تجارب الصخب والعنف في العراق

علي علاوي وزير الدفاع والمالية السابق يكتب عن «كسب الحرب وخسارة السلام»

TT

مؤلف هذا الكتاب علي علاوي، هو سياسي عراقي، درس في أميركا وعين كوزير للدفاع والمالية في حكومات ما بعد التحرير ببغداد. وبعد إبعاده عن الحكومة الجديدة لرئيس الوزراء نوري المالكي استثمر الوقت في الكتابة حول تجارب الصخب والعنف خلال السنوات الأربع الماضية. وعلى الرغم من العنوان الفرعي للكتاب، فإن علاوي لا يتبنى الزعم القائل بأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والمدعوم من الأغلبية الساحقة للشعب العراقي، قد خسر السلام.

في كتابه «احتلال العراق: كسب الحرب وخسارة السلام»، يظهر علي علاوي ان الحرب أنجزت كل اهدافها المعلنة. وما حدث لاحقا كان بداية حرب جديدة شنها أولئك الذين يرغبون، لأسباب عديدة، في منع تحقق الديمقراطية في الشرق الأوسط، وهم مصممون على تحدي الولايات المتحدة باعتبارها راعية النظام العالمي التي يعتبرونها «شيطانا».

ويقدم كتاب علاوي دفاعا مقنعا عن الاطاحة بصدام حسين. كما أن علاوي يستحق الثناء على التفاصيل التي يقدمها عن طبيعة الأعداء الذين اجتذبهم العراق الجديد، والمناهج التي يستخدمونها لإرهاب السكان المدنيين. وهو يظهر، على سبيل المثال، كيف ان الجمهورية الاسلامية في ايران اقامت شبكة واسعة من الجواسيس والعملاء "النائمين" مدعومين باستخدام هائل "لسلطة سياسية غير مباشرة" لمفاقمة عدم الاستقرار في العراق، بل انه يؤكد ان الخوف من الهيمنة الايرانية دفع بعض السنة الى المشاركة في التمرد.

ويقول علاوي ان لدى طهران عملاء وجواسيس في العراق اكثر مما لدى الولايات المتحدة ودول التحالف من العاملين المدنيين والعسكريين في ذلك البلد.

ويكشف علاوي انه رأى كوزير دفاع دلائل مروعة على ان عددا من الدول العربية، خصوصا سوريا، متورطة في دعم الارهاب في العراق. ويتهم الجامعة العربية في التصرف كـ "مؤيد للعنف في العراق". ويقدر ان ما لا يقل عن 70 في المائة من الارهابيين من مرتكبي أفظع المجازر في العراق هم من دول عربية أخرى.

ومن بين اهم ما يكشف عنه هذا الكتاب هو ظهور التطرف السني العربي في العراق. ويظهر المؤلف ان أولى الجماعات الجهادية رعاها صدام حسين لمواجهة النفوذ الشيعي من ايران. وقد لا يكون صدام داخلا في تحالف رسمي مع القاعدة غير انه كان، كما يظهر علاوي، في تحالف مع الجهاديين الذين يتبعون اسلوب القاعدة مثل جند الاسلام وانصار الاسلام لمدة عقد من الزمن قبل سقوطه.

واذ يبرر علاوي الحرب فإنه يتذكر انه يكتب لجمهور أميركي يتخذ، في الوقت الحالي، موقفا مناهضا على نطاق واسع، للحرب في العراق. ومن أجل ان يأخذ مزاج هذا الجمهور في الحسبان فإنه يعتمد على أرجوحة البهلوان.

ويفعل هذا بتذكير القارئ بأن اجزاء من بغداد ومحافظات مجاورة تشهد هجمات ارهابية يومية لا يبدي التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة استعدادا او قدرة على ايقافها. وينتقد أنانية وعدم كفاءة وفساد بعض أعضاء الزعامة العراقية الجديدة. وهو يكرر القول حول اخفاق التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العثور على اسلحة الدمار الشامل في العراق، ويكرر اصداء مزاعم مثقفين أميركيين مثل نعوم تشومسكي وجين فوندا ومايكل مور من أن الولايات المتحدة ذهبت الى العراق لسرقة نفط ذلك البلد.

وفي الوقت نفسه الذي يشن فيه هجوما على ريتشارد بيرل وديفيد فروم باعتبارهما الرجلين اللذين ضللا الرئيس جورج دبليو بوش ودفعاه الى غزو العراق، فإنه مما يثير الدهشة ان علاوي يعبر عن مشاعر ايجابية حارة بشأن بول وولفوفيتز، الشخص الثاني في البنتاغون في فترة الحرب، الذي غالبا ما يشار اليه باعتباره مهندس الحرب. غير أن نقد علاوي الشديد يتوجه الى بول بريمر، الذي تولى رئاسة السلطة المؤقتة في بغداد لفترة 13 شهرا. واعتقد ان تقييم علاوي لأداء بريمر غير منصف. فلم يكن بريمر هو الذي حول التحرير الى احتلال كما يشير علاوي، وانما مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة. ويهاجم علاوي حل بريمر لجيش صدام وبالتالي اطلاق التمرد، مع أنه يدحض ذلك الزعم في مكان لاحق.

ومن المؤكد أن بريمر لم يكن الخيار الأفضل كحاكم للعراق في حينه. غير ان الحقيقة هي انه ذهب الى بغداد بدون استراتيجية من اسياده في واشنطن وافلح في صياغة برنامج ما زال ينفذ حتى اليوم.

ويريد علاوي منا ان نثق بأن مقتدى الصدر وجيش المهدي الذي يقوده قد يحملون مفتاح مستقبل العراق. وكما هو معروف فان الصدر مختف، في ايران افتراضا، وجيش المهدي يتبخر مثل الثلج في الصيف. وقد يعود مثير الفتن ليسبب الأذى. ولكن أيا كان ما يفعله في المستقبل فانه لن يتوافق مع تصوير علاوي الوارد في هذا الكتاب.

وعلى اية حال فان ما يقدمه علاوي عن الحركة الصدرية، التي يعود ظهورها الى سبعينات القرن الماضي، يعتبر واحدا من أفضل التحليلات المتيسرة حول الموضوع. غير أنه يخطئ في التأكيد على ان آية الله محمد باقر الصدر وآية الله محمد صادق الصدر كانا يؤيدان "ولاية الفقيه، وبالتالي فانهما من الداعمين للنظام الخميني في ايران.

كما ان علاوي يسيء فهم تعاليم آية الله العظمى علي محمد السيستاني، ويستخدم تعبير "الساكن" لوصف السيستاني، وهو ما لا يعني شيئا حتى في اللغة الانجليزية. فالسيستاني رجل دين شيعي تقليدي وبالتالي فانه يعترف بوجود فضاء سياسي مميز في حياة الطائفة، وهذا هو سبب خوف الخمينيين منه.

إلى جانب ذلك، فإن الشروع بخطة جديدة من جانب الحكومة العراقية لضمان أمن بغداد بمساعدة 27 ألفا من القوات الأميركية الاضافية قد غير، أيضا، المشهد السياسي كما رآه علاوي عند تأليف كتابه. وقد تخفق خطة بغداد، وما من احد يكتب التاريخ مسبقا، ولكنها قد تنجح وهو ما يتعارض مع نظرة علاوي التي تبدو متشائمة.

ويكون علاوي في أفضل حالاته عندما يأخذنا الى العالم الغائم للقضايا السياسية في العراق في فترة ما بعد التحرير. وباعتباره واحدا من المشاركين الأساسيين في تلك الدراما، كان قادرا على رؤية الأشياء بصورة مباشرة. وهو يوجه انتقادات شديدة لزملائه السابقين دون اتهامات دقيقة. والشخص الوحيد الذي يبرز بصورة بطولية تقريبا هو أحمد الجلبي، السياسي المثير للجدل الذي كان يعتبر ذات يوم الشخص المفضل لدى البنتاغون لقيادة عراق ما بعد صدام، كما أن علاوي يثني على عدنان الباجه جي رجل الدولة العراقي الذي يثير الاعجاب عموما.

وعندما يصل الأمر الى آخرين، خصوصا اياد علاوي وعادل عبد المهدي وابراهيم الجعفري، فان المؤلف يبتعد عن الموقف المنصف، كما انه لا يقيم اعتبارا لرئيس الوزراء الحالي نوري المالكي. غير ان تصوير علاوي للمالكي اكتمل قبل أن يبدأ الأخير بالظهور كزعيم يتسم بالعزم ويتمتع برؤية واضحة.

أما ما يخص أياد علاوي، فقد تلصق تهم به، كما ان الجبهة التي ارتبطت باسمه لم تحقق النتائج الجيدة المتوقعة في الانتخابات العامة التي جرت في البلاد، مما ابعده عن تولي مناصب اساسية في الحكومة. ومع ذلك فانني اعتقد ان علاوي أفلح في ان يكون بعيدا عن الضغائن الشخصية. وان الناس الذين هم من امثاله هم من يتعين ان يجتذبهم العراق. وتعتبر حقيقة ابتعاده عن العراق الجديد نقطة سلبية لكل المعنيين بذلك.

وفي نهاية الكتاب، يظهر علاوي ان الولايات المتحدة ذهبت الى العراق للاطاحة بمستبد وليس لبناء امبراطورية. ولكنه ينتقد، بعدئذ، الولايات المتحدة على عدم امتلاك استراتيجية لبناء امبراطورية.

واذا ما أردنا تبسيط الأمر، فان رسالة علاوي هي ان تحرير العراق كان عملا نبيلا وضروريا، ولكن عاقبته تبدو سيئة في اقل تقدير.

ويختم علاوي كتابه على النحو التالي: "الوضع في العراق معقد وخطر ومثقل ببدائل بائسة. ولكنه ليس مما يبعث على اليأس" لحسن الحظ !