«مقالة في النقرس» للرازي تفتح النار على إدارة مكتبة الإسكندرية

لجنة علمية تتهم مدير مركز ومتحف المخطوطات في المكتبة بتشويه التراث الإسلامي

TT

تحولت «مقالة في النقرس» للعالم العربي المعروف أبي بكر الرازي، التي ظلت طي النسيان نحو أكثر من 1000سنة، وأصدرتها مكتبة الإسكندرية ـ قبل أربعة أعوام ـ في طبعة أنيقة إلى موضوع للجدل والخلاف والاتهامات بين عدد من الأساتذة المختصين بالتراث الإسلامي في مصر، خاصة بعد صدور نشرة أخرى العام الماضي تقول إنها مليئة بالأخطاء، كما صدر كتاب آخر يقارن بين النشرتين، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى ساحة القضاء.

أصبح السجال العلمي والصراع القضائي بين اثنين من أساتذة جامعة الاسكندرية هما د. خالد حربي الأستاذ بكلية الآداب جامعة الاسكندرية ود. يوسف زيدان مدير مركز ومتحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، حديث الأوساط الثقافية والعلمية في مصر والدول العربية، خاصة بعد صدور تقرير عن كتاب د. زيدان لمقالة «النقرس» لأبي بكر الرازي عن لجنة من جامعة القاهرة يرأسها د. حسين نصار وعضوين هما د. عبد الستار الحلوجي و د. مصطفي لبيب. ويدين هذا التقرير الكتاب، ويصفه بأنه اعتداء على التراث الاسلامي المخطوط. وأورد التقرير في نصه 50 ملاحظة سلبية تتنوع ما بين «الأخطاء اللغوية والتاريخية والافتقاد إلى الدقة والاضافة والحذف من مقالة الرازي دون أسباب واضحة».

وخلص التقرير، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه إلى أن «ابرز صور الاعتداء تتمثل في تشويه الموقف العقلي للرازي وفي اتهامه في عقيدته وفي أخلاقه دون دليل كاف، ثم نقل هذا التصور المغلوط إلى العالم المعاصر بأسره عندما أقدمت مكتبة الاسكندرية على ترجمته إلى اللغات الأجنبية الرئيسية الثلاث: الانجليزية والفرنسية والألمانية وهي الترجمات التي حملت معها أخطاء المحقق حتي في عنوان الكتاب «وجاء في الملحوظة رقم «5» من التقرير أن د. زيدان قد تحدث في مقدمة كتابه عن «اضطهاد الرازي بسبب افكاره الفلسفية وقوله بالقدماء الخمسة ـ الله، الزمان، المكان، النفس، المادة ـ حتى انه اصيب بالعمى لأن أميرا أمر بضربه على رأسه بكتبه حتى تبلى وتهترئ ! فنزل على عينيه الماء وعمي!

وبحسب التقرير فان هذا القول يفتقد إلى الدقة العلمية، فهذه الرواية المزعومة التقطها المحقق من كتاب «ابن أبي أصيبعة» إنما جاءت في معرض ما يروى عن تقاعس الرازي عن اجابة مطالب الأمير تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب خالص، الأمر الذي حمله على ضرب الرازي بكتبه على رأسه حتى أصابه العمى. ورأى التقرير ان اتهام الرازي بالإلحاد فيه مشايعة للمغرضين وهو الفيلسوف العقلاني المسلم صاحب العقيدة السليمة. وأشار التقرير في الصفحة الأخيرة منه إلى اختفاء بعض مخطوطات بلدية الاسكندرية بعد نقلها إلى مكتبة الاسكندرية، وطالب الجهات المختصة بالفصل في هذا الأمر.

وبدأت الشرارة الأولى للخلافات بعد أن صدر كتاب بعنوان: «تراثنا المخطوط بين العبث والجدية»، دراسة نقدية مقارنة بين كتاب مكتبة الاسكندرية، وكتاب خالد حربي عن الرازي، إذ عقد المؤلف محمد خليفة السعداوي مقارنة بين الكتابين كلمة بكلمة، وأشاد بكتاب د. حربي، بينما اعتبر كتاب مكتبة الإسكندرية فضيحة علمية تحولت إلى فضيحة عالمية بأكثر من لغة.

وكان كتاب د. حربي، قد صدر عام 2005، وهو يقول لـ«الشرق الأوسط» عن هذا الكتاب: «يعد هذا الكتاب السادس في سلسلة مؤلفات الرازي التي عكفت على تحقيقها ونشرها منذ سنوات طويلة فضلا عن دراسة مستفيضة عن الرازي كعلم من أعلام الحضارة الإنسانية، وهو في رأيي أعظم طبيب أنجبته العصور الوسطى قاطبة بل حجة الطب في العالم منذ زمانه وحتى العصور الحديثة».

وحول حقيقة هذا الخلاف قال: بدأت الخلافات حينما منعني د. يوسف زيدان من المشاركة كمتخصص في مؤتمر «المخطوطات الموقعة» الذي نظمته المكتبة عام 2005 خاصة عندما كشف كتاب السعداوي عن مواطن الضعف في كتابه.

وكنت قد قدمت له 5 ملخصات أبحاث للمشاركة في المؤتمر، وكان من بينها بحث بعنوان «علوم ابداعية مهملة في المخطوطات الموقعة ـ علم النفس محاولة تأصيلية»، فرفضها على مدار شهرين وقال انها لا تخدم ولا تناسب المؤتمر، لكني حرصت ان أشارك في المؤتمر كأي شخص عادي وفوجئت بأنه قد أمر مقدم شرطة باخراجي من قاعة المؤتمرات وهي طريقة تخالف كل القواعد المتعارف عليها في المؤتمرات العلمية. فحررت محضرا بالواقعة رقم 4796 / 2005 اداري باب شرق، فأمرت النيابة العامة بتشكيل لجنة علمية من وزارة الثقافة للحكم بين النشرتين وبيان ما جاء من مخالفات في نشرة يوسف زيدان. وانتظرت شهورا طويلة إلى أن ردت وزارة الثقافة على النيابة بأنها أحالت الموضوع إلى لجنة فنية بدار الأوبرا، والتي ردت بدورها بانها ليست جهة اختصاص، وكأن وزارة الثقافة ليس لديها أي أساتذة في تاريخ العلوم والتراث والمخطوطات تعرض عليهم هذا الموضوع العلمي!». ويستطرد حربي قائلا «اطمئن د. زيدان لهذه النتيجة، ومنعني حتى من حضور جلسات مؤتمر «المخطوطات الشارحة» 7 مارس (آذار) 2006 «بمكتبة الاسكندرية، وبناء على ذلك قدمت تظلما للمحامي العام بالاسكندرية، ثم للنائب العام، الذي أمر بفتح الموضوع مرة أخرى واستيفاء لجنة علمية من كلية الاداب بجامعة القاهرة والتي انتهت إلى التقرير الصادر هذا العام.