاً، إذ يقول: «يخطط لاعب الشطرنج او الورق لينتصر على منافسه. لكن، يخطط لاعب القتل او الحرب ليقتل منافسه، ولهذا، يحتاج الى استعدادات مثل مسدسات ودبابات وطائرات. وكلما زادت خطط جمع الاسلحة واستعمالها، زاد تعقيد اللعبة، وكلما زاد تعقيد اللعبة، زاد التحدي والاثارة». واشار جونسون الى لعبة «سرقة سيارة»، وقال ان مخترعها كتبها في اكثر 50 ألف كلمة (رقم قياسي)، قبل ان يحولها الى لعبة الكترونية. وقال جونسون ان هناك سببا آخر لزيادة الاقبال على العاب الحرب والقتل، وهو ظهور العاب الكمبيوتر التنافسية، حيث يقدر لاعب على منافسة لاعب آخر في بلد آخر، ويجمعهم القتل، في كل البلاد وفي كل الاعمار، اكثر مما يجمعهم الشطرنج او البوكر.

ظهر، قبل عشرين سنة، اسم «داربا» (وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتطورة)، وكان قبل ذلك سرا عسكريا، وهي وكالة، تشرف على تحويل الاختراعات التكنولوجية الى اسلحة متطورة. فمثلاً حين ظهرت العاب الفيديو وتطورت، قررت وكالة «داربا» ان تخفض عدد المناورات العسكرية التي يقف فيها جنود في جانب، و«اعداء» في الجانب الآخر، ويطلقون الرصاص على بعضهم البعض، ويمثلون انهم سقطوا قتلى او جرحى، وصار كل جندي يجلس امام كمبيوتر، ويقتل «الاعداء».

لكن برز عائقان اساسيان: الاول ظهر سنة 1996، عندما تبين ان القوانين الحكومية لا تسمح للموظفين والعسكريين ان يلعبوا العاب الكمبيوتر خلال الدوام، ولهذا انتظر المشروع حتى غير الكونغرس القانون.

وظهر الثاني سنة 1997، حين درس مجلس الابحاث الوطني العاب الفيديو العسكرية والحكومية، وتبين له انها ليست متطورة مثل العاب فيديو الشركات الاميركية واليابانية، وأوصى باشراك القطاع الخاص في المشروع.

لكن سنة 1990 تبين للبنتاغون ان العاب الكومبيوتر هذه ستكون مجدية للغاية في جذب الأميركيين للتطوع في الجيش، بعد أن انخفض عددهم بشكل ملحوظ. وبدأ البنتاغون حملة اعلانات ودعايات في الصحف والتلفزيونات، تصور ان التدريب العسكري لم يعد مناورات قاسية، لكنه صار كمبيوترات والعاب فيديو وتسالي.

 عندما وقع، هجوم 11 سبتمبر، كان الكولونيل كيسي واردنسكي (من البنتاغون)، والبروفيسور مايكل زيدا (مدير قسم الكمبيوتر في جامعة جنوب كاليفورنيا)، يشرفان على «مشروع العاب الجيش» لإصدار العاب فيديو لتدريب الجنود بدون تعريضهم لظروف قاسية. وأوصى الرجلان بأن يشتري البنتاغون حقوق الاستفادة من رواية «قوس قزح السادس: رمح فاسد» التي كتبها توم كلانسي، روائي اميركي مشهور، وهي عن جنود اميركيين ينتصرون على «الاعداء». ويوم احتفالات عيد الاستقلال الاميركي سنة 2002 (اول عيد بعد هجوم 11 سبتمبر) دشن البنتاغون، لعبة «ريكون» التي كلفت ثمانية مليون دولار، واستغرق تطويرها ثلاث سنوات. ودشن، بعدها لعبة «القوات الخاصة»، اعتمادا على شخصيات في الرواية المذكورة». واستعملت اللعبة لتدريب القوات الخاصة التي ارسلت الى افغانستان ومنطقة الاكراد في شمال العراق (قبل غزو العراق).

وقال، السنة الماضية، الكولونيل واردنسكي لمجلة «غيم سبوت» المتخصصة في العاب الفيديو: «نطور الآن لعبة جديدة في سلسلة ألعاب «أميركا ارمي» (جيش اميركا)، وهي «اوفرماتش» (التفوق)». لكن، قال الكولونيل، ايضا، كلاما خطرا، وهو: «نريد ان يكون الجيش جزءا من الثقافة الاميركية. ونريد ان تكون العاب الفيديو العسكرية وسيلة لتعليم أولادنا وبناتنا اول خطوة لتحقيق ذلك. نريد منهم ان يربطوا بين ألعابنا وألعاب الفيديو الأخرى التي يلعبونها». واضاف: «نود ان يتعود جنودنا على ظروف قاسية، مثل الاسكا والشرق الاوسط».  يُسأل الشخص الذي يريد ان يلعب لعبة «اميركا آرمي» (في موقع البنتاغون الرسمي): «من هو العدو عندما تدرب اللعبة الجنود الاميركيين على القتال في الشرق الاوسط؟» ولا يحتاج السائل لعناء قبل أن يلاحظ ان الجندي الاميركي ابيض و«العدو» أسمر. وأن «اللاعبين» قسمان: في جانب، يقف جنود يلبسون ملابس عسكرية وعلى اكتافهم اعلام اميركية، ويحملون بنادق «ام 16» الاتوماتيكية. وفي الجانب الآخر، يقف «اعداء» يرتدون ملابس مدنية قذرة، ويحملون بنادق «كلاشنكوف».

وبعد تورط القوات الأميركية في العراق، تبين أن لعبة «اميركا آرمي» لا تختلف كثيرا عن الواقع. وأن الكولونيل واردنسكي يشجع، بطريقة غير مباشرة، اولاد وبنات الأميركيين على قتل «الإرهابيين».

لكن، قال كثير من الصحافيين واساتذة الجامعات، أن مشكلة هذه اللعبة ليست من «معنا» ومن «ضدنا»، وانما اللعبة اخطر من ذلك، لأنها تنشر ثقافة القتل باسم الدفاع عن الوطن، وتأثر بشكل كبير على الأولاد الأميركيين.

ولخص الكسندر غالاوي، استاذ ثقافة واتصالات في جامعة نيويورك، مشكلة لعبة «اميركا آرمي» عندما قال انها: «تثير عواطف وطنية دون أن تكون واقعية. فالحرب ليست سهلة كما تصورها اللعبة».

لكن البنتاغون أصدر بيانا قال فيه: «نهدف من لعبة «اميركا آرمي» لتقديم صورة ايجابية عن الجيش الأميركي».

ورد في موقعه في الانترنت: «يجب ان يعرف الجميع ان الجيش الاميركي يريد هزيمة الارهابيين في كل مكان في العالم لأنهم يريدون تدمير اميركا.

ردا على العاب البنتاغون، اصدرت، مؤخرا، شبكة «غلوبال اسلاميك ميديا» في موقعها في الانترنت لعبة «البحث عن بوش»، وهي ذات اربع مراحل:

اولا، يسافر اللاعب الى افغانستان ويتدرب على الجهاد. ثانيا، يسافر الى «اميركا الجحيم» ويدخل بأي طريقة،. ثالثا، يبحث عن بوش «مثل البحث عن فأر». رابعا واخيرا، يقتل بوش.

من الذي كشف موقع هذه اللعبة؟ كشفه البنتاغون نفسه، كجزء من حملته لكشف الارهابيين ووسائلهم. وكشفته مؤسسة «ميمري»، في واشنطن، المتخصصة في متابعة وترجمة الاذاعات والتلفزيونات والمواقع العربية.

ترجمت «ميمري»، مؤخرا، خطبة للشيخ الكويتي نبيل العوضي، في برنامج «ساعة صراحة» في تلفزيون الكويت، قال فيها: «جاء وقت لعبة فيديو يدخل فيها مجاهدون مسلمون القدس ويقتلون اليهود ويحررون المسجد الاقصي». وسأل الشيخ في خطبته: «لماذا يصدر الغربيون العاب فيديو ضد المسلمين، ولا يقدر المسلمون على اصدار ألعاب فيديو ضدهم؟».

لكن، يشترك غير الاسلاميين في اصدار العاب فيديو تدافع عن المسلمين. فقد قال رضوان كاظمي، وهو سوري يعيش في دمشق وصاحب موقع «افكار ميديا» لجريدة «واشنطن بوست»: «لا اصدر لعبا عن قتل بوش، وإنما اصدر لعبا عن نضال المسلمين ضد الاحتلال». وأشار الى لعبة «تحت الرماد» التي تصور اطفالا فلسطينيين يحاربون جنود الاحتلال الاسرائيلي.