الفواكه في أغاني الغزل العربية

TT

تشتهر هذه الأيام أغنية «العنب» للمطرب المصري سعد الصغير، وتكتسح قائمة المبيعات حسب ما تقول الأخبار الفنية. وهي أغنية فلاحية بسيطة وبلحن مصري صميم خفيف الإيقاع. والأغاني التي تشبه الحبيبة بالفاكهة تشتهر في العالم العربي ومنها «البرتقالة»، الأغنية العراقية التي حطمت كل الأرقام القياسية على مستوى العالم العربي صحبها فيديو كليب ساخن المناظر، تبعتها أغنيتان بنفس اللحن تحاولان أن تسرقا نجاحها بالاستعانة بثمرتي اليوسف أفندي والتفاحة!

سكان الدول التي تعتمد على الزراعة عادة ما يشبهون الحب برمي البذور والزراعة أو الشتل، والحبيبة بالثمار الحلوة من برتقال وتفاح وجوافة، أما الخيانة فيشبهونها بحصاد الشوك. أما فى دول الشام التى يشتهر سكانها بالتجارة فعادة ما يشبهون المحبة بالشراء الناجح، والخيانة والهجر بالكساد أو البيع الخسران ومنها أغنية «لا تلعب بالنار تحرق صبيعك واللي بيشتريك بيرجع يبيعك»! وغيرها من الأغاني كثير، أما البدو فيشبهون الحبيبة بالغزال برشاقة جسده واتساع عيونه، والتغزل بالحبيبة بمحاولة صيد الغزال، وهجرانها بالفرار أو الهروب من الشباك. وساكنو المدن الساحلية يشبهون الحبيبة بالسمكة واستجابتها لنداء الحب بالوقوع فى الشبكة ولا ننسى أغنية درويش «يا سمك يا بني» التي يخاطب فيها حبيبته وصيادها الماهر ووجودها النادر. ومؤلف الأغنية من الإسكندرية كما يبدو حيث ولد درويش، وهذه التشبيهات والأغنيات الخفيفة «مهضومة» في رأي الجماهير، لذا تحقق شهرة عالية لأنها تنسجم مع صورة المرأة الحسية في العقلية العربية وباعتبارها شيئا حلو المذاق فيؤكل! كما توضح هذه الأغنيات أن المرأة لها دور سلبي فى العلاقات العاطفية فهى إما بضاعة أو ثمرة أو صيد بري أو بحري!

وأغنيات كـ«البرتقالة» و«العنب» و«بتاع الفراولة»، ريفية بسيطة انتقلت من الريف حيث تغنى بالتصفيق ومع الدفوف، الى المدينة لتغنى مع الاوركسترا وتصور كفيديو كليب. وهي تتميز فى عمومها بسرعة الإيقاع وطرافة الكلمات التى يشعر المستمع بصدقها، حيث تؤلف فى القرى دون توثيق اسم مؤلفها أو ملحنها، لتصبح بمرور السنوات من الإرث الشعبي. وتشبيه الحبيبة بالفاكهة ينتشر فى الريف وعند المزارعين حيث ان اقصى مذاقات الجمال لا يتعدى طعم الفاكهة الحلوة والجميلة الشكل.

فى أغنيات العقود الأولى من القرن الماضي بالسودان يجيء تشبيه الخدود الملساء بالتفاح، والأثداء الناهدة بثمار الرمان، وشجر العنب يعني الحبيبة كلها، ولون الحبيبة كلون القمح الذهبي أو لون المانجو. أما الغالب فهو وصف الحبيبة بالليمون، وبما أن السودانيين يسمون صاحب البشرة داكنة الاسمرار «بالأخضر»، فالليمون يعني الحبيب الأخضر اللون. وفي الثمانينات اشتهرت أغنية «قام يتعزز الليمون عشان بالغنا فى ريده»، والليمون هنا الحبيبة التى أصبحت تتعالى على حبيبها من شدة حبه لها. ثم اشتهرت أغنية «جنا الباباي» حيث الحبيبة اليافعة أشبه بثمرة الباباي صغيرة السن رغم أن الباباي ليس ثمرة متوفرة فى شمال السودان، وأغنية شهيرة للفنان وردي يشبه فيها رقبة الحبيبة بزجاجة العصير من طولها وعيونها مثل الفناجين! كما لا ننسى أغنية «سكر سكر» للكابلي.

عموما، يلعب الطعام دورا هاما فى التشبيه عند العرب، فيعبرون عن نعومة بشرة الفتاة بالزبدة، أما بياضها فبالقشطة، والفم الصغير بالنبق أو الكرز حسب مناخ المنطقة التى تتجول بها الحبيبة، والسافرة باللحم المكشوف! والحبيبة الممتلئة بالكرمب. وفي بيت الزوجية الذى يعرشه الحب يحضر الطعام البسيط، كما في أغنية صباح «البساطة» حيث تقول للحبيب «تغديني جبنة وزيتونه وتعشيني بطاطا!» أما العشرة والإلفة فبالعيش والملح مجتمعين. أما الرجل فعادة ما يوصف بالصفات الأخلاقية السلوكية كالكرم والشجاعة والقوة، ولذا فانه لا يوجد تشبيه للحبيب يقرنه بالفاكهة الحلوة ولا حتى الخضار الحامضة أو المرّة، اللهم إلا تشبيه الرجل الأصلع بالقرع!