هل باتت الروايات الإباحية أسهل طريق إلى الشهرة؟

TT

لماذا تجتذب الكتابات التي تميل إلى تصوير المشاهد الإباحية كل هذا العدد الكبير من القراء، في وقت يعف فيه الإنسان العربي عن الكتب بكل أنواعها. فهل مع رواج روايات السنوات الأخيرة التي وسمت بالأدب المكشوف، صار الكتاب يجدون أن أقصر طريق إلى الشهرة، هي دغدغة رغبات القراء، ام أن هناك أسباباً أخرى؟

الروائي السوري فواز حداد يقول: ارتبطت «الفضيحة» في الستينيات والسبعينيات بمعنى إيجابي، كان مطلوباً من الكاتب أن يفضح في أدبه الطبيعة الجشعة للعالم الرأسمالي، انحدار الأخلاق وتهتكها في المجتمع البرجوازي، بشاعة الحروب الاستعمارية، انتهازية اليمين، عوالم رجال المال اللاأخلاقية، استغلال العمال...الخ. كتابات يقاوم فيها البطل أو ذلك «الرجل الصغير» عالماً بشعاً ويعمل على تغييره. كان اليسار بطروحاته الجذرية الجذابة، وإن لم تكن مجدية، يقود الأدب في زمن الالتزام والنضال.

بعد انتصار الإمبريالية العالمية، وتحلل الأنظمة الاشتراكية وتصدع الحركات اليسارية في العالم، تراجعت الشعارات التقدمية وتراجع معها الأدب مهزوماً، ما ترك فراغاً سرعان ما جرى ملؤه بالكشف عن وهم القيم وسذاجة الأخلاق، تمظهرت في الرواية بدحض الحب والالتفات إلى العلاقات العابرة والبطل الفحل والبطلة المتحللة. وتسلل تيار لا يهتم بالتركيز على الحرية السياسية والاجتماعية وإنما على الحرية الفردية. أخذ يعتني بوصف مشاعر المرأة وأحاسيسها ورغباتها. وركز فضائحيته على تفاصيل العلاقات الجنسية بدعوى رفع القهر الجنسي برفع الستار عن خفاياه وأسراره. ومع الوقت أصبح التجرؤ على عوالم الجنس المحرم الوسيلة الأقرب والأسرع إلى الشهرة.

انتقلت هذه الموضة إلى المنطقة العربية، لتشهد واحدة من تجلياتها الأكثر التواء، من خلال الرواية، الشكل الأكثر شعبية ورواجاً في الأدب. وإذا كانت الرواية قد كسبت بعض التجارب المهمة فعلاً، لاسيما التي كتبتها النساء، لكن من طرف آخر حددت للآخرين الهدف وهو الجنس، ما شجع على الاستسهال. باتت الشهرة بمتناول طالبيها، فيما تقهقر الأدب لصالح الفضيحة، واختفت النظرة العميقة للإنسان داخل تعقيدات ظرفه الوجودي والاجتماعي والأخلاقي والسياسي، وجرى تقزيم الحوار الإنساني واختزاله بشهوات شبقية، لا تعنى إلا بظرفها الجسدي، عولجت باستخفاف وبلا مهارة.

يحمل كُتّاب الفضائح لدينا هموم مجتمعات أخرى، وفيما لو تأملوا «لوليتا» نابوكوف أو فيلم «التانغو الأخير في باريس» لبيرتولوتشي، لوجدوا أن الجنس فيهما يحيلنا إلى مجتمع يعاني من افتقار القيم وافتقاد المعنى، صيغ من خلال تجارب حادة ومؤلمة، وبتعبير أدبي وسوية فنية عالية. وليس من خلال تقليد سطحي، مفتعل ورديء. الفضائحية، ليست وليدة العقود الأخيرة (الكتابات الاباحية قديمة قدم الإنسان) كانت سبيلاً إلى الشهرة. اليوم أصبحت وسيلة إلى الشهرة والأدب معاً، وهي فضيحة أخرى.

الروائية المصرية سلوى بكر ترى أن التفسير الوحيد لهذا الإقبال على كتابة وقراءة «الأدب المكشوف» القضية هو «الكبت الجنسي» والانحلال الذي أصاب الغالبية، وتغذيه الفضائيات ووسائل الاعلام، الأمر الذي يجعل الشباب يبحث عن الجنس وقراءة الأدب الاباحي والفضائح ومشاهدة الأفلام الخلاعية، وغيرها من الوسائل التي تلبي وتشبع هذا الكبت. فضلا عن أن قضايانا الحساسة والجنسية لا تناقش بصوت مسموع ويتم اخفاؤها وقمعها تحت الزعم الكاذب بأن ذلك ضد التدين، وهو ما يخالف الحقيقة. فالدين سمح لنا بمناقشة أدق التفاصيل الإنسانية، لكن الأمر اختلف مع المناخ القمعي الذي نعيش فيه الآن وأعطى الفرصة لموجات الفضائيات والوسائل الأدبية الأخرى كالروايات الرخيصة، التي أصبح من الطبيعي أن يلجأ لها الشباب.

وأضافت بكر: لا يمكن ان نقول أن هناك أدباء يتعمدون الكتابة عن الجنس لترويج أدبهم وتحقيق الربح، فهذا التفكير بوليسي. العبرة بما ينتجه الأديب، والنقاد فقط هم من يحكمون على العمل ان كتب لهدف معين او يحمل مضموناً ما أو غير ذلك حتى وان تطرق للحديث عن قضايا الجنس.

أما الروائية ميرال الطحاوي، فتشير الى ان هذه القضية ليست بالجديدة. هناك دائما نوع من الأدب ارتبط بالفضيحة والجنس والألغاز والجريمة، واستمر فترة الى أن لجأ الشباب حاليا لثقافة الإنترنت، ساعد في ذلك مناخ الكبت الذي يعيشه الشباب بالعالم العربي، خاصة مع طرق التعبير التي اختلفت في دولنا العربية ومنها دول كانت منغلقة قديما وبدأت في الانفتاح التدريجي. وأصبح الشباب يلجا الى استخدام الاسماء والاستعارات و«الرسائل والُكونيات» المختلفة للتحدث عما هو محرم، بالاضافة الى أن انحسار الثقافة أدى إلى ظهور كتابات بديلة ليست جميعها سيئة ولكنها تلبي حاجة وأصبحت مطروحة كثقافة واستخدامها أصبح جعبة للإفضاء السياسي والنفسي والتعبير عن الفضائح والمحرمات، ويمكن بأن توصف بأنها «كيس شيبس» يعطي متعة وقتية ويرمى بعد الانتهاء منه. ولذلك ليس كل ما يكتب يمكن أن نطلق عليه رواية، وما يكتبه الشباب اليوم هو مجرد لجوء الى نافذة تكشف جزءاً من حياتنا الواقعية المتوارية! وتقول الطحاوي: من يقرأ هذه الروايات ليس باحثا عن الأدب ولكنه راغب في المتعة، وهناك ناشرون يبحثون عن الربح المادي بدون التفكير في مضمون ما ينشر. لكن هذه النوعية من الناشرين محدودة وهناك كبار وملتزمون ومتمسكون برسالتهم، وهم عكس دكاكين النشر التي تلجأ للإباحية المربحية.