حرب الشعراء العرب على النساء

البشرية لم تبلغ سن الرشد والقتال مستمر بين الرجل والمرأة

TT

... وان كانت البشرية لم تبلغ سن الرشد، ولن تفعل، آن لها أن تتئد، فيحل الوئام محل الخصام ويعلن الحب عن ذاته ليس بالصراخ والعصاب والهستريا والسيطرة والعنجهية والسخف، ولكن بأروع ما يمكن أن يقدم من لطف وعطف وتسامح وتغاض وتوافق وتكامل.

تنشأ المخلوقات في ظل أنواع من قتال مستمر، أولها: يسمى حباً، فمن بدايات الجنين الأولى حتى يكبر فيفلت من الاسار يتلقى الانسان في خلاياه تأثيرات الخلاف بين من أنجباه فأضراه: قطبا الرحى ورأسا حربتي أصغر الجيوش في العالم وأقدمها وأقواها. إنه يرضع روح الاقتتال من نزاع دائم الى جانب ما تراكم في لا وعيه من معارك آبائه وأجداده عودة الى المطرودين من الجنة.

ومنشأ ذلك أن أحدهما يتخيل أنه يعيش وراء قضبان الآخر، أربعاً وعشرين ساعة، فيبدأ التمرد والعناد وما أتحفنا به علماء النفس من عقد، ويدب السأم ويظهر القرف وتعمل خيبة السيطرة التامة المنفردة على تقويض السلام في وحدة الأسرة الصغرى التي تنداح وتتسع وتملأ العالم.

هل نستطيع حقاً أن نفسر فشل كل حركات السلام، قديماً وحديثاً، بهذا النزاع البشري المتأصل في النفوس، قبل الولادة ومعها خطوة بعد خطوة؟ لماذا نهمل هذه الحرب التاريخية المستمرة الموغلة في القدم ونتستر عليها؟ هل نجد فيها مسوغاً مقبولاً لرفض الشعراء الزواج؟ ومنهم أحمد الصافي النجفي:

إذا شاعر رام اقتراناً بزوجة ففي البيت مجنونان يصطرعان؟

وهل حقاً آمن بما ورد في بيتيه:

من رام حفظاً لعقل عاش مبتعداً عن ثرثرات النسا أو صخب ولدان فالزوج تأخذ نصف العقل زوجته ويأخذ الولد منه نصفه الثاني؟

الحب والحرب صنوان، اذن، مهزلة تستحق التأمل كأن الخارجين من دوائر التزويج ملاكمان سينزلان الحلبة بعد أيام، ولن يهدأ بال أحدهما حتى ينال من الآخر أو يقضي عليه، لماذا نسميهما زوجين؟ ألا يصح فيهما اسما ساجل وسجيل فبينهما سجال دائم؟

كل من هذين الهازمين المنهزمين يهييء أحسن أسلحته ويتخذ مواقع الهجوم والدفاع والتربص والاستنفار وأفانين الكلام ويحفر الخنادق ويدق المتاريس، هل ولدنا لنتقاتل، أو هل نتزوج لنعد انفسنا وأولادنا للمعارك؟ أو يكون ما نسميه قراناً علامة مضيئة وحدثاً سعيداً في حياة جموع الفانين الذين لا يمكثون في الأرض الا قليلا.

سجلات دوائر الطلاق ملآى بأخبار الحروب الخفية الجارية في كل أزقة العالم وطرقاته ما عدا حالات استسلام احد الطرفين ورفعه الراية البيضاء وما عدا حالات تعقل نادرة لا يخلو بعضها من جبن، وفلسفة متخلفة تفرض التعايش السلمي موتاً في الحياة.

السادية ونزعة السيطرة وتأكيد الذات وطفولة العقل وخوف الغلبة تجعل الخشونة تحل مكان الرقة والعنف مكان اللطف، أهذا هو الحب؟ أهذا هو التكامل بين المرأة والرجل، هازم ومنهزم، منتصر ومندحر؟ أليس من المحزن ان نتصور حرباً تقوم بين قيس وليلى لو تزوجا؟ هل فكر الشعراء في هذه الحرب أو تهيأوا لها؟ وهل هي التي دفعت شاعراً ان يكون عاقلاً جداً:

أراكم فأعرض عنكم وبي من الشوق ما بعضه قاتل وما بي ملال ولا جفوة ولكنني عاشق عاقل وجعلت شاعراً آخر يعبر عن حالات الجبن والخوف فيقول:

ليس في العاشقين أمنع مني أنا أرضى بنظرة من بعيد وهذا شاعر يصرح أن لديه ثمانين عشيقة، وأنه خاض غمار تسع وسبعين حرباً وحين ينهي الثمانين يدخل في الواحدة والثمانين أو ربما اذا ما بدأت احداهن الحرب لجأ الى ثانية:

أرى ذا فأهواه وأبصر غيره فأترك ذا ثم أستبد به عشقا ثمانون لي في كل يوم أحبهم وما في فؤادي واحد منهمو يبقى والحطيئة أقدم من هجا زوجته:

أطوف ما أطوف ثم آوي الى بيت قعيدته لكاع وكذلك فعل الشاعر العباسي ابو دلامة:

ما حياة مع أنثى مثل عرسي بسعيده ويورد المبرد قول شيخ من الاعراب نظر الى امرأته وهي تتصنع:

عجوز ترجي ان تعود فتية وقد ضمر الجنبان واحدودب الظهر تدس الى العطار سلعة بيتها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟

ولأن المرأة، لدى شعراء، محيرة، يضطرب القول، ولأن المكر سائد يريد الشاعر أن يكون أوغل مكراً ويفشل ويخشى أن يذكر ما لا ترضاه الحبيبة فتعلن الحرب، أو يفعل ما تفرضه فيقوم الخصام وتنأى عنه وتضيع منه وتظلم دنياه ويود لو يعينه احد فلا يجد غير العذال والوشاة، يقول شاعر:

وكم من الناس من حسن ولكن عليك لشقوتي وقع اختياري ويحمد الشعراء ما لا يريده الناس ويكون للحول دور في العشق اذ يوهم الرقباء ان النظرات ليست موجهة الى الحبيب:

حمدت الهي اذ مُنيت بحبها على حول يغني عن النظر الشزر نظرت اليها والرقيب يخالني نظرت اليه فاسترحت من العذر ويرى شاعر ان الطرش يبعد نكد الخصام والقتال:

حمدت إلهي اذ بليت بحبها على طرش يشفي ويغني عن العذر وآخر يقول انه تحمل مشاق الحب والنزاع كأي بغل ذي عزم وقوة:

بنفسي التي أما ملاحظ طرفها فسحر وأما خدها فأسيل تعبت بما حملت من ثقل حبها وإني لبغل للخصام حمول وفتح الله النحاس كلما انهى حربا زج في اخرى:

لا تسل عن حال ارباب الهوى يا ابن ودي ما لذاك الحال شرح كم أداوي القلب قلت حيلتي كلما داويت جرحاً سال جرح وإن افلح شاعر قديم نصب شباك غزله فوقعت فيه امرأة، ثم وقع هو في أتون حربها، نجد تعقيدا يعانيه الشعراء اليوم، بحثا عن الحروب، فما عاد الشعر يخدع انثى ان لم تدعمه قاعدة قوية وتؤيده وقائع ومواقع لوعي معاصر تام بأحابيل الشعراء ولصدق القاعدة الذهبية: (البقاء للأمكر) حتى لو رددوا جميعاً، أمام، نسائهم، ما قاله الشاب الظريف:

ما كان عهدك الا ضوء بارقة لاحت لنا وطوق أنوارها الحجبُ أو أبيات أبي تمام:

هذب في جنسه ونال المدى بنفسه فهو وحده جنس ضمخ من لونه فجاء كأن قد كسفت في اديمه الشمس يشتاقه من جماله غده ويكثر الوجد نحوه أمس أيامنا في ظلاله أبداً فصل الربيع ودهرنا عرس أو لوعة البحتري:

ألام على هواك وليس عدلا اذا أحببت مثلك ان ألاما أو حسرات الجواهري:

ألق الجبين أكاد امسح سطحه بفمي وأنشق عطره بشذاتي ومنور الشفتين كادت فرجة ما بين بين تسد من حسراتي أو معادلة أمجد ناصر: الكلام فضة/ والشعر ذهب والنساء رنين المعدنين.

أو شعار احمد سليمان الأحمد:

ما تريدين فهو عندي المراد كل جمر سوى هواك رماد أشعار الغزل في آداب الأمم لا يمكن أن تطفئ أوار الحروب القائمة بين ساجل وسجيل، وقد هرب الشعراء من ذكر وقائعها، ما عدا قلة، منهم بدر شاكر السياب، ربما لأنه كان على فراش الموت: ولولا زوجتي ومزاجها الفوار لم تنهد أعصابي/ ولم ترتد مثل الخيط رجلي دونما قوة/ ولم يرتج ظهري فهو يسحبني الى هوه/ ولا فارقت احبابي.../ الا تباً لحب هذه الآلام من عقباه/ كأن شفاهنا، حين التقت، رسمت من القبل/ سريرا نمت فيه أنث منه الآه بعد الآه/ وعكازاً عليه مشيت ثم هويت في ثقل.

وله قصائد مغايرة ولكنه يعود فيؤكد ما ذهب اليه في أبيات اخرى: وما بين زوجي وبيني خواء/ فليت الصحارى وليت الجدار/ يوحد ما بين زوجي وبيني ببرد الشتاء/ وصمت الحجار/ وياليتني مت... إن السعيد/ من اطرح العبء عن ظهره/ وسار الى قبره/ ليولد في موته من جديد.