أي روح ستهيمن على الجسم الأميركي؟

علماء وباحثون يتحدثون عن مستقبل الولايات المتحدة

TT

«برند هام» محرر هذا الكتاب بروفسور ألماني في علم الاجتماع، خطرت له فكرة الكتاب فاتصل بعدد من العلماء والباحثين في حقول شتّى للمساهمة في إبداء آرائهم، وقد اختار معظمهم من الأميركيين. والهدف الرئيسي من الكتاب هو إثبات أن هناك اميركتين وليس اميركا واحدة، أو، بكلمة أخرى، أن هناك روحين في اميركا، روح المحافظين الجدد، وروح المجتمع الاميركي المفتوح والديمقراطي والعادل.

وفق استطلاع للرأي جرى مؤخراً في أوروبا، اعتبرت أغلبية كبيرة من سائر الأوروبيين أن حكومة الولايات المتحدة هي أحد أخطر العناصر في السياسة العالمية. فمنذ الحرب العالمية الثانية، أدّت الولايات المتحدة دور نموذج يُحتذى به بالنسبة إلى دول عدّة في أوروبا، مما كان له تأثير هائل على المجتمع الأوروبي، وقد جرت العادة أن يتم تجاهل الجانب الامبريالي من السياسة الأميركية، على حساب التسليم بوجود مجموعة من «القيم». غير أن المذهب الآحادي الذي اعتمدته إدارة بوش خرق هذا الإجماع الضمني، وفقد قدرته على الإقناع.

ظلَّ الطريق المقبل الذي ستسلكه الديمقراطية سهلاً نسبياً طيلة عقود، فكلما قوي تحالف المجتمعات الأوروبية بالولايات المتحدة، زاد احتمال اتباعها النمط الأميركي، وصار الارتباط وثيق الصلة.

وأصبحنا نرى بمرور الزمن، أن الدول الأوروبية بدأت تميل إلى تنفيذ أوامر الحكومة الأميركية والمؤسسات التجارية والمالية العالمية التي تسيطر عليها بشكل يطغى عليه الخنوع والتبعية.

ويقول المحرر هنا بأنه لم يحدث مرّة، منذ الحرب العالمية الثانية، أن وجد عامَّة الناس أنفسهم مكرهين على الخضوع لحالة من عدم الاستقرار، أو أنهم تعرضوا لهذا الاستغلال والخداع، وأرغموا على خوض حروب يتم فيها ذبح الآلاف. ولم يحدث مرّة أن تم تجاهل القانون الدولي بمثل هذه السخرية. ولم تمن وسائل الإعلام مرَّة بهذا الفشل الذريع عند إنجاز واجبها، ولم يتم التلاعب بالرأي العام بهذه الصورة، كما لم يحدث مرَّة أن قيدت الحقوق المدنية الأساسية بهذا الشكل الكامل. فما هو السبب؟ يقولون أنها العولمة.

ويذكر المؤلف أنه منذ الأزمة الاقتصادية الكبرى وحتى منتصف السبعينات، جرى إجماع واسع مفاده أن النمو الاقتصادي هو الهدف الأساسي، وأنّ الفائض من النمو ينبغي أن يوزع على الطبقات الفقيرة بشكل زيادات في الرواتب والضمانات الاجتماعية، كما يجب أن يستخدم لإصلاح الضرر البيئي الذي يحدثه النمو، ومساعدة الدول النامية، وذلك وفق شعار «أننا لن نزدهر إلاّ إذا ازدهرنا جميعاً».

ولكن أطيح بهذا المفهوم منذ منتصف السبعينات ونتيجة لسلسلة من الأحداث. فالتكاليف المتزايدة للبطالة والسعي لتحقيق «دولة الرفاهية» أثقلت الدول بالديون. ومن جهة أخرى، نجحت الدول الغربية الرأسمالية في إلحاق الهزيمة بالدول النامية، وبدأت تبسط سيطرتها عليها. كان هذا الاستعمار الثاني مدعماً بقوى السوق. فتعزز هذا التيار بعد أن ضعفت النقابات العمالية، ونجحت فرق الأبحاث اليمينية في تشكيل الرأي العام وفقاً لمصالحها. فاشترطت التدابير القانونية الصارمة، وعارضت الإنفاق على الرفاهية.

السؤال المشترك الآن بين جميع البشر هو: أي روح في الجسم الأميركي ستهيمن على الأخرى، روح المحافظين الجدد، أم روح المجتمع الأميركي المفتوح والديمقراطي والعادل الذي يثني عليه غير الأميركيين ويقدرونه؟

يقول «أندريه غاندر فرانك» في مساهمته «انقلاب في واشنطن»: «كيف يمكننا تبرير إلغاء كل من الحق في التعبير الحر، والحق في التجمعات السلمية، وتفتيش المواطن الأميركي واعتقاله دون سبب وجيه وسجنه لفترة غير محدودة ومن دون محاكمة؟ وكيف يمكن حماية المواطن من العقوبات المجحفة وغير المألوفة؟ إنه انقلاب في واشنطن، فالمصطلحات الجديدة لا تعتبر الجميع متساوين، سواء داخل الوطن أم خارجه، لكن رغم ذلك فالحرب هي السلام ـ فعلاً ـ الرئيس قال ذلك».

أما وليم باولز فيرى في مساهمته أن إدارة الرئيس بوش الحالية تشكلت كذروة لعمليات تعود أصولها إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي تمثل الأهمية المركزية للنفط، وللصناعات العسكرية.

ويبحث «أندرو أوستن» في مساهمته في أصول سياسة بوش في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، فيقول ان استراتيجية الأمن القومي التي تذرع بها، وسياسة الهجوم الوقائي المحتكمة إلى مبدأ الدفاع الاستباقي عن النفس تتعارضان مع القوانين الدولية. فما هي الأسباب وراءهما؟

هذه الأسباب كما يراها المؤلف هي: التحكم في موارد الغاز والنفط في المنطقتين، وإعادة صياغة شكل القوى في الشرق الأوسط، مع الأخذ بالاعتبار خلق ظروف لحل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.

أما «والتر دايفيس» فيقول في مساهمته ان الإدارة الأميركية كان بإمكانها تجنب الاعتداءات الوشيكة في 11/9، لكنها لم تفعل، كما ان طريقتها في رواية الأحداث ناقصة ومليئة بالأكاذيب. وقد بذلت جهداً كبيراً لمنع أي تحقيق. ما الذي يمكن استنتاجه من ذلك؟ الواضح أن الأجهزة الحكومية لو قامت بعملها كما يجب، حسب رأيه، لتمكنت من تجنب تلك الاعتداءات، ولو أن تحقيقاً فورياً جرى حينذاك ما كان بالإمكان تبرير حربي أفغانستان والعراق على أساس الإرهاب.

أما «اليسون باركر» و«جايمي فيلنر» فيجدان أن السلطة التنفيذية بعد 11/9 أصبحت فوق القانون. فقد أقدمت إدارة بوش بعد أحداث 11/9 على اعتقال حوالي ألف شخص بتهمة اتصالهم بمنظمات إرهابية، أو في إطلاعهم عليها، وأعاقت تحريات قضائية للتحقق من معظم هذه الاعتقالات، فأصرّت على حقّها في إخفاء أسماء المعتقلين عن الشعب. وقد أقدمت على إلصاق صفة «المقاتلين الأعداء» على أشخاص اعتقلتهم في الولايات المتحدة وزجَّتهم في سجون عسكرية انفرادية، من دون توجيه تهم محددة أو السماح لهم بتوكيل محامين، كما أصرت على أنها تملك السلطة في سجن مئات من الرجال في «غوانتنامو» لمدة غير محددة وبصورة إفرادية ومعظمهم تم احتجازهم في أفغانستان.

وبالنسبة إليه، تواجه الولايات المتحدة معركة صعبة ومعقدة ضد الإرهاب الدولي، لكن من الضروري ألا تتخلّى عن تقاليدها في العدالة وحقوق الإنسان. وهذا ما تجازف به إدارة بوش حالياً بحجة مكافحة الإرهاب.

أما «تريور إيفانس» فيتناول موضوع مواطن الضعف في الصرح الاقتصادي، فيرى أنه منذ العام 2001، تعرّض القطاع المالي لعدد من الفضائح. وفي عام 2002 وافقت المصارف الاستثمارية على دفع مبلغ قدره 1.4 مليار دولار كتسويات، بعد أن أثبتت الأدلة أن النصائح المقدمة إلى المستثمرين والمفترض أن تكون مستقلة، كانت في الواقع مفصلة لتعزيز بيع الأسهم في الشركات. وفي العام 2003 تحول التركيز إلى الصناديق التعاونية التي ظهر أنها اشتركت في سلسلة من الممارسات التجارية غير القانونية التي عادت بالفائدة على التجار على حساب المستثمرين، مما دفع الإدارة الأميركية لتتخذ خطوات للتعامل مع العجز المالي للقيام بجولة جديدة من تحرير التجارة في منظمة التجارة العالمية. وإضعاف الدولار لتقليص العجز الأميركي، وتحويل كلفة التعديل نحو دول أخرى مهددة بالإفلاس.

ويستعرض «جاي شافت» حالات الجوع والتشرد والفقر في الولايات المتحدة اليوم، فيذكر، مستنداً إلى الأرقام، أن التشرد ازداد 50% خلال 3 سنوات، وأن الجوع يستبد بالمزيد من الأطفال، وأن الفقر عام 2003 ازداد ثانية. وقد فقد 2.6 مليون عامل وظائفهم في عهد إدارة بوش حتى وصل الرقم إلى 14 مليون شخص.

أما «نعوم تشومسكي» فيحذر من «حروب الإرهاب» ويرى فيها جرثومة الطاعون. وبعد استعراض معمق وموثَّق لحروب الإرهاب منذ نصف قرن يرى أن جرائم11/9 سرّعت من الميول لضبط السكان المحليين، ووافقت الكثير من الحكومات على هذه السياسة لتبرير إرهابها الداخلي. ونتيجة لذلك حصلت الولايات المتحدة على قواعد عسكرية كبيرة في وسط آسيا، ومن شأن هذه أن تساعد في تحديد موقع مصالح الشركات الأميركية بشكل إيجابي في اللعبة الكبيرة للتحكم بموارد المنطقة، وإتمام تطويق موارد الطاقة في العالم.