هل تعرف حقا ما هو الحلم الأميركي؟

حق للجميع أم حكر على مبتكريه

TT

بعد يوم واحد من عيد الميلاد، بدأت شبكة تلفزيون «ان بي سي» بعرض مسلسل «ظلال الحلم الاميركي». وهو مسلسل واقعي عن الحياة في ولاية كولورادو.

يمكن ان يسمى المسلسل «تناقضات الحلم الاميركي»، لانه يقدم نوعين من الاميركيين: اولا، مهاجرين غير قانونيين من المكسيك يعملون في بناء المنازل، ونظافة الطرق، وزرع الاشجار، وقص الحشائش. ثانيا، سكان المدينة الاصليين الذين يستمتعون بالعمالة الاجنبية الرخيصة، ويعرفون انها غير قانونية، لكنهم، في نفس الوقت، ينفرون من هؤلاء العمال الاجانب، ويتعالون عليهم، ويرونهم شبه بدائيين.

يقول مقاول في المسلسل: «حيرني الحلم الاميركي. حققته انا، واريد ان احققه للآخرين. وضعت اعلانا لعمال بناء مقابل 15 دولاراً في الساعة، لكن لم يأت أي اميركي، بينما جاء عشرات الاجانب غير القانونيين. ماذا افعل؟ هل ممنوع على الاجنبي غير القانوني ان يحقق الحلم الاميركي؟ وماذا عن الاميركي الذي لا يريد عملا مقابل 15 دولارا في الساعة؟ هل معنى ذلك انه حقق الحلم؟».

* ماهية حلم

هل الحلم الاميركي هو فرص العمل؟ او هو هذا واشياء اخرى؟ وهل هذا الحلم هو حكر على المواطنين الاميركيين، او يمكن ان يشمل غير الاميركيين؟

كتب جون ونثروب، وهو بريطاني درس في اكسفورد، وهاجر الى اميركا قبل مائة وثلاثين سنة من استقلالها، واصبح سياسيا، ثم فيلسوفا: «جئنا من انجلترا الظالمة الى اميركا العادلة لنؤسس مدينة فوق الجبل». هذا تعبير مسيحي معناه تحقيق مجتمع مثالي في الدنيا الجديدة، وربما يمكن ان يسمى «الحلم المسيحي»، ويعتبر اساس الحلم الاميركي، اعتمادا على ان المسيحية هي اساس الحضارة الاميركية، ومحور تراثها، واساس هويتها.

وقبل خمس وعشرين سنة، كرر الرئيس الأميركي، رونالد ريغان عبارة «مدينة فوق الجبل». وكان واضحا انه يريد، اولا، احياء الروح الوطنية وسط الاميركيين. ثانيا، كسب اصوات المسيحيين المحافظين. ثالثا، تهديد المعسكر الشيوعي. (نجح في تحقيق الاهداف الثلاثة، خاصة في انهيار الشيوعية).

لكن، قبل ريغان، بأربعين سنة، فسر مارتن لوثر كينغ، القس الاسود وقائد حركة الحقوق المدنية، الحلم الاميركي تفسيرا مختلفا. وقف في ميدان «المول» في قلب واشنطن، بالقرب من البيت الابيض والكونغرس، وعلى اعتاب تمثال الرئيس لنكولن (محرر العبيد)، وصاح: «عندي حلم اليوم. حلمي هو ان يأتي يوم يجلس فيه، على الهضاب الحمراء في ولاية جورجيا، اولاد الرقيق السابقين، واولاد تجار الرقيق السابقين. يجلسون معا حول مائدة الاخوة والمساواة».

* أفلام ومسلسلات

مهما اختلف تفسير الحلم الاميركي، فقد اصبح جزءا من الثقافة الاميركية. هناك كرتون «الحلم الاميركي»، و«اميركان دريم»، اسم الشهرة للملاكم دستي رودز، وفيلم «اميركان دريم»، والمسلسل التلفزيوني «اميركان دريم».

اشار مسلسل «في ظلال الحلم الاميركي» إلى ان الحلم الاميركي هو: «حياة ناجحة وسعيدة، وتشكل وفرة المال ركنا أساسيا فيها، ليس حبا في المال، ولكن لأن المال يحمي من الخوف من الافلاس والتشنيع». وقال المسلسل ان للحلم الاميركي ثلاثة اعمدة وهي: الحرية، المساواة والمال. ولهذا، يقول الاميركيون ان أي شخص اما انه «يعيش» او «يريد ان يعيش» الحلم الاميركي. لكن، يعتبر تمثال الحرية رمز هذا الحلم، مما يعني انه حلم يضمر الحرية اكثر من الثروة. ولأن التمثال على مدخل ميناء نيويورك، وليس بعيدا من مطار كينيدي، صار من اول ما يراه القادم الى اميركا، بحرا او جوا.

* المهاجرون هم أول الحالمين

قبل ثمانين سنة، استعمل جيمس ادامز، عبارة «الحلم الاميركي»، ويعتقد انه اول من نطق بها. كان مستشارا للرئيس ودروو ويلسون وساعده في اعلان «النقاط الاثنتي عشرة» عن حقوق الانسان وتقرير المصير (بعد نهاية الحرب العالمية الاولى)، وصار بعد ذلك مؤرخا تاريخيا، وكتب كتاب «عصور اميركية». وكتب في الكتاب: «الحلم الاميركي هو حلم بلد فيه الحياة احسن، وفرص الدراسة والعمل اكثر. الحلم الاميركي لا يقدره الاغنياء، ولا يفهمه الفقراء. الحلم الاميركي ليس سيارة او وظيفة او منزلا، انه ليس حلما اقتصاديا، بل حلم اجتماعي بنظام يقدر فيه كل اميركي على تحقيق ما يريد، رغم اختلاف الخلفيات والالوان والمستويات. واخيرا، الحلم الاميركي هو ان يوافق كل اميركي على ذلك». ما هي اول مراحل الحلم الاميركي؟ ان يكون الانسان في اميركا، اما بأن يولد فيها، او يهاجر اليها. لهذا، كما كتب ادامز: «يتحقق الحلم الاميركي في اميركا لا في خارجها». وكتب روبرت صمويلسون في كتاب «الحلم الاميركي وعدم الرضا (بالقليل):

«اول من حقق الحلم الاميركي هم المهاجرون من أوروبا، الذين هربوا من مجاعات ايرلندا، وغزوات نابليون، وارستقراطيي بريطانيا، ومافيات ايطاليا، وبابواب الفاتيكان. رأى هؤلاء المهاجرون في اميركا الخلاص من الظلم والفقر». واضاف: «كان حلمهم هو الوصول الى نيويورك، وذلك لسببين: اولا، رأوا في تمثال الحرية على مدخل ميناء نيويورك رمزا لحرية اميركا. ثانيا، انتشرت اشاعات في اوروبا بأن شوارع نيويورك مفروشة بالذهب».

* الفردية عقيدة مثل الشيوعية والنازية

اولا، يركز الحلم الاميركي على حياة استهلاكية، يقضي فيها الناس كل عمرهم وهم يشترون ويشترون ويشترون. صار التليفون الثابت موضة قديمة، رموه، واشتروا المنقول (بورتابل)، وصار هذا موضة قديمة، رموه، واشتروا المتحرك (موبايل)، وصار هذا موضة قديمة، رموه، واشتروا التليفون الكاميرا (ديجيتال)، والآن، يصير هذا قديما، وها هم يرمونه ويشترون التليفون الكاميرا والموسيقي (آي بود)، وقبل ان يفعلوا ذلك ظهر التليفون الكاميرا والموسيقي والفيديو والانترنت (ملتي فنكشن).

ثانيا، يركز الحلم الاميركي على ان المال هو اساس السعادة. مثلما قال بول غيتي، ملياردير من القرن الماضي: «اذا كنت تقدر على ان تعد أموالك، فأنت لست مليارديرا». ولسبب ما، اختلط المال بالشهرة، ويظهر ذلك في اماكن مثل هوليوود (عاصمة السينما والتلفزيون). وكما قالت مارلين مونرو، الممثلة الشقراء الراحلة: «في هوليوود يشترون القبلة بألف دولار وعقلك بربع دولار».

ثالثا، يركز الحلم الاميركي على الفردية، بسبب المنافسة دون وضع اعتبار للعوامل الانسانية والعاطفية. وكتب غلبيرت جسترتون، فيلسوف ساخر في اوائل القرن الماضي: «هناك فرق بين الخصوصية والفردية. تحمي الاولى حياة الانسان الخاصة، وتمنعه من الانقياد للآخرين، وتجعله مستقلا في رأيه. لكن، بمرور الزمن، تحولت الخصوصية الى فردية جافة، ولا طعم لها. اصبحت عقيدة، مثل الشيوعية والنازية. خلطت الفردية بين مصلحة النفس والنفس. مصلحة النفس مادة، لكن النفس عزة».

* يوم جديد دولار جديد

رغم الانتقادات المادية الموجهة إلى الحلم الاميركي، وتركيزه على الدولار، يظل الحلم الاميركي هكذا. ويقول المثل الاميركي: «يوم جديد، دولار جديد». لكن، طبعا، يعرف الاميركيون (وغيرهم) انه كلما زاد تعليم الشخص، كلما زاد راتبه، وزادت فرص تحقيقه للحلم.

من وقت لآخر، تنشر وزارة العمل الاميركية احصاءات عن رواتب الاميركيين (مقياس تحقيق الحلم الاميركي؟) واوضحت آخر احصائية ان متوسط دخل الاميركي هو اربعة آلاف دولار في الشهر. ومتوسط دخل عائلة يعمل فيها الزوج والزوجة ستة آلاف دولار في الشهر. ومتوسط دخل العائلة «الفقيرة» (حسب المقاييس الاميركية) الف وخمسمائة دولار. ويشكل «الفقراء» نسبة عشرين في المائة من الشعب الاميركي. وفي الجانب الآخر، هناك نسبة واحد في المائة من الاميركيين يزيد دخلهم السنوي عن نصف مليون دولار.

لكن، كما قلنا، يعتمد الدولار على الشهادة، ولهذا فإن متوسط راتب خريج المدرسة الثانوية الف دولار في الشهر (اول تعيين). ومتوسط راتب الحاصل على دكتواره ستة آلاف دولار في الشهر (اول تعيين).

* آرثر ميلر ينتقد الجشع المادي

كتب آرثر ميلر، في رواية «موت بائع» (صدرت سنة 1949) عن تناقضات «الحلم الاميركي». كان ويلي لومان، بطل الرواية، بائعا متجولا، يحلم بالثروة والشهرة، لكنه فشل في تحقيق ذلك. واصيب بخيبة امل لأنه اراد ان يكون قدوة لابنه «هابي» (معناه السعادة). لكن، كررت على مسمعه زوجته «ليندا» ان السعادة ليست كثرة المال، وان عائلته هي الثروة الحقيقية. قالت له: «انظر حولك، وافتخر بعائلتك». وقال له ابنه هابي: «بحق السماء اترك حلمك الفارغ». لكن، لم يقتنع ويلي، وخطط لينتحر بهدف ان يحقق وهو ميت ما لم يقدر على ان يحققه وهو حي. توقع ان يثني عليه الناس عندما يموت، ويتجمعون حول جنازته، وترث عائلته التأمين على حياته. لكن، لم يأت سوى خمسة في جنازته، ولم يثن عليه الواعظ الديني، بل قال: «كان ويلي يحلم حلما خطأً». وسألته ارملته وهو راقد امامها ميتا: «لماذا؟»، لكنها كانت تعرف انه ميت ولن يجيب عن سؤالها. تحولت رواية ميلر، بعد صدورها بسنتين، الى فيلم سينمائي بنفس الاسم. لا تنتقد الرواية الحلم الاميركي، لكنها تنتقد تركيزه على الثروة، واهماله للعلاقات العائلية والانسانية. وظهرت، مؤخرا، اغنية اسمها «الحلم الاميركي» تقول: «لو مت غنيا من سيرثني؟ لو مت فقيرا، من سيدفنني؟».

هوارتو الغر: الاستقامة شرط في الترقي

ليس الحلم الاميركي نظرية او عقيدة، لكنه فرصة للنجاح في الحياة، ولا يقتصر في هذا على الاميركيين. (يمكن ان يكون هناك حلم لبناني او مصري او سوداني).

لكن الحلم الاميركي كبير بحجم اميركا، ومتفوق بحكم تفوق اميركا على دول العالم في الحرية، والقوة، والاقتصاد، والثقافة. واغلبية قصص الحلم الاميركي عن ناس بدأوا من الصفر. مثل قصص الاديب الاميركي هوراتيو الغر، الذي كتب، مع نهاية القرن التاسع عشر اكثر من 130 رواية قصيرة (كانت تسمي «روايات البنس» لانها كانت في كتيبات صغيرة يباع الواحد ببنس (واحد في المائة من الدولار). اشترك ابطال هذه الروايات في اشياء منها: اولا، ولد كل منهم في عائلة فقيرة. ثانيا، تعلم وحصل على وظيفة. ثالثا، تزوج وانجب. رابعا، كان مستقيما في سلوكه الاخلاقي.

وتعتبر هذه النقطة الاخيرة مهمة في هذه الروايات، وذلك بسبب خلفية كاتبها (درس في كلية الاديان في جامعة هارفارد، وكرر بأن القيم المسيحية هي اساس الحياة).

الذين حققوا الحلم الاميركي في هذه الروايات بدأوا من الصفر، يبيعون الجرائد، او ينظفون المراحيض، او يدقون على الابواب ويبيعون خردوات. وكل بطل منهم كان صبيا في عائلة فقيرة، يصحو في الصباح الباكر ليبيع جرائد، او كتباً، او خردوات، يدق الابواب من بيت الى بيت، ووجد نصيبه من الرفض، واغلق كثير من الابواب في وجهه، لكنه كان يصحو في صباح اليوم التالي ويستمر في الدق على الابواب.

زبيب تحت الشمس

لأكثر من مائتي سنة، لم ينطبق الحلم الاميركي على السود الذين كانوا رقيقا، وحتى بعد ان أعتقهم الرئيس ابراهام لنكولن قبل مائة وخمسين سنة تقريبا، بقوا يعانون من التفرقة العنصرية. لكن، صورت رواية «زبيب تحت الشمس» التي كتبتها اديبة سوداء (في سنة 1945) ان السود حلموا، هم ايضا، بهذا الحلم الاميركي. وهي عن سوداء ولدت وتربت في حي فقير للسود في شيكاغو، لكنها، بسبب طموحها وتصميمها واجتهادها، نجحت في الحياة.

اقتبست الكاتبة اسم الرواية من قصيدة «زبيب تحت الشمس» للشاعر الاميركي الاسود لانغستون هيوز، قال فيها: «ماذا يحدث لحلم لم يتحقق؟ هل يجف مثلما يجف الزبيب تحت الشمس؟ او يتعفن مثل لحم قديم؟ او يتحول الى عسل سائل؟ او ينفجر انفجارا هائلا؟». وفي وقت لاحق، تحولت الرواية الى مسرحية أداها في «برودواي» (شارع المسارح في نيويورك) ممثلون وممثلات سود. وكانت اول مسرحية من هذا النوع. ورغم الخوف بأن الناس لن تشاهدها، نجحت وبرهنت، نعم، على ان هناك حلما اميركيا لكل انسان رغم اختلاف الالوان والاعراق والاديان والاوطان.

1 ـ تمثال الحرية، رمز الحلم للمهاجرين الى اميركا

2 ـ متحف جزيرة أليس في ميناء نيويورك، حيث وصل ملايين المهاجرين

3 ـ جيمس ادامز، اول من استعمل عبارة «الحلم الاميركي» في القرن الماضي

4 ـ آرثر ميلر انتقد الحلم الاميركي في رواية «موت بائع» ثم تزوج مارلين مونرو

5 ـ مسرحية «زبيب تحت الشمس» لا تزال تعرض حتى اليوم عن الحلم الاميركي للسود