وجهات نظر مختلفة لباحثين في الدولة والمجتمع وأزمة الذات العربية

TT

جهود المفكر البحريني محمد جابر الانصاري في قراءة الفكر العربي وتحولاته اثارت اكثر من جدل في الاوساط الفكرية والثقافية خلال عقدين. وفي اطار هذا المسعى اختار «الملتقى الثقافي الاهلي» بالبحرين ثلاث دراسات متميزة سلطت الاضواء على فكر الانصاري وجمعت في كتاب حمل اسم (الانصاري وسوسيولوجيا الازمة) ساهم فيه: كمال عبد اللطيف من المغرب بدراسة عنوانها (محمد جابر الانصاري، نحو اعادة بناء اسئلة النهضة العربية) ومحمد مالكي من المغرب ايضا بدراسة (عنوانها محمد جابر الانصاري والاستقلال التاريخي للذات العربية) اما الدراسة الثالثة فهي للكاتب العماني عبد الله العليان، وهي بعنوان (العرب والسياسة بحث في فكر الانصاري). يعتقد عبد اللطيف ان الانصاري اعتمد المنهج الوضعي في ابحاثه ومقالاته في ضوء اليتين في عملية البناء النظري هما: التشريح والنقد ومن هنا يتناول عبد اللطيف فكر الانصاري من جانبين الاول التفكير في الاخفاق النهضوي ويدرس فيه مظاهر وتجليات هذا الاخفاق وبالتالي المشروع النهضوي العربي: اكتشاف الذات واستيعاب المتاح للبشرية جمعاء، والثاني التفكير في الاخفاق السياسي ويدرس فيه اشكاله العربية والمظاهر والبنيات الشارطة فيه ثم الخصوصية التاريخية كمفتاح لفهم الاخفاق السياسي العربي واخيرا اعادة بناء المجال السياسي في الفكر العربي المعاصر.

في خلال كل ذلك يرى الباحث ان الانصاري اجتهد في صياغة توجهات كبرى في فهم ما يجري في الواقع العربي وتقدم مؤلفاته مداخل رئيسية في موضوع الدولة والمجتمع والقومية والديمقراطية والمشروع الحضاري العربي وهنا يتميز مسعى الانصاري في النظر الى الظواهر التي اهتم بدراستها بفضيلتين هما: فضيلة البناء والتركيب المتجه لاستيعاب متغيرات الواقع العربي باعادة تأسيسها بحثيا ومعرفيا وفضيلة رسم معالم طريقة في التفكير بمعنى رسم الخطوط العريضة لمنهجية في الفهم والمعالجة وهذه الفضيلة تمنح فكر الانصاري جدارة فكرية استثنائية.

من ناحية اخرى يناقش محمد مالكي موضوعة الاستقلال التاريخي للذات العربية لدى الانصاري الذي توفرت في نتاجه الفكري مقومات البحث العلمي الاستراتيجي وتضافرت في جهوده مواصفات المعرفة الهادفة ليس الى فهم الذات واستجلاء عناصر قوتها وتشخيص مظان ضعفها فحسب بل نقد هذه الاخيرة والسعي الى تقديم المسوغات الفكرية لتجاوزها. ويعتقد الكاتب ان الانصاري انتصر للتاريخ كسبيل للفهم اذ اعتمد النقد العلمي والمعرفي منهجا في تعميق هذا الفهم والتوقف عند طبقاته ومراتبه. والبحث عنده يجب ان يمتد الى الجذور ويفكك الموروث ويكشف عن جوهر التكلس الذي طال الذات العربية ومن غير ذلك يتعذر على الوعي العربي تفسير مأزقه الراهنة وكبواته المزمنة.

الا ان الباحث المغربي يرى ان الدارس المتفحص لكتابات الانصاري يجد صعوبة في فهم مقاصده والامساك بخلاصات اجتهاداته ونتائج ابحاثه اذ تحمل عناوين مؤلفاته اكثر من معنى وترمز الى اعمق من دلالة.

الدراسة الاخيرة في الكتاب لعبد الله علي العليان اذ يبحث تحت محور العرب والسياسة اشكالية التكوين والتأزم والخلل في ضوء ما توصل اليه الانصاري ومن خلال ثلاث زوايا هي:

الدولة والسياسة عند العرب قبل الاسلام وبعده والتحليل الخلدوني لازمة العرب السياسية (مفهوم البداوة) ثم الكوارث السياسية المعاصرة والخط المتصل بين الماضي والحاضر.

في معرض خلاصات الباحث يذهب الى القول: إننا لا نتفق مع الانصاري في ان اسباب التردي والاخفاق والتخلف التي رافقت حياة العرب السياسية ولازمتهم في المجالات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها خلال قرون عدة تعود الى الجذور التاريخية والترسبات الاجتماعية من خلال مؤثرات البداوة والقبيلة وطبيعة القاعدة الاجتماعية العامة التي يعتقد الانصاري انها تنتج وتعيد انتاج الازمات والاخفاقات والتراجعات.

ومن جهة اخرى يجد الباحث العماني ان التعميم الذي يطلقه الانصاري في ان التأزم السياسي راجع الى كون العرب على مدى تاريخهم الطويل حتى وقت قريب لم يجربوا العيش في نطاق دولة منتظمة ثابتة ودائمة، بالمعنى التقليدي والكلاسيكي المتعارف للدولة، قول ينقصه الكثير من الدقة والواقعية. كما ان القول بأن الفشل الذي اصطدمت به الدولة الوطنية الحديثة مرجعة الى اغفال الاخيرة الجذور القبلية والعشائرية وتجاهلها هو قول لا يستقيم مع مجمل السياسات والبرامج والخطط التي تبعتها الدولة الحديثة ومارستها قسرا واستبدادا وجاءت نتائجها بالكوارث المعروفة.

ان هذا الكتاب بمداخله الثلاثة يفصح عما يتضمنه الخطاب الفكري والنقدي للانصاري من ثراء معرفي وغني في رؤيته الى الوقع العربي والفكر العربي الاسلامي وهي مداخل سلطت الاضواء على مفاصل مشروع الانصاري والذي يعد واحدا من اهم المشاريع الفكرية اللافتة التي ظهرت في منطقة الخليج العربي خلال السنوات الاخيرة.

الكتاب: الانصاري وسوسيولوجيا الازمة.

تأليف د. كمال عبد اللطيف ود. محمد مالكي وعبد الله العليان.

الناشر: ملتقى البحرين الثقافي ودار الفارس عمان 2000.