الأرض الغامضة المسكونة بالفقر.. والقنابل النووية

كتاب يظهر أن كثيرا مما نعتقد اننا نعرفه حول كوريا الشمالية هو إما غير دقيق أو خاطئ

TT

تصدرت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، التي تعرف بكوريا الشمالية والتي وصفها الرئيس جورج دبليو بوش باعتبارها جزءا من «محور الشر» العناوين الرئيسية عبر تنفيذها تفجيرا نوويا، ومن المتوقع ان تظل في صدر الصفحات لفترة معينة. ولكن ما هو حجم ما نعرفه حقا حول ما تعتبر، سوية مع ميانمار، واحدة من دولتين هما الأكثر غموضا في العالم؟

مع قدوم الرأسمالية بدأت الشريحة الأعلى في الطبقة المتوسطة في كوريا الشمالية تتشكل، وهذا من خلال بروز عادات تربية الكلاب وامتلاك السيارات السريعة والعشيقات. ودخل فيروس العولمة إلى نظام كوريا الشمالية الدفاعي ومع مرور الوقت فإنه قادر على قتل نظام كيم جونغ ايل.

حسنا، نحن نعرف ان لكوريا الشمالية نظاما شيوعيا، البعض يسميه ستالينيا، كما نعرف انها بقيت محصنة ضد التوسع العالمي لاقتصاد السوق خلال العقد الماضي او نحو ذلك. وأخيرا فاننا نعرف أن كوريا الشمالية تأسست على يد شخص مهووس اسمه كيم ايل سونغ ويحكمها الآن ابنه المضطرب مثله كيم جونغ ايل.

غير ان كتاب بول فرينتش الموسوم (كوريا الشمالية: شبه الجزيرة المسكونة بالخوف) يظهر ان كثيرا مما نعتقد اننا نعرفه حول كوريا الشمالية هو اما غير دقيق او خاطئ.

وابتداء فان النظام في بيونغيانغ يصعب وصفه باعتباره شيوعيا بأي معنى مألوف للمصطلح. فقد اتخذ كيم ايل سونغ موقف الموالاة اللفظية للماركسية اللينينية لأن جاريه الكبيرين، روسيا والصين، كانا شيوعيين.

غير أن كيم الأب تمسك، في الواقع، بآيديولوجية شرقية خاصة تعرف بـ «جوتشي»، وهي عندما تختبر في العمق تظهر أقرب الى النازية منها الى اللينينية. ووفقا لهذه الآيديولوجية الغريبة، فان الكوريين هم الشعب الأقدم على الأرض، وقد انحدروا من أصول صينية وقدر لهم ان يحملوا مشعل الانسانية لفترة طويلة قبل ان تتلاشى شعوب اخرى بسبب الحروب أو الكوارث الأخرى. والهدف الرئيسي لكل من يحكم الشعب الكوري هو ضمان نقاء الدم الكوري.

وبالتالي فان كيم الأب والابن نظرا الى نفسيهما باعتبارهما راعيين للنقاء العرقي لشعبهما. والمشكلة ان النقاء الذي أرادا صيانته قد تلطخ بقرون من الغزو والاحتلال الصيني والياباني. واتخذ ذلك «التلطيخ» أبعادا أوسع في ظل الاحتلال الأميركي الذي بدأ عام 1950 واستمر في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية حتى يومنا الحالي. وظل كيم، الأب والابن، يحلمان بتوحيد شبه الجزيرة، أي ضم كوريا الجنوبية تحت حكمهما. ومن أجل تحقيق ذلك الهدف يتعين عليهم طرد الأميركيين واقناع الكوريين الجنوبيين، الذين يبلغ تعدادهم ضعف الكوريين الشماليين، بالتخلي عن حياتهم الديمقراطية المستندة الى النمط الغربي وتبني الـ«جوتشي».

ومن الطبيعي انه ليس هناك فرصة كبيرة في ان يخضع الكوريون الجنوبيون بارادتهم الى الحكم الكوري الشمالي. وعدد سكان كوريا الجنوبية الذي يبلغ حوالي 50 مليون نسمة هو أكثر من ضعف عدد سكان كوريا الشمالية. ومتوسط دخل الفرد في كوريا الجنوبية أعلى 20 مرة من متوسط دخل نظيره في الشمال. والمعدل المتوسط للعمر في كوريا الجنوبية اعلى بـ 22 سنة منه في كوريا الشمالية. وقد ادعى كيم الأب والابن دائما ان الماكنة العسكرية الهائلة التي أوجداها في الشمال أقوى بكثير من الجيش الكوري الجنوبي، شريطة أن لا يكون الأميركيون هناك لتعقيد الوضع.

وهكذا فانه من الهام بالنسبة لكوريا الشمالية ان تطور ترسانة نووية تستطيع من خلالها ابعاد الأميركيين عن شبه الجزيرة أو، في حالة وقوع حرب شاملة، ردع أي استخدام لأسلحة نووية من جانب الولايات المتحدة. ويمكن وصف الاستراتيجية الكورية الشمالية باعتبارها اعادة التوحيد عبر الابتزاز النووي. ويعرف كيم جونغ ايل ما كان والده الراحل يعرفه. وهو انه اذا ما جرى التوحيد في ظل نظام ديمقراطي، فان كوريا لن تتبنى الـ«جوتشي» أو تصوت لصالح سلالة كيم. وهذا يوضح يوميا تقريبا من خلال حقيقة ان كثيرا من الكوريين الشماليين يهربون الى الجنوب، بينما لا يأخذ أحد من الجنوب الطريق الى الشمال.

وتحظى فكرة توحيد الدولتين الكوريتين بدعم داخلي كبير. وتأمل كوريا الجنوبية تحقيق هذا الهدف بالطريقة نفسها التي حقق المستشار هيلموت كول توحيد الدولتين الألمانيتين خلال تسعينات القرن الماضي، أي تحقيق ذلك عبر المال والدبلوماسية.

ويعرف زعماء سيئول أن أي حرب في شبه الجزيرة الكورية، حتى لو لم يستخدم فيها السلاح النووي قد تؤدي إلى أكبر مأساة في تاريخ الأمة الكورية. وهذا هو السبب وراء تطويرهم لما يسمى بـ«سياسة الشمس المشرقة» التي تعني من الناحية العملية أن كوريا الجنوبية تقدم تعويضات ضخمة لنظام كوريا الشمالية. وهذه التعويضات تسمح للقيادة الشمالية بإطعام شعبها واستخدام المصادر التي تمتلكها الدولة كي تحافظ على أكبر ترسانة أسلحة بما فيها الأسلحة النووية.

وبينما لا تشعر واشنطن بالراحة تجاه سياسة كوريا الجنوبية: سياسة الشمس المشرقة، فإن الكثيرين يزعمون أن سيئول بدأت تجني بعض النتائج منها. فكوريا الشمالية بدأت ببطء إجراء إصلاحات لاقتصادها عن طريق السماح بالمشاريع الخاصة بالعمل خصوصا في مجال السوق. كذلك أصبحت هناك مقاطعتان رأسماليتان تعملان في كوريا الشمالية إحداهما قريبة من حدود الصين والأخرى قريبة من المنطقة المنزوعة السلاح مع كوريا الجنوبية. وكلتاهما وفرتا وظائف بلغت 120 ألفا.

ومع قدوم الرأسمالية بدأت الشريحة الأعلى في الطبقة المتوسطة في كوريا الشمالية تتشكل، وهذا من خلال بروز عادات تربية الكلاب وامتلاك السيارات السريعة والعشيقات. ودخل فيروس العولمة إلى نظام كوريا الشمالية الدفاعي ومع مرور الوقت فإنه قادر على قتل نظام كيم.

أسقط بول فرينتش أسطورة أخرى حول كوريا الشمالية تقول إن كيم جونغ ايل هو مهووس أبله. وهو من المحبين بقوة للأفلام وهو نفسه ينتج أحيانا أفلاما، إذ يقضي ست ساعات كل يوم يشاهد أفلام فيديو قديمة بالأسود والأبيض تعود لهوليود. وحسب بعض المصادر فإنه غارق في حب لانا تيرنر، ممثلة الأربعينات التي لعبت دور المرأة الساحرة (لكن لا تتماشى هذه الصورة مع التقاليد الكورية المتعلقة بالنقاء العنصري). مع ذلك فإن فرينتش يظهر أن كيم الشاب هو سياسي داهية قادر على المناورة البارعة عندما تقتضي الحاجة.

وحسب فرينتش فإن كوريا الشمالية هي «دولة فاشلة» يجب انقاذها من عواقب فشلها عبر التفاعل معها من خلال الدول الخمس المعنية: روسيا والصين وكوريا الجنوبية واليابان وقبل كل شيء الولايات المتحدة. وترجمة ذلك إلى سياسة يعني أن هذه القوى الخمس عليها أن تساعد في انقاذ نظام كوريا الشمالية من عواقب آيديولوجيته الغريبة وسياساته الكارثية.

وقد يتساءل المرء: لماذا يجب مساعدة كيم جونغ ايل؟

وجواب فرينتش واضح: قد يصبح كيم في حالة فقدان انتباه العالم له وعدم مساعدته شخصا رهيبا!

هل ستقبل واشنطن باطروحة فرينتش وتعامل كيم باعتباره صبيا مثيرا للمشاكل يجب أن يتخلى عن العنف من خلال الدعم السيكولوجي؟ والجواب من خلال الطريقة التي تتبعها واشنطن يشير إلى النفي. وإذا كسبت فكرة تغيير النظام أرضية بين أولئك الذين يرون أن فعلا ما يجب القيام به بما يتعلق بكوريا الشمالية قبل أن تبدأ باستخدامها للأسلحة النووية.