مكتبة الإسكندرية تصدر الترجمة العربية لكتالوج الفن الأفريقي

موسوعة شاملة لفنون القارة السمراء

TT

أصدرت مكتبة الإسكندرية النسخة العربية من كتالوج «الفن الافريقي: مجموعة مقتنيات البنك الدولي» وهو من تحرير الكسندر مارك وقام بترجمته الدكتور قاسم عبده قاسم.

يبرز الكتالوج التاريخ العريق للفن التشكيلي الإفريقي ومدى ارتباطه بنواحي الحياة الإنسانية، من حلي تنوعت طرق تشكيلها وزخرفتها، وأدوات للزينة لاسيما التي أمدتنا بها منطقة ساحل العاج، بالإضافة إلى اللوحات الفنية المتنوعة والتماثيل المصنوعة من مواد متنوعة كالطين والحجر والمعادن النفيسة والعاج لأغراض مختلفة؛ بعضها خاص بالطقوس الدينية والعقائد عند الإنسان الإفريقي وبعضها اتخذ للزينة والترف.

ويفرد الكتالوج عرضا بالصور لمجموعة من الأعمال الفنية التي احتلت مكانة مهمة لدى الفنان الإفريقي، مثل أعمال التراكوتا (التماثيل الطينية المحروقة) التي تمثل أقدم التماثيل الإفريقية الصغيرة الحجم، ويرجع تاريخها فيما بين عامي 500 قبل الميلاد و500 بعد الميلاد، بالإضافة إلى العديد من المصنوعات البرونزية والحديدية التي توضح جمال وتنوع الفن الإفريقي مثل المشغولات التي تنسب إلى ملوك مملكة بنين. وتضمن الفصل أيضاً العديد من الآثار الفنية الإفريقية المختلفة التي خلفتها القبائل الإفريقية المتفرقة من منحوتات وتماثيل مصورة والآثار المحفورة على الخشب، أو الحجر وبعض الأدوات الفخارية التي اكتشفت في غرب القارة بصفة خاصة.

ومن خلال إطلالة خاطفة على القارة الافريقية، يمهد الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية للكتالوج مشيرا إلى العطاء الكبير للقارة السمراء في مجال الفن الذي يرجع إلى عصور ما قبل التاريخ؛ وقد تمثل هذا العطاء في مختلف جوانب الفنون، فنجد في فن الموسيقى تأثير الموسيقى الافريقية في الإيقاع المنتشر في الأمريكتين، وفي جزر الكاريبي، وفي موسيقى الجاز التي بدورها أثرت في موسيقى القرن العشرين.

قسم الكتالوج المشبع بالمعلومات الجذابة المصحوبة بالصور الفوتوغرافية، إلى ثلاثة أجزاء، خصص الجزء الأول منه للفن الافريقي في البنك الدولي وهو للدكتور إسماعيل سراج الدين. وأشار فيه إلى مركزية الفن وعلاقته بالتنمية، والحفاظ على هوية المجتمع، كما تعرض لخصوصية الفن الافريقي وتأثيره التحرري في مراحل تطور الفن في أنحاء العالم.

أما الجزء الثاني فهو يستكشف الفن الإفريقي من الماضي إلى الحاضر، في رحلة يصطحبنا فيها إكبو إيو أستاذ تاريخ الفن الإفريقي والآثار بجامعة ماريلاند المدير العام السابق للجنة الوطنية النيجيرية للمتاحف والآثار. وتبدأ الرحلة منذ اكتشاف إفريقيا الساحلية في القرن الخامس عشر على يد البرتغاليين، إلى أن استحوذ الفن الافريقي على ألباب الفنانين الأوروبيين في بداية القرن الماضي، إذ ألهم فنانين عالميين من أمثال موريس فلامنك وأندريه ديران وبابلو بيكاسو وهنري ماتيس وأمديو موديلياني، وغيرهم من الفنانين الذين أسهموا في تغيير مجرى الفن العالمي خلال القرن العشرين.

يقول إكيو إيو: إن الفنانين الأفارقة غالبا ما يعمدون إلى تنحية الواقعية جانبا لكي يستمتعوا بخداع الصور التجريدية التي تعكس عوالم أسطورية وغير معروفة من لدنهم، كما أنهم يستخدمون تقاليد وأعرافا معينة، يتجنبون عبرها ما يعتقدون أنه غير جوهري، ويؤكدون على ما يعتقدون أنه جوهري، مشيرا إلى أن الافريقي تعامل بحرية في تفسير الجسد البشري أو الأجساد الأخرى حسبما يرغب، وهي حرية تنقص أقرانهم الأوروبيين. وفي ومضات خاطفة يعطينا إيو لمحات عن النهضة الفنية الجديدة لهذا الفن الذي يسعى لأن يأخذ مكانه على الساحة العالمية. ثم تأخذنا كريسا كلارك، وهي مؤرخة فنون متخصصة في الفن الإفريقي إلى السياق الثقافي لهذا الفن من خلال الجزء الخاص بالفن الإفريقي والمجتمع. و تشير إلى أنه يمثل نظما افريقية في المعتقدات أو ربما يكون موجها إلى المجال الروحي في خدمة الآلهة والأسلاف. وربما يستخدم على المستوى الإنساني لكي يؤثر في القوة السياسية والشخصية، حيث يمكن إضفاء المعايير والمثل العليا المجتمعية على أفراد من الجماعة من خلال التعبير الفني.

زُود الكتاب بخريطة ضافية للقارة السمراء، توضح المجموعات الإقليمية والعرقية، وخصص الجزء الأخير من الكتاب لعرض مجموعة من الصور تبرهن على تنوع هذا الفن وثرائه من خلال مجموعة أقسام أولها قسم شمال افريقيا، الذي يضم مجموعة للفن المغربي، ثم قسم الساحل والسافانا الذي يعرض مجموعة من فنون إقليم دلتا النيجر الداخلي ومالي وبوركينا فاسو.

ويعرض قسم غرب افريقيا وساحل غينيا لمجموعة من الحلي والأقنعة والأثاث من ليبيريا وساحل العاج وغانا.أما قسم افريقيا الوسطى، فهو يعرض مجموعة من الأقنعة والأقمشة المطرزة والحلي المشغولة والعملات من جمهورية الكونغو الديمقراطية تعود للقرن التاسع عشر. ويضم قسم جنوب افريقيا صورا لمجموعة من المآزر والعباءات. ونطالع في قسم شرق افريقيا مجموعة رائعة من مشغولات البامبو والتي تعود إلى أوائل القرن التاسع عشر في مدغشقر و ساكالافا وزامبيا ورواندا وبوروندي وتنزانيا. وأخيرا يضم الكتاب قسما خاصا بالفن الحديث ويحتوي على مجموعة من اللوحات التشكيلية والجداريات التي تجسد الحياة اليومية الافريقية في نهايات القرن العشرين.