سمفونية النساء من أجل السلام في فلسطين

فالي على رأس وفد فني كبير جاء يستنهض العدالة في ساحة كنيسة المهد

TT

لو أراد العرب دليلا حيا على وجودهم لعدة قرون في إسبانيا، غير القصور الحجرية الفخمة، لما وجدوا أفضل من الفنانة كريستينا دي فالي، ذات الملامح الشرقية السمراء والتقاطيع العربية. وهي مغنية معروفة في بلادها وللناطقين بالإسبانية في أنحاء مختلفة من العام، وبسبب مكانتها وشهرتها اختارتها الأمم المتحدة لتكون سفيرة للنوايا الحسنة لديها.

ولفالي نشاط سياسي واجتماعي، فهي رئيسة مؤسسة الفنانات المناهضات للعنف في إسبانيا، وترأس الآن وفدا مكونا من 130 فنانا وكاتبا ورساما معروفا، وصل إلى فلسطين، في مهمة ثقافية ـ تضامنية مع الشعب الفلسطيني، بمناسبة الأعياد.

أبرز نشاط للوفد الذي تترأسه فالي، هو عمل فني ثقافي ضخم، تم تقديمه على مسرح متواضع في ساحة المهد بمدينة بيت لحم ليلة الأحد 24 ديسمبر الماضي. وبينما كانت تجرى في داخل كنيسة المهد، التي يعتقد أن السيد المسيح ولد فيها قبل ألفي عام، قداديس دينية، ذات طابع رسمي، بحضور محمود عباس (أبو مازن)، كانت فالي ورفيقاتها يلهبن حماس الجماهير في ساحة المهد المكشوفة، من خلال عمل استمر اكثر من ساعتين اسمه «سمفونية النساء من اجل السلام في فلسطين»، شاركت فيه مغنيات شهيرات مثل كارمن باريس، وميرسيدس فيرر، ومارينا روسيل، وممثلات مثل بيس كالديرون، وماريا سان، وروت جابريلل وغيرهن، بالإضافة إلى كاتبات ورسامات، ومخرجين ومهندسي إضاءة وآخرين.

وقالت فالي في حديث لـ«الشرق الأوسط» بأنه تم التحضير للعمل مدة 3 اشهر متواصلة، وبجهود طوعية، ومول كل عضو في الوفد، رحلته إلى فلسطين من جيبه الخاص. واضافت فالي بان كثيرين من الفنانين والكتاب حاولوا القدوم، لكن أسبابا تتعلق بالترتيبات التفصيلية حالت دون ذلك.

وافتتح العمل، الذي نقلته مباشرة، عدة فضائيات ناطقة بالإسبانية، وقنوات أخرى، بمقطوعة لموزارت، قدمتها «الأوركسترا النسائية الأوروبية» التي تضم موسيقيات شابات، صعدن على المسرح بآلاتهن الموسيقية الضخمة وهن يرتدين السواد، في إشارة احتجاجية على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

ورغم الصخب الذي يرافق، عادة، عروضا تتم في الهواء الطلق، فان قائدة الفرقة تمكنت من تقديم المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية لموزارت ثم لبيتهوفن بإتقان، وبطريقة جعلت الجمهور يتفاعل معها. وتمكنت كريستينا دي فالي من تفعيل حماس الجمهور اكثر فاكثر، خصوصا وأنها تجيد التعامل مع الشباب لكونها تقدم أغاني البوب والروك الشبابية.

وقالت فالي للجمهور بأنها قدمت وزميلاتها تحديا للجدار الذي تبينه إسرائيل، وان هذا الجدار لن يمنعهن من القدوم مستقبلا من اجل «الشعب الفلسطيني ودعما لحقه في العودة إلى دياره التي هجر منها وإقامة دولته المستقلة». وهتفت فالي بحماس لفلسطين وهي ترسم بيدها علامة النصر، ثم قدمت أغنية بعنوان سارة، عن طفلة فلسطينية قتلها قناص إسرائيلي في مدينة نابلس، ومزجت الأغنية بين موسيقى البوب والموسيقى الأسبانية.

وقدمت مغنيات أخريات، أغنيات مثل كالتي يقدمنها على مسارح أوروبا، وأيضا أهازيج فلسطينية، وأغنيات ذات علاقة بالنضال الفلسطيني مثل أغنية عن المتضامنة الأميركية راشيل كوري التي قتلت في رفح بأسنان بلدوزر إسرائيلي، أثناء محاولتها منع هدم منزل فلسطيني هناك. وتخلل الأغنيات، قراءات شعرية لكاتبات وشاعرات ورسامات ومقاطع لشعراء فلسطينيين مثل محمود درويش، وتوفيق زياد، وفدوى طوقان.

وتم خلال الحفل عرض ما أسمتها الفنانات «وثيقة خارطة الطريق النسائية من اجل السلام» ويقول عنها فايز السقا، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني الذي رتب لزيارة الوفد، بأنها «تختلف عن خارطة الطريق الأميركية، ومتقدمة عليها، لانها تستند إلى قرارات الشرعية الدولية التي تدعو لإقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود حزيران (يونيو) 1967، وإزالة المستوطنات وعودة اللاجئين». وتبنت هذه الوثيقة منظمة جمعية السلام ونزع التسلح والحرية في العالم، التي شاركت رئيستها فاكسيا ساويكا في تقديمها، وهي عضو سابق في البرلمان الأوروبي، واللجنة البرلمانية الإسبانية لحقوق الفلسطينيين، والتي تضم نقابيين وسياسيين من عدة أحزاب، ومجموعة من الأدباء والشعراء.

وزار الوفد مقاطع من الجدار الفاصل، ونظم فعالية ثقافية، ورسم الفنانون رسومات على الجدار عن الحقوق الفلسطينية وأخرى تطالب بهدمه، وكتب شعراء مقاطع من قصائدهم عليه، وقدم آخرون فقرات فنية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تنظم فيها نفس المجموعة نشاطا في فلسطين، فقبل عامين، قدمت عملا في رام الله، ولكن بشكل مصغر. وقالت كريستينا فالي «هذه المرة أردنا أن نعبر عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني بشكل اكبر، لذا كان الوفد أوسع، والعمل انضج، أردنا أن نقول بأننا مع الشعب الفلسطيني، ونحترم خياراته الديمقراطية».

وتحدثت عن «سمفونية النساء من اجل السلام في فلسطين» قائلة بأنه كان من المهم مزج اكثر من نوع موسيقي، مثل الموسيقى الكلاسيكية، وموسيقى الفلتك الأسبانية، وموسيقى البوب والروك، وكذلك التنوع في مواضيع الأغاني من العاطفية إلى الإنسانية وأخرى تتناول الواقع الفلسطيني. وترى بان مسألة المزج بين أنواع موسيقية مختلفة، في سيمفونية واحدة، هي من التجارب الرائدة، التي تلقى استحسانا من الجمهور.

والتقت الفنانات، محمود عباس، رئيس السلطة، في اجتماع ودي، وان كان بعض أعضاء الوفد يحمل أفكارا اكثر راديكالية مما يطرحه الزعيم الفلسطيني. والأكثر إثارة في نشاطات الوفد هو الاجتماع مع أمهات أسرى فلسطينيين، ونساء ينتظرن الابن والزوج والأخ منذ اكثر من ثلاثين عاما، ولم يفقدن الأمل. وتحدث عدد من أمهات الأسرى عن معاناتهن خلال زيارات أبنائهن في السجون الإسرائيلية، وأشرن إلى أن كثيرات منهن ممنوعات منذ سنوات من زيارة أحبائهن دون أسباب واضحة، وتحدثن عن سياسات إدارة السجون التي وصفنها بالوحشية بحق الأسرى.

وقالت الأمهات بأنهن يرفضن التصنيفات الإسرائيلية والأميركية التي تتعامل مع أبنائهن كإرهابيين وأنهن فخورات باسراهن باعتبارهم مناضلين من اجل الحرية. ولم تمنع بعض مغنيات البوب والروك العالميات عيونهن من ذرف دموع قليلة، وهن يستمعن إلى معاناة النساء في هذا المكان من العالم، والتي طالت اكثر مما ينبغي.

وقالت إحداهن «سنعمل على إنهاء آخر احتلال في العالم، بكل الطرق، ومنها الغناء، والكتابة والرسم، والموسيقى، سينهزم هذا الاحتلال في النهاية».