الأدب يتغذى على دم النميمة

TT

يصلح ليل كل ثلاثاء من ليالي القاهرة، لأن يسمى ليل النميمة الأكبر. إذ يمكن لمن يتحرك، داخل ما يسميه المثقفون المصريون بمثلث الرعب: مقهى «زهرة البستان»، و«أتيليه القاهرة»، و«بار الجريون» أن يسمع الحكايات السرية، والقصص السفلية، عما يجري في الثقافة المصرية، وأن يرى الملابس الداخلية للكتاب، تنشر وتتداول تفاصيلها، بعيداً عن أي نقاش حقيقي عميق.

والنميمة عادة اجتماعية ذميمة، تعرف بأنها نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض، على وجه الإفساد فيما بينهم، وحرمت لما فيها من مفسدة. لكن الغريب أن النميمة انتقلت من جلسات المقاهي إلى الأدب، وأصبح عدد من الأعمال الإبداعية التي تصدر وتوزع، ينطوي على تشهير من المثقفين وغير المثقفين ببعضهم البعض، وهو امر ساهم في شهرة هذه الكتب، وزاد من نسبة توزيعها. فما الذي فعلته النميمة بالأدباء، وهل حولت كتبهم إلى ساحات للتشهير ببعضهم البعض؟ وما هي العوامل التي تجعل الكاتب مدفوعاً لنشر غسيل زملائه الوسخ على حبال الصفحات؟

ظاهرة «أدب النميمة» قديمة، ويمكن اعتبار أن رواية «المرايا» لنجيب محفوظ من أقدمها. فنجيب محفوظ في هذه الرواية، اعتمد على شخصيات حقيقية موجودة في الواقع الثقافي، شخصيات زاملها وعرفها، لكنه في الرواية ألبسها أقنعة بأسماء اخرى. وهناك أيضا رواية محفوظ الشهيرة «الكرنك» التي قيل إنه كتبها عن صلاح نصر، مدير المخابرات العامة المصرية أيام عبد الناصر، راصدا فيها التعذيب الذي يمارس في السجون، والتحولات الفكرية لدى عدد من المثقفين اليساريين. أما رواية النميمة الأشهر، فهي «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، والتي يرى البعض أن سبب شهرتها هو اعتمادها على التعريض بشخوص معروفين في الواقع وما يزالون على قيد الحياة، وذكر مساوئهم سواء في الوسط الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي، مثل الصحافي الشاذ جنسيا ويرأس تحرير صحيفة أجنبية، والوزير الفاسد، وضابط أمن الدولة المتوحش، ورجل الأعمال المزواج. وعندما تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي وجدنا أبطال العمل، ولإبعاد الشبهة عنهم، يصرحون للصحف أنهم لم يقوموا بأداء أدوار الشخصيات الفاسدة في الحياة السياسية. وهناك رواية «زينب والعرش» لفتحي غانم التي تعري كواليس الوسط الصحافي المصري في فترة الستينيات، والفساد الذي دار فيه. ويمكن لمن يقرأ الرواية أن يخمن على مدار صفحاتها الأسماء الحقيقية لأبطالها، والقصص المصاحبة لصعودهم. وهناك أيضا رواية «قبل وبعد» لتوفيق عبد الرحمن التي تمت مصادرتها أثناء مصادرة الثلاث روايات، وقيل إن السبب هو انها تحدثت عن شاعر عامية مصري كبير، وقالت إنه سلم نفسه للسلطة بعد خروجه من السجن. وهناك رواية «كحل حجر» لخالد إسماعيل، التي تحدثت عن بعض المثقفين الأقباط في مصر، وأعطتهم أسماء رمزية، تقترب من أسمائهم، وغيرها من الروايات التي تعتمد نفس المنهج، في بناء دراميتها.

الشعر أيضا لا يخلو من النميمة، فهناك «أميات» نجيب سرور، تلك القصيدة المكتوبة بالعامية المصرية ويتم تداولها سرا وبشكل شفاهي، وتحمل سبا وقذفا، في حق العديد من الشخصيات الفاعلة في الوسط الثقافي المصري في الستينيات والسبعينيات، ويقال إن نجيب سرور كتبها أثناء وجوده في المستشفى النفسي، وانتقم فيها من كل أعدائه، واصفا إياهم عبر أبيات القصيدة الطويلة بالشذوذ، وموجها لهم شتائم جنسية كثيرة. وهناك مجموعة من القصائد للشاعر أحمد فؤاد نجم، لعل أشهرها قصيدة «الشاعر الأكره» التي قالها في شاعر يهادن الحكومة: «ملعون أبوك طالع نازل، شاعر أكره»، وقصيدته عن الرئيس المصري الراحل أنور السادات التي أسماها «شحاته المعسل».

غير أن النميمة في الوسط الثقافي المصري لم تتجاوز جلسات المقاهي إلى الأدب فقط ، بل نجد أن بعض الكتب قامت بشكل أساسي ومباشر على سرد أخبار الغير والتشهير بهم من دون مواربة أو حبكة قصصية أو مسحة خيالية. ولعل أشهر هذه الكتب هو «مثقفون تحت الطلب» الذي صدر منذ حوالي عامين وقام بتأليفه محمد عبد الواحد، الذي كان يعمل في المكتب الإعلامي لوزير الثقافة فاروق حسني، وفيه فضح عدداً من المثقفين، بالاسم، وقال بعلاقة بين بعض المناضلين السابقين والسلطة، ليضع عددا كبيرا منهم في مأزق، ويتحول الكتاب وأبطاله إلى وجبة دسمة استمرت أسابيع على مقاهي وسط البلد الثقافية.

قال عبد الواحد في كتابه إن اختيارات فاروق حسني لقيادات وزارته «دليل واضح على عدم صلاحيته كوزير، وصورة الغلاف تبينه ـ أي وزير الثقافة ـ يقود أوركسترا موسيقية، في يده عصا وأمامه نوتة موسيقية وأربعة من الرجال تبدو رؤوسهم نسخا متشابهة وفارغة، يقصد بهم مثقفي السلطة. غير أن الهجوم الاكبر في الكتاب كان على صلاح عيسى، اليساري السابق، ورئيس تحرير جريدة «القاهرة» التي تصدرها وزارة الثقافة حاليا. وإن كان البعض يعتبر ما كتب عنه ليس إلا من قبيل تصفية الحسابات، خاصة بعد استبعاد عبد الواحد من الجريدة، ونلمح ذلك مثلا في إشارته إلى إن صحيفة «القاهرة» كان يتردد فيها نداء شهير عصر كل يوم أحد هو «نسخة الوزير.. نسخة الوزير»، في إشارة إلى نسخة التجربة الأخيرة لصفحات «القاهرة» التي تعرض على الوزير ليراجعها قبل طبعها. وهو ما يضرب التجربة اليسارية لعيسى وادعائه الاستقلال في مقتل، ومما يرويه كتاب عبد الواحد أن دار الأوبرا المصرية «تمت عسكرتها مع مجيء (رئيسها الأسبق) ناصر الأنصاري من مراسم رئاسة الجمهورية.. (ثم) جاء عسكري آخر لكنه حاصل على الدكتوراه، رئيسها السابق سمير فرج، بعد أن اقتنع الوزير بأن عسكرة الأوبرا أفضل من أن تصبح عرضا أوبراليا».

وهناك روايات لا علاقة لها بالنميمة، لكن النميمة دارت حولها بعد نشرها مثل رواية «اخرج منها يا ملعون» التي كتبها صدام حسين، وشن موقع الامبراطور على الانترنت حملة ضد الروائي المصري جمال الغيطاني، مدعيا انه كاتبها الحقيقي. وبغض النظر عن صحة هذا من عدمه، فهذه الحادثة كانت زادا وفيرا لمائدة النميمة، لمدة طويلة من الوقت.

لكن أشهر كتب النميمة، هو الكتاب الذي حمل ذلك الاسم صراحة، وهو «كتاب النميمة» للروائي المصري سليمان فياض، والذي حلل فيه شخصيات العديد من المثقفين المصريين، عبر أسماء رمزية مثل، الفأر، والقط، والتمرجي، ومالك الحزين، والواعظ، وعازف الفلوت، وعجل جسد له خوار، ويصبح السؤال المثقفين بعد قراءة الكتاب المتداول من التي يقصدها فياض بشخصية «لوليتا»، وإن كان الكتاب بجزئيه «كتاب النميمة» و«نبلاء وأوباش» ينطوي على لغة أدبية راقية وممتعة.

يفتتح سليمان فياض «كتاب النميمة» بإهداء، نستشف منه الغرض من الكتاب: «إلى الأجيال الجديدة، تذكرة بأن الإنسان تاريخ وموقف، فلا سر يخفى، ولا شهادة تموت». ويقول فياض «لست مسؤولا عن أية إسقاطات أو تصورات شخصية لقارئ ما على أحد النماذج، لمجرد أنها معماة، ولا تحمل اسما من الأسماء، ويقول ايضاً «لست مسؤولا عن أية وقائع أو مشابهات في هذه البورتوريهات إلا عمن سميتهم بأسمائهم».

لماذا كتب إذن هذا الكتاب؟ يقول فياض «غايتي أن أقبض على اللحظات الهاربة والظواهر المستمرة أو الآفلة التي يغفل عنها دائما التاريخ العام والخاص أيضا لأنه يتجاوز في الشرق ما يعتبر أسرارا شخصية في حياة الناس».

ويضيف «النميمة في اللغة تعني الكتابة، وهي بهذا المعنى تخالف المعنى الشائع عن الحديث عن الآخر، لأن هذا المعنى ينطوي على معنى ديني». ويروي فياض قصة الكتاب قائلاً «عند اهتماماتي الأولي بالقراءة لفتت نظري مقالات كان ينشرها حبيب جاماتي في مجلة «الهلال» عن تاريخ ما أهمله التاريخ، وكان يكشف عن أشخاص وأحداث مجهولة. وفي الأدب الغربي هناك مؤلفات مهمة في هذا النمط من الكتابة، أبرزها ما كتبه مكسيم جوركي تحت عنوان «صور أدبية»، وعندما قرأت هذا الكتاب الذي يتعرض لجوانب غير معروفة في سيرة ستالين ولينين وتشيكوف وغيرهم، بدأت أفكر في الأشخاص الذين عرفتهم في حياتي وقررت الكتابة عن الأنماط النادرة التي يتحول أصحابها إلي ظواهر سواء بالسلب أو الإيجاب‏.‏ فقد كنت معنيا بالكتابة عن التاريخ السري للشخصية التي أعرفها من خلال البورتريه، وبطبيعة الحال راجعت ما كتب في هذا السياق،‏ خاصة كتابات يحى حقي ملك هذا النوع من الكتابة‏، هو وفكري أباظة في كتابه الضاحك الباكي. وعندما كتبت الكتاب وجد انتشارا نادرا‏، وفتح الباب لكتابات أخرى، أهمها ما كتبه إبراهيم أصلان في كتابه الجديد «خلوة الغلبان» وبصراحة ردود الأفعال حول الكتاب أبهجتني»‏.‏

‏وينفي فياض أن تكون حدثت مشاكل قضائية بسبب الكتاب ويقول «لم تحدث مشكلات قضائية لسبب وحيد هو أنني لم أذكر أسماء إلا عندما تكون الصورة إيجابية‏، مثل عادل كامل‏، وأنور المعداوي‏. أما في الحالات السلبية فلم أذكر أسماء‏، وبالتالي لم يكن هناك مجال للتقاضي».‏

ورغم عدم اعتراف عدد كبير من النقاد والمبدعين بمصطلح «أدب النميمة» إلا أن فاروق عبد القادر يعد هو أول من دشن مصطلحا مشابها له وهو «أدب التلسين والنميمة» في كتابيه «أوراق من الزمن الرخو» وفي الرواية العربية المعاصرة، حيث سماه «أدب التلسين وإياك أعني»، غير أنه حسبما قال لـ«الشرق الأوسط»، يعتبر رواية «عمارة يعقوبيان» هي الرواية الواقعة بامتياز تحت مسمى «أدب النميمة»، معتبرا إياها ذات مستوى متوسط، استفادت من الهجوم على رموز المجتمع. ويوجد عملان آخران ينطبق عليهما هذا الوصف في ظن عبد القادر هما روايتا «حكايات المؤسسة» و«حكايات الخبيئة» لجمال الغيطاني. حيث نجد الراوي يتعثر ما بين المكاشفة والتخفي، التصريح والتلويح، بين ما يريد أن يقول، وما لا يستطيع أن يقوله، أن تغمز بعينك للقارئ في إغراء بالتواطؤ: أنت تعرف وأنا أعرف، لكنني لا أجرؤ على مزيد من الإفصاح.

الروائية سلوى بكر أيضا ضد فكرة أن تكون هناك روايات تحت مسمى «أدب النميمة»، لأن الرواية يجب أن تقرأ كرواية، أي على أنها فعل متخيل، أما كون أحداثها تنطبق على الواقع فهذه قراءة مختلفة، وليست قراءة أدبية، كما أن النميمة فعل مذموم ودليل على التقصير، وعدم القدرة على المواجهة.

وترى سلوى بكر أن الحياة مليئة بما يستحق التعبير عنه بأشكال مختلفة، ومتباينة، وغياب مناخ صحي يمكن أن تسمى فيه الأشياء بأسمائها، يدفع البعض إلى الهمز واللمز والغمز، لاكتساب القارئ وإدخاله في لعبة: هل هذا هو ذاك أم لا؟ أو أن هذه الواقعة هي التي نعرفها جميعا، والتي تتناثر حولها شائعات. وتعتبر بكر أن ما كتبه سليمان فياض عن أشخاص وذكر وقائع سلبية تتعلق بهم، وأنهم يظهرون غير ما يبطنون وأن هناك ازدواجا في شخصياتهم وسلوكهم، وهو نوع مختلف من الكتابة.

«كتاب مثقفون تحت الطلب» ذكر فيه مؤلفه مقاطع عن سلوى، إلا أنها تقول إنها لم تقرأه، وتعتبر هذه النوعية من الكتابة مضيعة للوقت والطاقة، ولا قيمة لها لأنها نوع من التسلية، وتناقل الأخبار والشائعات ومحاولة للتشهير بالبعض، فهي محدودة القيمة، وتقول «أفضل الكتابات التي تكون لديها القدرة على الشجاعة والمواجهة وتتحدث بشكل موضوعي ويكون الهدف هو تقييم الأشخاص والنظر إلى سلبياتهم بدون تصفية حسابات. وتعتقد سلوى أن الوسط الثقافي أصبح يعيش على الشائعات ويأخذ بالشبهات، ولا يوجد فيه من يقول للآخر أنا أرفض مسلكك هذا بشجاعة.

القاص سعيد الكفراوي لا يعتبر روايتي «المرايا» و«عمارة يعقوبيان» أدب نميمة. «المرايا» في ظنه من أهم ما كتب نجيب محفوظ، لأنها مرايا لعدد من الشخصيات الذين قابلهم في حياته، وحصل بينهم تماس على مستوى الحياة والفن والسياسة، ومن خلال عين الروائي الناقد وضع كل شخصية في بؤرة من الفعل عاشت زمنا، وكانت تعبيرا عن هذا الزمن، أو موقفاً في ذلك الزمن، مثل تحولات سيد قطب، وموقف ثروت أباظة من الثقافة الجديدة. وكثير من الشخصيات التي تعرفنا عليها قدمهم من خلال سير ذاتية، ومن خلال لحظات نادرة. أما الأسواني ففي رأي الكفراوي انه استطاع من خلال شخصيات بملامح حقيقية أن يكشف هذا الخراب العقيم الذي نعيشه في حياتنا الواقعية.

سليمان فياض سمى كتابه بالنميمة مباشرة، في ظن الكفراوي، لأنه قدم شخصياته بإحساس سلبي تجاهها: المثقف الذي يكتب لمسؤول كبير، والذي يأتي من الخارج وبداخله إحساس بتدمير الآخرين، والذي يحلم بموقع متميز في الثقافة المصرية، والسيناريست الذي يكتب أفلام خلاعية. وعندما نقرأ هذه البورتوريهات، نشعر أن هذا فلان وذاك فلان، وسليمان فياض عاشر هؤلاء وعرف ما لهم وما عليهم. ومادام والكلام ليس شخصيا فهو نوع من النقد الذي يقوم على كشف ما هو سلبي، كما أن الثقافة المصرية منذ أوائل القرن التاسع عشر والندوة والمقهى والجامعة أماكن لتناول الآخر سلبيا.

ويضيف الكفراوي «أن كتابي فياض مع ذلك، يمثلان حالة من الإبداع، لأن سليمان لا يقول رأيا في الآخر، ولكنه يقدم حوارات، وقام بانتقاد لبنية بائسة في الثقافة المصرية، واستطاع أن يحول تلك الشخصيات إلى فن، وبالتالي فالقارئ يتعامل مع الكتاب على اعتبار أنه نص أدبي يكشف جانبا مهما من حياتنا التي نعيشها.

ويقول الكفراوي إنه أخذ موقفا من كتاب «مثقفون تحت الطلب» ليس لأنه كتاب عن النميمة، ولكن لأن المؤلف كان جزءا من الجوقة، وكان أحد الفاعلين فيها من خلال علاقته بوزير الثقافة، وفي اللحظة التي أبعد فيها عن فردوسها كتب كتابه، كما أنه صفى حساباته مع البعض مثل سيد خميس الذي قال عنه انه كان يفتح جواله أثناء جلوسهم في مقهى «الجريون» ليسمع الوزير ما يقولون، «وإن كنت بعد قراءتي للكتاب اكتشفت أشياء صغيرة بعيدة عن السياق الثقافي العام». ويعتبر الكفراوي أن هذا الكتاب جاء لصالح وزير الثقافة حيث أظهره بمظهر محرك العرائس والجميع يدور في فلكه، مشيرا إلى أنه يعتقد ان الوزير كان على علم بهذا الكتاب.

أسباب انتشار النميمة في الوسط الثقافي المصري، أدبا وقولا، في رأي الكفراوي سببه الإحباط العام، والمناخ السيئ في البلد، وعدم تحقق الكثير من المثقفين والمبدعين الجدد، مما دفع بهم إلى المقاهي التي تحيا على النميمة. ويعتقد الناقد يسري عبد الله أن الوسط الثقافي المصري، مصاب بعدد من الأمراض الثقافية كالنميمة والشائعات، التي تعبر في رأيه عن مدى الخواء الحادث، والانشغال بالآخرين، بدلا من الانشغال بالمعرفة والإبداع. لكن الدكتور محمد حسن عبد الله، الناقد الأدبي، يعتقد ان هذا النمط من القراءة للإبداع الأدبي ليس من قبيل النميمة، بل من قبيل حب الاستطلاع، وادعاء الكشف والمعرفة والفطنة، تماما كما نقرأ الكلمات المتقاطعة.

وهناك فرق في ظن محمد حسن عبد الله بين «المرايا» لنجيب محفوظ، وشخصيات رواية «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، لأن نجيب محفوظ، حسبما يقول، رسم صورا لأشخاص بأعينهم محددين بالصفات، وبالسلوك فأغرى القارئ بأن يحاول اختبار معارفه على ضوء هذه الصفات. الروائي والناقد إدوار الخراط يعتقد أيضا أن هذه الأعمال الإبداعية لا يمكن أن تقع تحت مسمى «أدب النميمة»، طالما أن البناء الفني للعمل متسق مع نفسه، وليس صورة من أحداث واقعية، وإنما بناء خيالي مواز لواقع وليس منعكسا عنه، وليس مطابقا له، فلا يمكن أن نصف عملا ادبياً بالنميمة، إلا إذا كان يحكي حكاية واقعية عن أناس واقعيين، وفي سياق الذم والإساءة. فالعمل الفني ليس نميمة، وكذلك لا يمكن أن نعتبر النميمة عملا أدبيا.