كيف يمكن أن نغير أنفسنا؟

باراك أوباما المرشح للرئاسة في حلمه الأميركي

TT

«جرأة الأمل» هو ثاني أعمال باراك أوباما، عضو الحزب الديمقراطي الأميركي، المرشح لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية. ويحتوي كتابه الثاني كما يراه المؤلف على أفكار لاسترجاع الحلم الأميركي. الكتاب مكتوب بعدة لهجات، فمنها الخبرية التقريرية، ومنها الفلسفية، والسياسية، والخيالية الحالمة، وحتى الوعظية. ويناقش المؤلف خلال الكتاب العديد من المشكلات السياسية والاجتماعية، وكيف تؤثر على المواطن الأميركي. الفكرة الرئيسية التي يقوم عليها الكتاب هي أنه بغض النظر عن الفروق الثقافية والحضارية والعرقية والدينية بين المواطن الأميركي والمواطن الأميركي، فإن الفجوة ليست واسعة لهذه الدرجة التي نتخيلها.

جذب باراك أوباما انتباهاً محلياً لأول مرة خلال خطبة ألقاها في المؤتمر الديمقراطي الذي عقد في بوسطن بالولايات المتحدة الأميركية عام 2004، عندما أكد أنه كتب قائمة بالموضوعات التي تستحق اهتمامه، مثل الصحة، والتعليم، وحرب العراق. وبعدما أنهى القائمة، أضاف: «ولكن الأهم من كل ذلك، فكرت في كل الموضوعات الخاصة والأشخاص الذين قابلتهم في خلال الحملة الدعائية. هناك على سبيل المثال الزوجان اللذان يسابقان الوقت والظروف والمال كي يحصلا على نفقة عملية نقل كبد لإبنهما المراهق، وهناك أيضاً ذلك الشاب المتحمس الذي قابلته في إيست مولين وقد اعتزم التطوع في الجيش الأميركي ليخدم بلاده، ونظرة الفخر والاستحسان التي رأيتها على وجه أبيه. وهناك أيضاً هذه الشابة السمراء التي قابلتها في إيست سان لويس، وقالت لي إنها تعتزم التخرج من الجامعة، على الرغم من أن أسرتها لم تعش هذه التجربة من قبل، فلم يصل أحد من أعضائها حتى إلى المدرسة الثانوية. لم تكن نظرة المعاناه التي رأيتها في أعين هؤلاء الناس هي التي حركتني، بل روح الكفاح التي يعيشونها، واعتمادهم على أنفسهم، وتفاؤلهم اللا متناهي في مواجهة الصعوبات والعقبات القاسية. وذلك يذكرني بمصطلح استخدمه الأب في موعظة من قبل، وعلق بذهني منذ حينها: جرأة الأمل. هذا تماماً ما ينقص الروح الأميركية: الجرأة والإيمان بأن بإمكاننا إعادة روح التواصل إلى هذه الأمة التي مزقتها الصراعات، على الرغم من كل الدلائل التي تثبت العكس... الإيمان بأنه على الرغم من كل هذا التكاسل، والبطالة والمرض والفقر، فإننا نظل نملك بعض السيطرة على حياتنا، وبالتالي التحكم في أقدارنا. وهذه الجرأة في رأيي الشخصي هي التي وحدتنا في أمة واحدة، فكانت الروح الخفية التي ضمت قصة الأسرة التي أنتمي إليها إلى قصة البلد التي تنتمي إليه أسرتي. وضمت قصتي إلى قصة الأسرة التي أنتمي إليها، ثم إلى القصة الأعظم. وهي أيضاً الروح الخفية التي ستربط قصص أصحاب الأصوات والمرشحين الذين أتمنى أن أمثلهم إلى قصتي أنا. إن سعادتي لن تتم بوهج الأضواء، وعدسات الكاميرا، وتصفيق الجماهير، بل ستتم بمعرفتي أنني استطعت مساعدة الناس في أن يعيشوا حياتهم بكرامة وشرف».

ومن الموضوعات الأساسية للكتاب معرفة كيف يمكننا البدء في عملية تغييرنا أنفسنا، وسياستنا، وحياتنا المدنية. ويؤكد الكتاب عدم جدوى السياسة الرأسمالية القائمة على تفضيل الأميركي الثري على الأميركي المتوسط، ويصر على أن الحكومة مسؤولة مسؤولية كاملة عن تقديم الفرص لجميع الطبقات والمستويات المادية والاجتماعية. يظهر الكتاب إيمانه بالتطور، والتقدم العلمي، والرخاء العالمي، وحرية التعبير عن الرأي. هذا بالإضافة إلى احتقاره للحكومات التي تفرض سيطرتها على المعتقدات الدينية.

يظهر كتاب أوباما، المكتوب بشكل نثري حزين، شفافية روحه وقلبه، فهو يستخدم أسلوباً فريداً لينقل الصورة من منظوره إلى المتلقي. فهو على سبيل المثال يقول: «شاهدت في متجر الذكريات بواشنطن رجالاً مشردين يتكئون على مقاعد خشبية، ومنهمكين في تنظيم حياتهم وممتلكاتهم. شاهدت رجالاً ونساء بدون اسماء، وبدون ملامح، وبدون وجوه... شاهدت عبيداً، وجنداً، وخياطين وجزارين، كلهم اجتمعوا كي يبنوا حياة جديدة لأنفسهم، ولأبنائهم، ولأحفادهم... حجراً حجراً، وعموداً عموداً، محتضنين أيادي بعضهم بعضا القاسية والمصممة... كل هذا مجتمعين على شيء واحد، وهو تكملة الصورة التي رسمتها أحلامنا.

في محاولة منه لإظهار طبيعته التقدمية، يوضح المؤلف أنه يؤمن بأن الدولة تحتاج إلى محامين أقل، ومهندسين أكثر، ويعترف بأنه يعلم أن بعض وجهات نظره ستقوده إلى المتاعب، ويشبه نفسه بشاشة سوداء جديدة، حيث سيحاول ذوو الآراء السياسية المختلفة والمتناقضة استخدامها في عرض آرائهم. ويعترف أيضاً بأنه يعلم أنه سيصيب البعض بالإحباط، الأمر الذي يقودنا إلى فكرة أخرى في الكتاب. هذه الفكرة تسمى: «كيف سيمكنه ألا يقع في فخ الشهرة، والتوق إلى الإرضاء، والخوف من الخسارة، وفي ذات الوقت يحتفظ بالحقيقة، في الوقت الذي يذكره كل صوت منفرد منا بالتزاماته العميقة».

الكتاب منقسم إلى تسعة فصول، كل منها يناقش ما يعتبره المؤلف جانباً من جوانب الحياة الأميركية، تضم هذه الفصول: الأسرة، والقيم والسياسة، والإيمان، والعديد من الجوانب الأخرى، التي يناقشها من منظوره الذي يتفق أكثر مما يختلف مع المنظور الأميركي العام.