كندا احتفت بـ«يوم الكاتب السجين» شعرا

TT

أين تذهب القصائد والحكايات التي يحملها في رأسه الكاتب السجين حين يحرمونه من أدوات الكتابة والقراءة، ويسلمونه أمانة في يد الجلاد وأدوات التعذيب الحديثة والبربرية! وهل تتشابه معاناة السجناء وقصائدهم وسيرهم الذاتية في شرق الأرض ومغاربها، كما تتشابه ملفات الحكومات الدكتاتورية وممارساتها؟!

لعلنا ندرك ذلك إذا تصفحنا مذكرات أي سجين(ة) بمناسبة الاحتفال بـ«يوم الكاتب السجين» الذي صادف الخامس عشر من نوفمبر (تشرين الثاني)، وأصبح يحتفى به حول العالم ومن قبل فروع «منظمة القلم الدولية» الـ 144 المنتشرة في 101 دولة. هنا أقتطف بعض الشواهد التي تشير إلى وجع الكاتب وتكشف خوف الطاغية من مجد الكلمة ومبدعيها. يقول الكاتب النيجيري «ول سوينكا» الحائز نوبل في أحد حواراته عام 1998 بعد سنوات على إطلاق سراحه: «كنتُ في الزنزانة الإنفرادية لمدة سنة وعشرة أشهر، من مجمل الفترة التي تجاوزت مدتها سنتان. أدركت حقيقة أن هذه محاولة لتحطيم عقلي، منعت عني الكتب، وكل وسائل الكتابة، وحرصت على أنواع التواصل الإنساني».

وفي موقع وزمان آخر يقول الشاعر السوري فرج بيرقدار في حوار نشر في مجلة «نزوى» العدد 31، وهو الحائز جائزة القلم الدولية عام 2004: «لم يكن مضى على اعتقالي كثيراً حتى بدأت اكتشف الشعر بوصفه ومضاً في مواجهة العتمة، وعدالة في مواجهة الظلم، وحباً في مواجهة الكراهية والطغيان... وبدأت الكتابة على الذاكرة، إذ لم يكن هناك أوراق وأقلام. ولكن بعد سنوات، أحالونا إلى سجن صيدنايا وهناك استطعت إفراغ ذاكرتي وذاكرة الأصدقاء من قصائد... لاحقاً عرفتُ من الصديق المرحوم جميل حتمل، وبالتعاون مع آخرين انهم استطاعوا الحصول على دفعة أولى ونشروها بعد عدة سنوات من وصولها إليهم».

ورغم كل أشكال القمع نسمع ونقرأ كيف «يخترع» السجين حبراً وورقة ليحرر كلمته ويطلقها حمامة صوب العالم. منتصف الشهر الحالي، احيت منظمة القلم الكندية، أمسية أدبية في تورنتو وبالتعاون مع سلسلة قراءات «درافت»، شارك فيها عدد من أعضاء قلم كندا، من أصول مختلفة منهم: الشاعرة الصينية شينغ سو، والشاعرة بترونيلا كليتو من الفلبين، والروائية أنيا زادو من تورنتو، وجاكلين سلام كاتبة هذه السطور.

ألقى ديفيد كوزاك ممثل القلم الكندي ومسؤول رابطة المنفى في كندا، كلمة تحدث فيها عن دور وأهداف هيئة القلم الدولية ـ فرع كندا، ودورها في تنظيم الحملات المستمرة للافراح عن سجناء الرأي والكلمة في كل مكان. وجرياً على تقاليد هيئة القلم كان هناك كرسي فارغ في الصالة تكريماً وتذكاراً لغياب أحد الكتاب المعتقلين. كان كرسي هذه الأمسية للكاتب Tin Win من ماينمار والذي يقبع في سجون بلاده منذ 16 عاماً وفي أحوال صحية تزداد سوءاً إذ يبلغ من العمر 76 سنة، ورغم ذلك لا يتلقى المساعدات الطبية الكافية والزيارات، لذلك تدعو هيئة قلم كندا لتوقيع عريضة المطالبة بالإفراج عنه في أقرب وقت ممكن.

قرأت الكاتبات باللغة الانجليزية قصائد ومقاطع من السيرة الذاتية ونصوصاً تعكس تجربتهن الشخصية في كندا والبلاد التي قدمن منها. كانت الورقة التي قدمتها الشاعرة الصينية مؤثرة، وهي تحكي تجربة حرمانها من زيارة بلدها الصين حين وفاة والدها، ذلك أنها نشرت العديد من المقالات التي تفضح غطرسة الحكومة الحالية، وطبعت كتاباً ينتقد السلطة الحاكمة الحالية، تم منع تداوله في الصين. فيما قرأت جاكلين سلام أوراقاً من كتابها «خريف يذرف أوراق التوت» ونصاً يحمل حواراً مع سجين سابق. وقرأت بترونيلا كليتو بعض قصائد الترحال واسكتشاف دروب المنفى. وقرأت الروائية أنيا زادو فصلا من رواية تقدم حواراً متخيلا مع «سانت دي اكزوبري» صاحب كتاب «الأمير الصغير» الذي جابت شهرته الآفاق. فيما تغيبت الكاتبة المكسيكسة ايما بلتران عن الحضور، وعرفنا فيما بعد أنها «تاهت» وهي في طريقها إلى المكان المقرر.