إبراهيم بادي: هناك من سيقرأ الرواية كأدب لا كـ«فضيحة»

تصدر باسم «حب في السعودية» وتصف نفسها بـ «الأجرأ»

TT

«حب في السعودية» هو عنوان لرواية تصدر هذه الأيام عن «دار الآداب» اللبنانية. رواية تقول، عنواناً ومضموناً، انها تريد ان تتجاوز في جرأتها وفضائحيتها وبوحها، كل ما سبقها من روايات سعودية أثارت ضجيجاً وغضباً، بعد أن نشرت بأسماء مستعارة. وصاحب المؤلف هذه المرة يقدم نفسه بوجه عار وباسمه الحقيقي. ويقول انه يكتب نصاً أدبياً، وهو لا يفضح وإنما يكتب، ويرى فرقاً بين الاثنين. ابراهيم بادي، صحافي في السادسة والعشرين، سبق له أن عمل في المسرح ونال عدة جوائز داخل السعودية وخارجها وروايته التي تصدر الآن، هي عمله الأدبي الأول، وهنا حوار معه:

> في مطلع روايتك، مشهد جريء جداً بل وفاضح، وكأنك تقول للقارئ، لا تترك هذا الكتاب فستجد فيه ما لم تقرأه في أي رواية عربية أخرى، هل بات هذا هو الطعم الأسهل لاصطياد القراء؟

ـ لماذا لا يكون العكس؟ كأنّ المشهد يقول للقارئ: «اترك هذا الكتاب، إذا لم يرق لك ما قرأته». على أي حال، المشهد جزء من رواية، أو بمعنى أدق: جزء من رواية داخل رواية. وهو افتتاحية، كما يُظهر الترقيم، فالفصل الذي يلي هذا المشهد عُنون بالرقم (1). ربما يبدو المشهد لبعض القراء، ذروة الحدث، إذ يحكي باختصار ما وصلت إليه حال العلاقة العاطفية والذهنية، بين إيهاب وفاطمة. ثم تعود الأحداث بين الشخصيتين، في زمنها، إلى الماضي، فالمستقبل، لتتأرجح مرتكزة على هذه «الافتتاحية» في شكل رئيس.

إيهاب وفاطمة هما بطلا رواية «رجل وخمس نساء» التي يكتبها بطل رواية «حب في السعودية» (الرواية الأم). من هنا كانت الافتتاحية لا تقتصر فقط على سرد مشهد الذروة في علاقة إيهاب بفاطمة، بل تمتد إلى سرد حكاية العلاقة الأهم، من بين العلاقات العاطفية الخمس، والتي ترتكز على هذه العلاقة. لتعود أحداث الرواية ككل متحركة إلى الماضي فالمستقبل (علاقات عاطفية قديمة وحديثة). أعرف أنك قصدت بسؤالك، «الإثارة» في المشهد، وهل هو طُعم؟ أعود إلى الراوي في الرواية، والذي يظن أنه «الأجرأ»، ويراهن على ذلك، فربما من هنا اختار هو ـ لا أنا ـ هذا المقطع تحديداً من دون غيره. كما أن هذا المشهد جزء من روايته «رجل وخمس نساء»، الذي هو جزء من روايتي «حب في السعودية». وبما أنني من كتبِ هذه الشخصية (الراوي)، أقول: ربما أراد أن يكون المشهد «مقبلات»، لما بعده، وهذا الوصف «السوقي» لجزء من عمل أدبي يجيء من الشخصية ذاتها (الراوي)، وكيف تنظر إلى عملها الروائي.

> تجعل الكاتب حاضراً في روايتك ويتصارع مع البطل، لتعبر من خلاله عما يدور في ذهنك، وهي لعبة أدبية ذكية، لكنها أوقعتك في المصيدة، فالكاتب يعترف بنواياه حين يقول: «ستكون روايتي الأجرأ». ويتوقع أن تحمله الرواية بسبب فضائحيتها «إلى صفحات الجرائد وشاشات القنوات الفضائية»؟ أو ليس هذا اعترافاً بأن ما تبحث عنه هو البروز منذ كنت تخط صفحاتك الأولى؟

ـ إذا كانت مصيدة، فمن صنعها: أنا، أم الراوي، أم العمل؟

تأويل عنوان العمل، «حب في السعودية»، حمّال أوجه، ففي وقت سيرى فيه البعض عنوان العلاقات الخمس، ربما أعتبره وغيري حكاية «روايات الحب في السعودية». من هنا كانت الثيمة الرئيسة برأيي: هدف الراوي في أن تكون روايته الأجرأ، وبالتالي يتوقع أن تحمله الرواية بسبب جرأتها «إلى صفحات الجرائد وشاشات القنوات الفضائية». هذا في شكل بسيط وسطحي، لكن هناك ما وراء الحكاية: ما الذي جعله يفكر بهذه الطريقة؟ هل روايته «رجل وخمس نساء» رواية إباحية و«سلعة سعودية»، أم أنها «أدب»؟ هل هي «فضيحة» أم رواية تنطبق عليها «الشروط الفنية»؟ ماذا عن معاناته وجهده في هذه الرواية؟

لا تنسي أيضاً حياة الراوي مع زوجته، وكيف تنظر إليه؟ وكيف تعامله؟ وكيف تنعته بـ«الأهبل» لأنه يشتري الكثير من الكتب ويفكر في كتابة رواية؟

ـ تحاول أن تنفي عنك شبهة تقليد رجاء الصانع في «بنات الرياض» في إحدى الصفحات، وتربط بين شخصياتك وشخصيات بعض الروائيين السعوديين، إلى أي مدى شجعتك الروايات السعودية الأخيرة ليس على مجاراتها فقط وإنما تجاوزها ايضا؟

ـ ربما حاول «الراوي» نفي شبهة تقليد الروائيين السعوديين، وليس رجاء الصانع فقط، ومن ضمنهم كما جاء في الرواية: عبده خال، رجاء عالم، محمد علوان، ليلى الجهني. من جهة أخرى، كان يتساءل عن وجه الشبه بين روايته وروايات للمذكورين أعلاه، بعينها: «بنات الرياض» و«فسوق» و«ستر» و«سقف الكفاية» و«صوفيا» و«الفردوس اليباب». كان الراوي يعتبر أن «الحب في السعودية» تجمع بين كل تلك الروايات، وفي الوقت ذاته يتساءل إذا كان «العالم الخفي المطلق» لأبطال تلك الروايات هو القاسم المشترك بينها؟

> ورد تكراراً في الرواية ايضا ان الكاتب ينوي نشرها باسم مستعار لفتاة مجهولة، هل هذه كانت النية، وعدلت عنها بالفعل في اللحظة الأخيرة؟ ولماذا؟ ألا تخشى أن تتحمل وزر كل من سبقوك بأسماء مستعارة؟

ـ كلما كانت تصدر رواية باسم مستعار، لفتاة مجهولة، كنت أبتسم. لأنها تذكرني ببطل رواية «حب في السعودية»، الراوي الذي أراد أن يكتب باسم مستعار ونسائي، خوفاً من الحرج، ومن أن يعتبروه كتب سيرة ذاتية فيهدموا كل إبداعه. أنجزتُ الرواية قبل عام، تحديداً في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005. كنت بدأت في كتابتها قبل ثلاث سنوات. لا أنكر أنني كنت أنوي حينها تذييلها باسم مستعار، مبرراً ذلك «روائياً» على لسان الراوي، ومتنبئاً بأن روايات كثيرة ستصدر بأسماء مستعارة، ونسائية تحديداً.

لكني غيرت رأيي لأسباب كثيرة، من أهمها أن النشر باسم مستعار قد يعني عدم ثقتي بنصِّي، وبما كتبته، كما قد يعني الخوف من المواجهة. وأستشهد هنا بمقولة للدكتور عبد الله الغذامي، الذي أحترمه كثيراً: «ربما تدلل الكتابة باسم مستعار إلى مأزق في النص نفسه. فهؤلاء الكتاب رغم كل الحرج والأذى الذي قد يترتب عليه نشرهم بأسمائهم الحقيقية أو الإعلان عن أنفسهم، يشيرون بطريقة غير مباشرة إلى أن النص، على مستوى النسق الثقافي، ناقص. ويشيرون إلى أنهم ليسوا مقتنعين بأنه كامل، ولا يملكون قناعة بمقدرتهم الإبداعية والسردية، أو ربما لا يعونها، لأن الإبداع، عادة، يرتبط بالجرأة والشجاعة، وإذا نقصت هذه الجرعة نقص الإبداع».

> بطلك ايهاب هو أشبه بـ«دون جوان» لا يريد أن يستقر على صديقة أو حبيبة، وهو يستخدم الكريمات ويرتاد صالونات التجميل، فهل تعتقد ان هذا نموذج للشاب السعودي؟

ـ لماذا لا يكون هذا نموذجاً جديداً للشاب العربي، أو للشاب الهندي أو الأوروبي أو الأميركي أو الفنزويلي؟ ثم هل هو فعلاً جديد؟ يكفي أنك شبهته وسيشبهه غيرك كما كُتب في الرواية بـ«دون جوان»، وهذا ربما يدل على مدى قدمه، لا حداثته، قياساً بزمن «دون جوان». وعلى النحو ذاته، إذاً، نقول: ماذا عن فاطمة؟ هل هي نموذج جديد شائع للفتاة المتمردة؟ أم أنها نموذج جديد للفتاة العادية؟

العمل عبّر في نهاية المطاف، إلى حد ما، عما يختلج في ذهني (عالمي الخاص) عن كل الشخصيات، بداية من الراوي إلى إيهاب (بطل الراوي) والنساء الخمس أو الـ 25، بعيداً من كونها نموذجاً لأحد أم لا.

> دعنا نقول بصراحة ان هاجس العلاقة بالمرأة يسيطر على كل الرواية؟

ـ من وجهة نظري، في شكل عام، تكثف أي رواية واقعية المَشَاهدَ، وتجعل الأمر المركز عليه يبدو كأنه كل شيء. لا يمكننا أن نقول إن الأعمال الروائية اللبنانية تمثل المجتمع اللبناني، ولا الأعمال الأميركية تمثل المجتمع الأميركي، ولا تمثل «شيفرة دافنشي» المجتمع الديني المسيحي. لا يمكن الخوض في هذا الأمر برمته، حتى لو كان العمل واقعياً. فيجب ألا يقاس الأدب بالمسطرة وهل ما ينقله واقع وحقيقة أم لا؟

أما عن اعتبار العلاقة بين الجنسين من أولويات العقد، على مستوى المجتمعات كلها؟ فرأيي: نعم، هي كذلك. وإلا لماذا صدرت (كما جاء في الرواية): «بنات الرياض» و«فسوق» و«ستر» و«سقف الكفاية» و«صوفيا» و«الفردوس اليباب»... أضف إلى ذلك: «القران المقدس» و«الآخرون» و«الأوبة»، وأخيراً: «جاهلية». أعرف أن كل رواية اشتغلت على خط مختلف وعلى ثيمة مختلفة، وهذا طبيعي، لكن العلاقة بين الجنسين حاضرة في كل تلك الروايات، حتى لو لم تكن الموضوع الرئيس. ولست متناقضاً هنا حين أقول إن هذه الروايات خرجت من واقع (اعتبار العلاقة بين الجنسين من الأولويات)، فهي تخرج من واقع، لكن ليس بالضرورة أن تمثله.

وربما يمكن الإشارة هنا إلى أن الإقبال على هذا الروايات التي تحكي عن العلاقة بين الجنسين، في هذا العصر، يفوق الإقبال على غيرها، مما يدل، ربما، على أنها من أولويات العقد على المستوى الاجتماعي. ولعل أكبر ما يؤكد هذا الإقبال، على المستوى العربي «ذاكرة الجسد» للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، وأسطورة عدد طبعاتها، وعلى المستوى السعودي هناك «بنات الرياض»، وعلى المستوى العالمي بعض روايات باولو كويليو وعلى رأسها «الزهير» وهي روايته الأخيرة. بينما، في وقت سابق، كانت الروايات الفكرية والسياسية هي محل الاهتمام الأول، حتى في السعودية، لذلك انتشرت روايات تركي الحمد وعبد الرحمن منيف وغازي القصيبي. وحتى الحمد ناقش أخيراً في «جرح الذاكرة» حكاية الأربعينية وحنينها وتعلقها بطبيبها سليم. وحتى القصيبي نفسه حكى عن العلاقة بين الجنسين في «7« وغيرها، بعيداً من الرمزية وما وراء الحكاية، فكل رواية فيها ما وراء الحكاية. أعتقد أننا في زمن روايات «الحب»، بلا جدال.

> بطلك مصرٌ على رسم خريطة طويلة لحبيباته، ويقول إن عنده لوائح عديدة، ومختلفة، بينهن اللواتي استدعينه عبر الانترنت. لكن هذا الشخص اللعوب نفسه يقع في حب يفترسه، عدا تعلقه الشديد بأمه، أو ليس في الرواية محاولة للحديث عن موقفين متناقضين من المرأة؟

ـ أرى أن في الرواية محاولة للحديث عن كل ما هو متناقض، بداية من الراوي الذي يفكر في كتابة رواية ويفكر في الشهرة في آن، ومروراً بإيهاب الذي يعجبه كل ما تفعله معه فاطمة ويتهمها بل ويصور خياناتها، ويدعي أنه لا يخون ثم نراه يخون زوجته، ووصولاً إلى الأم «الطيبة» التي ربته على حسن النية، في وقت تحرضه فيه على الانتقام من والده.. المتناقضات كثيرة لا تنتهي في هذه الرواية، ولا يمكن حصرها، وهي كذلك في حياتنا.

> من يصدق ان بطلك الدون جوان الذي يطارد النساء ويطاردنه، هو ليس انت وقد جعلته يشبهك في أمور كثيرة، فمثلك عرض مسرحيته في بيروت، وعلى نفس الخشبة، وأمه ليست سعودية، وحتى فيزيولوجيا، كما تصفه، يشبهك في ملامح كثيرة، لماذا هذا الإصرار على زج نفسك في الرواية والتأكيد على انك لا تكتب سيرة ذاتية، أو ليست مشاكسة غير بريئة؟

ـ هذا الكلام يجعلني أبتسم، ربما أضحك. كل من يعي السرد، يفهم أن السيرة الذاتية أمر مختلف عما كتبته. والمشكلة أن كثيرين لن ينتبهوا له، بمن فيهم من يعي السرد وماهيته، بل إنهم كما جاء على لسان الراوي سيبحثون في سيرته الذاتية ويقارنون. لا ألومهم، هذا يحدث دائماً في العمل الأول. ولست أول من جاء بذلك أو أول من سرده: «محاولة المزج بين ما هو حقيقة وما هو خيال». انظروا إلى باولو كويليو في «الزهير» وفي «إحدى عشر دقيقة»، وإلى ربيع جابر في «بيريتوس مدينة تحت الأرض»، وسواها، وفي «يوسف الإنجليزي». وبما أنني خلطت كثيراً وقصدت اللعب على هل يكون الراوي هو ذاته إيهاب، فلمَ لا تكون اللعبة ذاتها مقصودة بيني وبين الراوي، وبالتالي بين أن نكون معاً إيهاب. ولست اعتبر ذلك عيباً، رغم أنني لست إيهاب ولا الراوي، فإيهاب برأيي شخصية ظلمها مجتمعها الذي يعيش حولها.

في «الزهير» تختلط الأمور بين أن نعرف إذا كانت زوجة كويليو هي ذاتها زوجته في الرواية، وبالتالي بين أن تكون خانته ويكون خانها أم لا. باختصار ليس في الخلط، أو في زج نفسي، جديد، بل الجديد ربما في طريقة اللعب على الفكرة ذاتها، واعتبارها متناً لا هامشاً.

> أنت تلعب بالنار، وتجازف بدخول لعبة أدبية تخلط بين الواقع والخيال، لدرجة قد تنقلب القصة إلى حكاية جدية جداً. فكثيرون سيغضبون من جرأتك، ومن تقديم المجتمع السعودي على نحو غير مألوف بالضرورة، فأي قلق يساورك وكتابك سيصبح بين ايدي القراء؟

ـ يسعدني أنك اعتبرتها لعبة أدبية. وأتمنى أن يعتبرها القراء جميعاً على هذا النحو. أقول أتمنى، لأنني أتوقع أن يتعامل البعض مع «حب في السعودية» باعتباره عملاً فاضحاً للمجتمع. بينما أنا لست أفضح بل أكتب فقط. من حق القارئ تأويل ما أكتبه كيفما يشاء. ولن ألوم من سيغضب، لكن فليتذكر من يسعى إلى قراءتها أنها «رواية»، كما برر نجيب محفوظ لعمل «أولاد حارتنا»، «رواية» يمكن تأويلها وتأويل كل شيء فيها كما يشاء القارئ.

> شغلت في روايتك بالحب الحقيقي منه وما هو نابع من رغبة في التسلية، لكنك حاولت ان تقول إن هذا كله لا يأتي من فراغ، وإنما من عائلة مفككة وأبوين مطلقين، وأم وجدت في ابنها آخر ما بقي لها، فهرب منها سبع سنوات يبحث عن امرأة. هذه خلفية مهمة لبطلك لم تطورها بشكل كاف على أهميتها، لماذا؟

ـ سيسأل كثيرون عن سبب عدم تطوير شخصية علوة، وسبب عدم تطوير شخصيات مثل هتون وديان ودنيا.. وربما يسأل آخر عن سبب عدم تطوير شخصية الراوي. فليطور القارئ ما شاء، وليكن مؤلفاً رابعاً، فالأول: إيهاب، والثاني: الراوي، والثالث: أنا. في رأيي أنا سعيد أنك انتبهت لهذه الخلفية، وسأكون سعيداً كلما انتبه القراء لخلفيات أخرى بعيداً من الإثارة.

> لغة سلسة، وايقاع عصري وسريع، وحبكة شائقة، باختصار موهبة يتمناها كل كاتب رواية أولى، ألا تخشى ان يتجاهل الناس موهبتك في القص وينشغلون بالإثارة، ويهمل النقاد موهبة الروائي عندك؟

ـ لا أخفيك أنني ترددت كثيراً في نشر الرواية، تحديداً بعدما اقتنعت أنني إذا نشرتها، فسأنشرها باسمي. عرضتها على أكثر من دار نشر، وكنت أتردد في كل مرة، لكن لاسم «دار الآداب» ولتشجيعهم لي دور كبير، خصوصاً تقريرهم عن الرواية الذي شعرت من قراءتي له انه ألمّ بكثير مما جاء فيها. كما أنهم لم ينظروا لها كرواية «جنسية»: «الرواية ممتعة، لا بسبب ما تحكي عن الجنس بل بسبب فنيتها العالية». ولا أنسى تشجيع الصديق علي عطا الذي ساعدني كثيراً. من هنا اقتنعت أخيراً أن هناك من سيقرأ «الرواية» وسينظر إليها كأدب لا فضيحة، وسيقرأ «الموهبة» لا «السلعة السعودية». ولست مضطراً إلى إقناع من رأى فيها «فضيحة»، بأنها غير ذلك، بل لا ألومه، ولا أصادر رأيه، المهم ألا يصادرني.

ثم لنتذكر أسماء مثل رشيد الضعيف في «تصطفل ميرل ستريب»، ومحمد شكري في «الخبز الحافي»، وعلوية صبح في «دنيا» وسواهم، وقبلهم كلهم الطيب صالح في «موسم الهجرة إلى الشمال». وعلى المستوى غير العربي، على سبيل المثال: «إحدى عشر دقيقة» لكويليو و«ذاكرة غانياتي الحزينات» لماركيز. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقول إن هؤلاء انشغلوا بالإثارة عن الأدب، أو نقول إنهم لا يكتبون أدباً لأنهم تجاوزوا «خطوطنا الحمراء»!

> ببساطة كتبت عما تقول انه يحدث في السيارات والمطاعم وخلف الأبواب المغلقة، أي ما لا يعلن عنه في العادة، لماذا يخوض شاب مثلاً، مغامرة كبيرة من هذا النوع منفرداً؟

ـ «لست إلا فوضى تُعبر عن نفسها»، هكذا بررتُ لأمي (فاطمة)، قبل أي أحد في الإهداء المضمن في الكتاب. وكانت تطالبني كما طالبني أعزاء إلى قلبي، كثيرون، بأن أتريث في نشر هذه الرواية تحديداً. لكن عبارة بعينها، كانت ترن في ذهني: « ليس هناك سوى شيء واحد يمكنه أن يجعل الحلم مستحيلاً: الخوف من الفشل»، من رواية «الخيميائي» لباولو كويليو.

وفي وقت كان فيه هناك من يطلب مني التريث والتأجيل (الذي امتد عاما) كان هناك من يشجعني، لتبدو لي الأمور: «عندما ترغب في شيء، فإن الكون بأسره يطاوعك على القيام بتحقيق رغبتك». وهذا تجلى بموافقة «دار الآداب» وعدم تكليفي المساهمة بأي مبلغ مالي كما يحدث مع الآخرين، وتجلى أيضاً بتقريرهم، ودعم الأصدقاء (عبد المطلب وعماد ومالك وعلي وصالح.. وآخرين)، والذين كانوا ينتظرون لحظة الصدور، ويثقون بي، خصوصاً عبد المحسن، أخي (يصغرني بثلاث سنوات) الذي كان ينتظر أول إصدار لي، لكن المنية سبقت الرواية.