علاء الأسواني لـ «الشرق الأوسط»: تلقيت تهديدات واتهامات لـ «شيكاجو» بالفسق والفجور ولم أتراجع

بعد نفاد الطبعة الثالثة من روايته الجديدة

TT

أثارت رواية «شيكاجو»، وهي الاصدار الثالث للاديب علاء الاسواني بعد روايته «عمارة يعقوبيان» ومجموعته القصصية «نيران صديقة»، الكثير من الجدل في الوسط الثقافي المصري. فالرواية التي لم يمض على إصدارها أكثر من شهرين في طريقها إلى طبعة رابعة بعد نفادها من الأسواق، رغم ارتفاع ثمنها إلى ثلاثين جنيها مصريا، وهو ما يعد سعراً مرتفعاً بالنسبة لقطاع كبير من ذوي الدخل المحدود. علاء الأسواني الذي كان حلمه منذ صغره أن يكتب وتصل أعماله الى الناس، لا يصدق هذا الاقبال على روايته الجديدة، الا انه يعيد الفضل في ذلك إلى والده الذي أدرك منذ البداية عشق ابنه الوحيد للقراءة، فقدم له كنوز الأدب العالمي دون تحيز لأدب دون آخر، بالإضافة إلى فضل الجمهور الذي أصبح ـ وكما يقول الأسواني ـ يثق فيما يقدمه له من إبداع ادبي.

«شيكاجو» التي صدرت مطلع شهر يناير (كانون الثاني) الماضي وأطلقت في الأسواق، بحفل توقيع تسابق على حضوره المثقفون والقراء من مختلف الاتجاهات، على الرغم من نشرها سابقا، وعلى أجزاء في جريدة «الدستور» المصرية الاسبوعية، وتعرضها للعديد من الانتقادات التي طالت بعض شخصيات الرواية وأحداثها، بالاضافة إلى انتقاد التفاصيل الإباحية الموجودة في الرواية، والتي اتهم الأسواني بالافراط فيها.

«الشرق الأوسط» التقت الأديب علاء الأسواني في حوار أكد خلاله ان روايته لا تعبر عن الحالة الاجتماعية لفترة او بلد ما، بقدر تعبيرها عن ذاتها. كما تطرق الحديث إلى تلك الاتهامات التي طالت تفاصيل العلاقات الحميمة لشخصيات ابطاله، مؤكدا أنه لم يكن ليضحي بالتسلسل الطبيعي للأحداث من أجل إرضاء اتجاهات البعض في التعامل مع الادب. كما تحدث عن الاسباب التي دفعته إلى الموافقة على الغاء شخصية الصحافي الشاذ من رواية «عمارة يعقوبيان» بعد الموافقة على تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني.

> يرى البعض أن رواية «شيكاجو» هي امتداد لأسلوبك في تشريح الحالة المصرية في السنوات الاخيرة والتي بدأتها في «عمارة يعقوبيان»؟

ـ مع تقديري لكل الآراء التي تناولت الرواية بالنقد والتحليل، الا انني ومنذ سنوات طويلة أرفض فكرة أن الرواية تعبر عن الحالة الاجتماعية والسياسية لوطن في مرحلة ما. فالرواية عمل أدبي في المقام الاول والاخير، وأنا أؤمن بأن الرواية تقدم لنا حياة تشبه حياتنا وأشخاصا يشبهوننا، ولكنها ليست انعكاسا لأي حالة إجتماعية أو سياسية. هي فقط تستغل الواقع في التناول والطرح، بما يساعد على تدفق الاحداث وتطور الشخصيات. وفي اعتقادي أن أحد أسباب تراجع الرواية العربية في السنوات الاخيرة، هو اصرار أدبائنا على حبسها في ذلك الاطار. ولكن مهمة الاديب أن يعبر ويبدع وكلما نجح في ذلك، صدق القارىء ما يكتب، إلى الحد الذي يجعله يعتقد أن الكتاب يتحدث عنه وعن حياته ومشاكله التي يحياها.

> في روايتك السابقة «عمارة يعقوبيان» قدمت شخصيات سياسية وصحافية، ماثلت إلى حد بعيد نماذج يعرفها الناس بأسمائها، في المجتمع المصري، لكنك في «شيكاجو» لم تعمد إلى ذلك؟

ـ صدق التناول في «عمارة يعقوبيان» وثراء الشخصيات كان الدافع الرئيسي لاعتقاد القراء بأن الأبطال أناس حقيقيون. فقالوا إن شخصية الصحافي الشاذ حاتم رشيد، تماثل شخصية صحافية في الوسط المصري، وشخصية الوزير وعضو البرلمان، هي شخصية سياسية حقيقية. وهذا غير صحيح، لكن الناس صدقوا شخصيات الرواية وبحثوا عن مثيلاتها في الحياة، وهو ما منح الرواية حالة خاصة عاشها الناس. ولكن في «شيكاجو» الشخصيات طبيعية تشبه كثيرين تقابلهم في حياتك. فشخصية «مروة»، الفتاة التي تربت في بيئة محافظة حرمت عليها السماح لأي رجل الاقتراب منها ودفعتها الى التفوق لتحسين المستوى الاجتماعي والاقتصادي، رغم تجاوزها الثالثة والثلاثين واقترابها من شبح العنوسة، رفضت الاقتران بأي رجل قد يحرمها من الشيء الوحيد الذي يثبت كيانها. هذه الشخصية تعبر عن ملايين النساء ليس في مصر وحدها، ولكن في عالمنا العربي الذي ما زال، رغم كل ما يدعيه، ينظر إلى المرأة نظرة دونية.

> هل حاولت من خلال رواية «شيكاجو» عقد مقارنة بين المجتمعين المصري والأميركي؟

ـ لم أفكر في ذلك لأنني لم أبحث أثناء كتابتي للرواية عن منظور لها. حاولت فقط تقديم الشخصيات في البيئة التي تعبر عنها وتدفعها الى التعبير عن ذاتها، في تطور درامي وأدبي مقنع.

الأسواني والاستفتاءات الشخصية

> من بين الانتقادات التي وجهت الى الرواية إغراقها في تفاصيل جنسية كان من الممكن التخلي عنها. ما تعليقك؟

ـ دعيني أبدأ من الفترة التي نشرت فيها الرواية على حلقات في جريدة «الدستور» والتي وصل توزيعها في تلك الفترة إلى 150 ألف نسخة. وتلقيت أنا ورئيس التحرير، الأستاذ ابراهيم عيسي العديد من خطابات التهديد بسبب تلك التفاصيل التي تتحدثين عنها. وطالبنا اصحاب تلك التهديدات بوقف نشر الرواية التي رأوا انها تحض على الفجور والفسق، على حد تعبيرهم. ولكننا قررنا الاستمرار في النشر، لعلمنا أن هؤلاء الذين يرفضون تلك المشاهد لا يعرفون المعنى الحقيقي لكلمة «أدب»، بل يكاد يصل بهم الحال إلى حد الازدواجية في التفكير. فواحدهم قد يرحب بمشاهدة أفلام مثيرة في الخفاء، ولكنه يرفض وجود تصريح واضح في بعض مشاهد الروايات الادبية. الأمر الثاني، هو أنني وبعد الانتهاء من كتابة الرواية، كنت أعلم ان تلك التفاصيل التي تقع في نحو 30 صفحة من إجمالي 500 صفحة (وهي عدد أوراق الرواية) سوف تثير الكثير من ردود الفعل، وهو ما دفعني إلى مراجعتها مع الناشر، إلا أنني رأيت عدم التضحية بالتسلسل المنطقي للأحداث من أجل إرضاء بعض الأشخاص الذين يحملون أفكارا غير سوية عن مفهوم الجنس. الامر الثالث أنني كروائي اعتمدت على التراث الأدبي العربي الثري بمشاهد تفوق ما جاء في رواية «شيكاجو»، ومنها اعمال لأبي نواس، ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم. فلماذا نقف عند تلك التفاصيل التي اتهموني بأنها كانت غير مبررة، على الرغم من انها أتت في سياقها الطبيعي. فإذا تحدثنا على سبيل المثال عن أكثر التفاصيل إثارة للاعتراضات، أقصد مشهد العلاقة الحميمية بين ابنة الدكتور رأفت ثابت وصديقها المدمن العاطل الذي ذهبت للعيش معه. وهو المشهد الذي رآه والدها من النافذه وأثار جنونه إلى حد ضربه لها بطريقة عنيفة هي وصديقها. هذا مشهد تعمدت فيه تقديم تلك التفاصيل لأن شخصية الدكتور رأفت ثابت، تعبر عن التناقض الذي يعيشه بعض المهاجرين العرب في الخارج، رغم انها يدعون إنسلاخهم عن الحضارة التي ينتمون اليها، مظهرين احتقارهم لها، واصفين إياها بالتخلف. هذا الرجل في الرواية تقبل علاقة ابنته بذلك الشخص الفاشل وتقبل انتقالها للعيش معه في واحد من أخطر الاحياء الاميركية، وطبيعي انه يعلم أنها بانتقالها معه فقدت عذريتها. ولهذا كان من الضروري تقديم مشهد شديد السخونة ليراه ذلك الأب بشكل يدفعه الى التصرف كما يتصرف العرب. المشهد الثاني كان مشهد ذهاب زوجة الدكتور محمد صلاح الاميركية الاصل لشراء جهاز للاستعاضة به عن فشل علاقتها الحميمية بزوجها. هنا أيضا كانت الاحداث بحاجة الى تفاصيل لأنني كنت اريد التعبير عن أن الثقافة الاميركية تقوم على مبدأ المتعة لا السعادة الحقيقية والفرق كبير بين الاثنين.

> ولكن هل يحتمل القارىء العربي كل هذه التفاصيل؟

ـ عملت إحصاء صغيراً للتعرف إلى الرأي الفعلي للقراء. فقمت بسؤال 20 سيدة و20 رجلا عن رأيهم في تلك المشاهد التي أثارت الضجة حول الرواية. ووجدت أن 19 سيدة ممن شملهن البحث، أجبن بأن تلك المشاهد لم تكن مثيرة الى حد كبير، ولم تؤثر في سياق تمتعهن بقراءة الرواية، بينما أجابت السيدة رقم 20 بأنها كانت زائدة عن الحد. وبالنسبة الى الرجال جاءت إجابة 15 منهم بأن تلك التفاصيل لم تكن مفتعلة. وأجاب خمسة رجال بأنها كانت زائدة ومفتعلة. الغريب أنني عندما سألتهم عن سر قولهم ذلك، أجابوا إجابة غريبة. وهي انه لا مانع لديهم من قراءة تلك التفاصيل، لكنهم لا يسمحون بقراءة زوجاتهم أو بناتهم أو شقيقاتهم لها. وهو ما يعبر عن التناقض الذي نحياه في مجتمعاتنا التي تفترض أن المرأة لا تعلم، ويجب ألا تعلم شيئا عن تلك الامور. وأحب هنا أن أشير الى نقطة مهمة تعبر عن المأساة التي نحياها في عالمنا العربي. ففي الدول المتقدمة يعتبرون مشاهد الاغتصاب في الافلام، مثيرة للشجن والحزن الذي قد يدفع البعض الي افراغ ما في معدتهم، بينما نعتبر نحن ان تلك المشاهد ساخنة ومثيرة، وقد يلجأ أصحاب الافلام اليها لجذب المزيد من المشاهدين، وتلك كارثة.

إلغاء شخصية من «عمارة يعقوبيان»

> يرى البعض أن مشهد زيارة الرئيس الى الولايات المتحدة الاميركية ولقاءه المبعوثين هناك، هو «ماستر سين» أو المشهد الرئيسي. ما تعليقك؟

ـ هذا حقيقي، والسبب ليس كما قد يظن البعض من أنني انتقدت حالة الاستنفار الأمني لدى البعثة الديبلوماسية أو علاقة الرئيس بشعبه. ولكن تلك الزيارة للرئيس إلى أميركا، كشفت الشخصيات على حقيقتها، سواء التي تعاطف معها القارىء أو التي كان ضدها. ومنها على سبيل المثال، شخصية الدكتور محمد صلاح الذي وقع عليه الاختيار لإلقاء كلمة المبعوثين وكان ينوي خلالها حسب الاتفاق المبرم بينه وبين المعارضين لاستمرار حكم الرئيس لسنوات طويلة، أن يعلن عن معارضتهم لطول فترة حكمه، ولكنه جبن عن ذلك في اللحظات الاخيرة، وألقى بدلا منها كلمة ترحيب عادية. هناك أيضا صفوت، الشخصية الامنية في البعثة الديبلوماسية في الولايات المتحدة الاميركية الذي بذل قصارى جهده في تلك الزيارة ،لانه يعلم انها اما ستكون السبب في ترقيته وشغله لاحد الحقائب الوزارية وإما إحالته إلى التقاعد. وهكذا الحال مع باقي الشخصيات. ولهذا اعتبره بالفعل اكثر المشاهد تأثيرا في الاحداث. والحقيقة انني حاولت من خلال الرواية الاشارة الى ان الديمقراطية هي الحل الوحيد للمجتمع العربي الذي يعاني العديد من مظاهر الازدواجية .

> نشر مؤخرا انك وافقت على إلغاء شخصية حاتم رشيد من المسلسل الذي يجري الاعداد له والمأخوذ عن رواية «عمارة يعقوبيان». ما تفسير ذلك؟

ـ الرقابة التلفزيونية اعترضت على هذه الشخصية، واقترح عليّ السيناريست عاطف بشاي إلغاءها أو إظهارها في مظهر آخر للفساد، ولكنني طلبت منه إما أن يقبلها كما هي وإما أن يتخلى عنها نهائيا. وللعلم هذا ليس من باب التدخل في الرواية أو التحكم في العمل ولكن لإيماني بأن الرقابة لن تحول دون فهم الناس للحقيقة، ورفضي لمبدأ الرقابة من الاساس. فأنا وعاطف بشاي تجمعنا علاقة صداقة قوية، ولن أسعى الى التدخل في ما يقدمه، تماما كما حدث عند تحويل الرواية إلى فيلم كتب السيناريو له وحيد حامد. فأنا أؤمن بوجهة نظر أديبنا الراحل نجيب محفوظ الذي كان يرى أن علاقته بالرواية تنقطع عند البدء في تحويلها الى عمل فني مرئي. وهو ما جعل اعمال نجيب محفوظ مع حسن الإمام لا ترقى لأعماله مع صلاح ابو سيف. فالثلاثية فقدت قيمتها مع حسن الإمام، ولكن «اللص والكلاب» دفعت الناس الى قراءة الرواية.

> هل أنت من الادباء المتحيزين للمرأة؟

ـ نعم، ليست المرأة كشخصية في أعمالي الادبية فقط، ولكن كقارئة أيضا. حيث أكد لي الناشرون الغربيون أن 70% من قارئي الروايات في العالم نساء، فكيف لا أتحيز لها. بالاضافة الى ذلك، فأنا أؤمن بأن المرأة كائن حساس مملوء بالمشاعر، وبحاجة دائما الى المساعدة والدعم، بعيدا عن مفهوم السيطرة، كما أنها أكثر وضوحا وصراحة من الرجل.

> ماذا عن العمل القادم للأديب علاء الاسواني؟

ـ أستعد لكتابة عمل يناقش الازدواجية التي نحياها في حياتنا العربية، وتدفعنا إلى عمل الشيء والإعلان عن ضده في السياسة كما في الحب والدين والعلاقات الاجتماعية.