فضاءات النساء في العمارة الذكورية

TT

في كتابة الجديد (العمارة الذكورية) يحدّد الشاعر العراقي شاكر لعيبي منذ البدء منطلقه الأساسي: «الجسد يشتغل في الفضاء لأنه يَشْغَلُ الفضاء، وهنا تقع كل إشكاليات سوسيولوجيا العمارة». ويرى الكتاب أن العمارة العربية تحاول ، أولاً وبشكل عام التقليل، من حجم ظهور النساء في الفضاءات المعمارية، وهي تسعى ثانياً، في الأماكن الاجتماعية المكتظة بالسكان، إلى التقليل من احتكاكهنَّ بالرجال بكل الوسائل الممكنة. تتجلى هاتان البداهتان في التوظيفات المعمارية الأكثر خفاءً. وإذا تعلق الأمر بتطبيق الأيديولوجيا المعادية للنساء عبر وسائل ومواد ملموسة لا تقبل إلا القليل من التأويل: الحجر والملاط والخشب وغيرها، فإن مناطق ظهورها غير متوقعة أحياناً. واحد من المبادئ العامة لهذه الأيديولوجيا التي، كما تحكم قطاعا واسعاً من الفكر العربي فإنها تحكم العمارة العربية، هو وضعية المرأة بصفتها عورةً. يتوجب حجب المرأة في البدء بمحاججاتٍ فكريةٍ ثم أخرى ملموسة إلى أبعد الحدود: عمرانية ومعمارية.

ويذكر المؤلف أن فكرتي (السلاملك) و(الحرملك) المتأخرتين اللتين لفرط ما ذُكرتا وشُرحتا فإنهما صيغتا كقاعدة ذهبية للعمارة العربية الطالعة، من دون شك، من مصادر فكرية محددة ما زال يستهدي بها مجمل العالم العربي، حتى وهو يقيم عمارة حديثة من الناحية الشكلية، وإذا ما عنى هذا الأمر شيئا فهو يعني أن لفكرة الحجب تاريخاً عريقاً.

يقدم المؤلف عشرة فصول في كتابه، لكنه يُطلق عليها (فرضيات)، وكلها مدعمة بالصور والرسوم التوضيحية والمساقط الهندسية التي تذهب مما يعتبره المؤلف نفسه الفرضية صفرا، وهي الحجة الجغرافية المقدمة لعملية الحجب (الملاقف أو البراجيل، في بلدان الخليج والعراق ومصر) إلى فرضيات أخرى: الفناءات المعزولة في العمارة بصفتها مصدّات اجتماعية للخارج المشبوه، المشربيات: إطلالةٌ وحبٌّ للعالم من طرفٍ واحد ذي أعراضٍ تلصصية، البناء الحديث يؤثر ويغيّر المعايير الاجتماعية التقليدية، الجدران الخارجية لا تقوم بوظيفة جمالية، عمارة ذكورية وهي فرضيته أو فصله السادس، تدخلات الرجال في تصميمات المعماريين (لغرض قود التصاميم الهندسية بملا يلائم فهما ذكوريا لأماكن السكن)، المقهى بصفته عمارة الفحولة العربية ـ وفيها يستطرد ذاكراً الحانة أو المشرب في بعض بلدان العالم التي تأخذ المعنى نفسه، الحمامات: فضاء الحميمية المُغلق على نفسه، بينما الفرضية الأخيرة، فهي تتعلق بالتصاميم المعمارية الحديثة: تنظيرات العمارة الذكورية، وتتضمن شهادات لمعماريين عرب معاصرين لا يفعلون، من حيث يدرون أو لا يدرون سوى تأكيد ذكورية صارخة لفن العمارة.

وفي كل فصل من الفصول ثمة فقرات مكرّسة لما يدور في فلك موضوع الفصل، فالفصل المتعلق بالفناءات ثمة تعليقات موسعة عن فقه العمارة، ماذا تعني استقلالية البيت العربي؟، الباب بوصفه معبراً بين (الداخل) الحيميميّ و(الخارج) المُبتذَل، أبواب الشعب وأبواب السلطة، ما هي الوظيفة الاجتماعية لخوخة الباب؟، الشبابيك تملأ (الفراغات الداخلية) في العمارة التقليدية: وَهْمِيّة العالم الخارجيّ ولا أهميته. وفي فصل (عمارة ذكورية) نقرأ إيضاحات عن الديوانية أو المجلس وكيف تكونت دولة الرجل العربي المعاصر في الديوانيّة، الكويت مثالاً، والديوانية المعاصرة رمزاً لتحديث العمارة الذكورية، وردة فعل نسائية ضد ذكورة العمارة عبر الديوانية المختلطة أو المشتركة. وفي الكتاب كذلك عرض لتاريخ المقهى العربي في مصر والعراق وسوريا وتونس والسودان ولبنان والأردن، بصفتها مكاناً لفاعلية الرجل وحده في النشاط الاجتماعي والترفيهي.