«عام الصورة» في السعودية يبشر بفتوحات متسارعة

تسجيلات تتجرأ في التعبير عن المجتمع «المهمّش» وتدفعه لواجهة المشهد

TT

إن ما قام به يوسف ابن الـ12 عاما، ليس بغريب أو بالشاذ. فتبادل مقاطع البلوتوث أصبح عادة مألوفة في السعودية، وليس بعيدا أن يوسف تأثر بما يعيشه مجتمعه في يومياته، فلا يكاد يجتمع اثنان إلا وأخذا في تبادل ما يحمله جوال كل منهما من صور ومقاطع بلوتوث. وقد تكون هذه الصور لجثث متناثرة إثر حوادث مرورية أو صورا إباحية أو مقاطع لمشاهد مضحكة، عفوية أو مصطنعة، حيث يقوم عدد من الشباب بتمثيل مشاهد أو مقالب لأحد أصدقائهم، بهدف الطرفة، ثم يتم تناقل هذه المشاهد بسرعة البرق عبر منتديات الانترنت والبلوتوث والرسائل. يشير خالد إلى أنه وعددا من أصدقائه يهوون التمثيل ويجدون في خاصية البلوتوث فرصة لهم للظهور والانتشار وتعريف أصدقائهم بما يملكونه من مواهب. هكذا تجد هذه الفئة التي تعيش على الهامش نفسها شريكة في صناعة الحدث. ويعبر الدكتور عبد الله الغذامي في كتابه «الثقافة التلفزيونية» عن ذلك بقوله: «وبذلك تدخل هذه الفئة المهمشة إلى عالم الاستقبال الثقافي، إلى صناعة الحدث.... وأن فعل الصورة ومفعوليتها ليس في تصديقها أو تكذيبها، وإنما عبر قدرتها على إحداث الأثر، وأن الصورة أصبحت هي الأداة الثقافية المعبرة عن العصر».

ونحن نستقبل عام 2007 بمقدورنا ان نسمي العام المنصرم في السعودية بـ: «عام الصورة»، ففيه تخطت الوقوف عند عتبة الثقافة البصرية التي يعيشها العالم، ورفضت «البصرية السعودية» أن تظل متفرجة ومتلقية، بل أخذت تعزّز وجودها بخطوات تؤكد فيها كما يحلو للبعض أن يطلق عبارة: «السينما السعودية قادمة». كما ستشهد السنوات القليلة القادمة إنشاء دور سينما داخل السعودية. ويمكن القول إن «الصورة السعودية» في العام الماضي تجرأت على التعبير عن المجتمع، ودخلت كمؤثر ومقرر في الشارع. وبذلك انتقل سعوديون من حال التلقي إلى حيز التأثير والفعل، وأصبح امتلاك مقاطع بلوتوث جديدة، من الأشياء التي تدعو للفخر والتنافس بين الأصدقاء، بل أصبح مألوفاً تصوير الأحداث اليومية، سواء مناسبات اجتماعية أو في العمل أو حوادث في الشوارع، بما فيها الحوادث المرورية، حيث لا يكون التفكير في إسعاف المصابين بقدر ما هو الانقضاض على المشهد للظفر بتصوير الحادث: «الصيد الثمين». كما أصبح التصوير بالجوال سنداً وإثباتاً ودليل إدانة. حيث شهد الشارع السعودي تصوير معلمين مقصرين في عملهم أو معلم يعتدي على طالب بالضرب أو مدير متهاون، أو الاعتداء على فتيات.

ولم يولد كل هذا بشكل طارئ أو مفاجئ، فقد كان الباب مواربا تختفي خلفه أصوات ومواهب وهوايات وأنشطة تتأهب، وتنتظر إطلاق الصافرة كي يفسح لها مجال التنافس في الميدان. وقد بدأ التمهيد لهذه الأجواء، منذ شهر أكتوبر (تشرين الاول) 2005، حين تم الحكم في قضية «حادثة حي النهضة» بمدينة الرياض، اعتمادا على الصور، التي التقطت بواسطة كاميرا الجوال، بحجة أن الصورة إثبات جريمة يعتمد عليها، وأنها قرينة ـ في بعض الأحيان ـ أقوى من الشهود، لأن الصورة لا تكذب ولا تحابي وتنقل الواقعة كما هي، بعد أن كانت الصورة أو التصوير برمته من ضمن الأمور المحرمة. وقبل تلك الحادثة بشهور كان للصورة أو للسينما في السعودية موعد، حين قدم الفيلم الوثائقي «نساء بلا ظل» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور للمرة الأولى في عرض خاص في شهر أبريل (نيسان) 2005، في القنصلية الفرنسية بجدة، وتبع ذلك جدل وسط المجتمع السعودي.

ولعل أهم ما اتصف به العام الماضي هو التسامح وتقبّل الآخر ودخول أسماء جديدة على خشبة المسرح، تصدرت واجهة المشهد الثقافي والفني والاقتصادي، خاصة مع ما قامت به وزارة الثقافة والإعلام من تشكيل إدارة الأندية الأدبية وتكوين جمعيات مسرحية وتشكيلية. وشهد هذا العام تقهقر لغة الخطاب المباشر، سواء كان الأمر عنوة أو مطلبا عصريا أو ثقافة جديدة، وتحولت صورة الخطاب إلى خطاب الصورة، وهذا ما انتبه إليه عدد من الإدارات الحكومية أيضا، حين أخذوا يقدمون أنشطتهم كأفلام وثائقية، لقناعتهم أن الصورة أقدر على التأثير.

وشهد عام 2006 فوز «الصورة السعودية» والاعتراف بها دوليا ودخولها مجال المنافسة، بعد حصول المخرجة هيفاء المنصور على أول ذهبيتين لفيلم سعودي عن فيلمها «نساء بلا ظل» في مهرجان مسقط السينمائي الدولي الرابع، الذي انعقد في الفترة من 28 - 21 يناير 2006. كما حصل الفيلم نفسه على الخنجر الذهبي لجائزة النقاد لأفضل فيلم تسجيلي روائي. وكان للصورة تأثيرها في الداخل، حين هاجم متشددون إسلاميون في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 مسرحية «وسطي بلا وسطية»، التي كانت تعرض في كلية اليمامة في مدينة الرياض ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي للكلية، بغية إيقافها، ليدخل بذلك المسرح كصورة، مرحلة مهمة في تاريخ المسرح السعودي، الذي ظل مهمشا وغائبا إلا عن عدد قليل من المهتمين به، ويقبع في الطابور الأخير من اهتمام الشارع السعودي. دخل المسرح ليقول كلمته، ويثير جدلا، ويحتل حيزا ومنافسا ضمن العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام، وتحول من زاوية التهميش إلى واجهة المشهد. وقبل أيام تم الإعلان عن إطلاق قناة «التواصل» التلفزيونية وهي تقوم بإطلاق موجاتها من ستوديو بث تلفزيوني متواضع، يقبع في إحدى زوايا كلية التقنية بأبها. وهي أول مشروع تلفزيوني ينطلق من جنبات مؤسسة تعليمية. وهي القناة الوحيدة في المنطقة التي يقوم على إعداد وتصوير برامجها الطلاب والمعلمون. وهم لم يتلقوا دورات تدريبية خارجية، إنما اعتمدوا على مواهبهم وخبراتهم البسيطة في هذا المجال، التي طوروها من خلال الممارسة العملية في الاستوديو. كما سعى نادي المنطقة الشرقية الأدبي الى تكوين جماعة «فيلم» وهي تهتم بعرض ومناقشة أفلام سينمائية جادة وإبداعية داخل أروقة النادي.

وإذا كانت الأفلام السعودية: «نساء بلا ظل»، «ظلال الصمت»، «كيف الحال»، قد حظيت بتغطية إعلامية واسعة، عربيا ومحليا، فثمة جهود سينمائية لشباب هواة يقدمون إنتاجهم السينمائي بعيدا عن الضوء الإعلامي، أو هو ضوء متواضع، ومن ذلك فيلم «رب ارجعون»، الذي أنتجته جماعة «القطيف فرندز»، وتم عرضه وتوزيعه داخل المنطقة الشرقية في السعودية بشكل واسع. وهو أحد الأفلام السعودية السبعة التي شاركت في الدورة الخليجية الأولى، التي أقيمت في دولة الإمارات في مارس 2006. والأفلام هي: «السينما 500 كم»، وهو فيلم تسجيلي من إخراج عبد الله العياف، «القرآن نورنا» من إخراج عبد الله عوض، «سدا» وهو فيلم رسومي من إخراج خالد الدخيل، و«نساء بلا ظل» للمخرجة هيفاء المنصور و«القطعة الأخيرة»، وهو روائي صامت من إخراج محمد بازيد، و«من حولنا»، وهو فيلم روائي من إخراج محمد الباشا، بالإضافة إلى فيلم «رب ارجعون»، وهو من الأفلام الروائية، ومن إخراج بشير المحيشي، وبالإضافة الى تأسيس شركات إنتاج تلفزيوني في الأحساء، قامت بإنتاج أعمال فنية، من الصورة المتحركة إلى الصورة الفوتوغرافية الصامتة، حيث حقق مصورون سعوديون المراكز الأولى في المهرجان العربي الأوروبي الثالث للصور الفوتوغرافية والأسبوع الثقافي العربي في ألمانيا / هامبورغ 2006. كما ظهرت مجموعة جادة من الطلبة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تتعامل مع السينما بكثير من الاهتمام والجدية، تقوم بترجمة أفلام سينمائية عالمية إلى اللغة العربية، ثم تتداولها فيما بينها لمشاهدتها وتكوين ذائقة سينمائية مشتركة.

ثمة حركة متنامية في السعودية باتجاه الصورة، لكنها متفرقة، ولن يكون بعيدا أن يشهد عام 2007 اهتماما واسعا في دعم الحركة السينمائية في السعودية وتأسيس جماعات رسمية تعنى بالشأن السينمائي.