ملتقيات ثقافية بالجملة في الجزائر.. والهدف قتل الضجر

سياحة في طول البلاد وعرضها باسم الفنون

TT

في الجزائر ظاهرة غريبة اسمها الملتقيات الأدبية التي تتمثل في تلك التجمعات التي ينظمها في العادة الشعراء والأدباء أنفسهم في مدن مختلفة، يأتون من مدن قريبة وأخرى بعيدة، تساعدهم السلطات المحلية، في ضمان المبيت في فندق محترم أو حتى إقامة جامعية أو مدرسية وقاعة للعرض يلقون فيها قصائدهم، تبتدئ بحفل افتتاحي يحضره المسؤولون المحليون وتلقى فيها كلمات رسمية يكتبها عادة الأدباء المنظمون ويقرأها المسؤولون على أساس أنها من إنشائهم، وبعد يومين أو ثلاثة من «الأشغال»، يختتم الملتقى بتوزيع جوائز رمزية على بعض المشاركين وبكلمة رسمية تسبقها تلاوة التوصيات التي عادة ما تكون دعوة إلى تكريس الملتقى واعتماده رسميا مع الوعد بطبع أعماله التي تتلخص في النصوص المشاركة وبعض المداخلات المكررة في أحسن الحالات. وعادة ما تبقى تلك التوصيات حبرا على ورق فـ «الأعمال» لا تطبع إلا في حالات نادرة جدا، وترسيم الملتقى لن يتم، ويبقى تنظيمه عشوائيا يخضع لمزاج المسؤولين المحليين الذين يمولون بشروط، كأن يعقد الملتقى بمناسبة عيد الثورة أو عيد الاستقلال ويكون شعاره قريبا من تلك المناسبة.

قلولي بن ساعد، قاص يشتغل على النقد الحديث، وهو واحد من منظمي الملتقيات الأدبية من خلال إشرافه على الملتقى الوطني للإبداع الأدبي والفني المنعقد أخيرا في مدينة الجلفة، يعترف بخواء الملتقيات في الجزائر وتكرارها الممل، وحسب رأيه «ان الملتقيات في حاجة إلى تفعيل من خلال تدوين تلك النصوص. والمثقف الذي لا يؤطر نفسه في جمعية مدنية مستقلة يجد نفسه أعزل وتحت ضغط الإدارة التي تمول الملتقى وتفرض شروطها عليه. فعلى المثقف أن يبحث عن استقلاليته المالية والأخذ بزمام المبادرة للخروج من هذه الدائرة، وعلى الكتّاب والشعراء أن ينخرطوا في الجمعيات المدنية الثقافية ليحصلوا على التمويل، من دون الذوبان في قرار الإدارة، التي لا تكون أجندتها ثقافية بالضرورة».

ويذهب الكاتب والمنشط التلفزيوني عبد الرزاق بوكبة، في هذا الاتجاه، وهو الذي خبر الملتقيات الأدبية الجزائرية، عندما يؤكد على أن «مآسي النخبة عندنا تتجلى في استنساخ موضوعات ونصوص ووجوه بعيدا عن الأسئلة الجديدة والجادة التي يجب أن تواكب النخبة من خلالها نبض الراهن». وعن مضمون الملتقيات تلك التي في العادة يحضرها عشرات الشعراء والكتّاب، فيقول: «تصور أن خمسين مثقفا جزائريا يدعي أنه «سيد المقام» لمجتمعه، لكنهم لا يثيرون بين ثلاثة أيام أو أربعة أو أكثر إلا جديد النكت والاستغابات».

وفي الموضوع يتفق الشاعر رضا ديداني، الذي شارك في عشرات الملتقيات الأدبية ومن منظمي ملتقى «فرانس فانون» بمدينة الطارف بأقصى الشرق الجزائري (قرب الحدود مع تونس)، لكنه يرجع الأسباب إلى «غياب الهيئات التي تجسد الفعل الثقافي، التي من شأنها أن تفرض مقاييس، ولأن مثل تلك الهيئات المحترفة غائبة فالأسماء متكررة، وكذلك الموضوعات. فعادة ما يتكلمون عن تكريم الأشخاص وفي رأيي أحسن تكريم هو للكتب».

تتكرر الملتقيات المستنسخة إذن في الجزائر إلى درجة أن بعض الكتّاب أصبح يسأم منها، وبدأت تختفي شيئا فشيئا من المشهد، ثم عادت في الآونة الأخيرة. لأن الكثير من الشعراء الذين تحدثنا إليهم يبحثون عن متنفس لمشاكلهم، والكثيرون منهم يسكنون في مدن وقرى صغيرة معزولة، ويجدون مخرجا من أوضاعهم في سياحة ثقافية من هذا النوع. لكن توجد استثناءات قليلة مثل ملتقى «عبد الحميد بن هدوقة» المتخصص في الرواية، الذي كان ينظم في السنين الأخيرة في مدينة برج بوعريريج (بوابة الشرق الجزائري)، الذي انقطع بسبب مشاكل بين المنظمين، وقيل إنه سيعود قريبا، وملتقى «تيبازة»، الذي نظمته وزارة الثقافة في الصيف الماضي وأقيم في قرية أثرية رومانية على الشاطئ الجزائري وضم شعراء يكتبون اللوحات التشكيلية شعرا، ورسامين يستلهمون القصائد الشعرية تشكيلا، ورغم كل ما قيل بخصوص التنظيم وقائمة الأسماء التي يزعم بأنه مضبوطة بعناية لأسباب ليست فنية بالضرورة والميزانية الكبرى التي خصصت له، إلا أن الفكرة في حد ذاتها جيدة وبإمكانها لو تكررت أن تسهم في إخراج الملتقيات الأدبية من محنتها التي طالت كثيرا.