تزاوج الموسيقى والنثر في رواية مكسيكية

فصول من حياة بابلو نيرودا في إندونيسيا وعلاقة خوان خويتسيلو الغريبة بمراكش

TT

حسونة المصباحي في رسالة بتاريخ 1930، كتب الشاعر الشيلي الكبير بابلو نيرودا واصفا زواجه من ماريا انتونيا هاجنار، الذي تم في سفارة شيلي في العاصمة الاندونيسية جاكارتا او باتافيا، كما كانت تسمى في ذلك الوقت: «عليّ ان ابلغكم خبرا مهما، لقد تزوجت، زوجتي تسكن هذه المدينة، أي باتافيا، وهي خلاسية من اب هولندي ومن ام تنتسب الى عائلة تقليدية من جزيرة جافا، غير انها ليست غنية. زواجنا تم حسب المراسيم الرسمية، اذا ما اردتم الالتقاء بها، فإنها سوف تكون جدّ فخورة بذلك، انها تمتلك صفات لا يمتلكها الآخرون. لا تقلقوا إذن بشأني فأنا لم اعد وحيدا، سوف ارسل لكم صورا لحفل الزواج، ان زوجتي تفوقني طولا، وانا لا اتكلم الهولندية، وهي لا تتكلم الاسبانية، لذا نحن نتكلم الانجليزية حين نتحاور. اننا فقراء، لكننا سعداء!».

قليلون يعرفون ان بابلو نيرودا خلال سنوات تيهه الطويلة عبر العالم، عاش فترة في اندونيسيا، حتى المثقفون الاندونيسيون لا يعرفون ذلك، غير ان نيرودا تحدث عن اقامته هذه في كتاب عنوانه «ذكريات» تضمن يوميات ونصوصا عن رحلات وصدر هذا العام مجددا في نيويورك.

ومن خلال هذا الكتاب، نحن نعرف ان صاحب «النشيد الشامل» وصل الى العاصمة الاندونيسية جاكارتا عام 1930 ليقوم بوظيفة قنصل بلاده هناك. وقد ظل في منصبه هذا حتى عام 1932. وفي تلك الفترة، كان من عادة حكومات بلدان اميركا اللاتينية ارسال مثقفين وادباء سفراء او قناصل، وقبل جاكارتا، كان نيرودا قد عمل قنصلا لبلاده في رانجون، ثم في سيري لانكا، وكان دائما مرفوقا بخادمه الصغير بهرامبي ثم سافر الى اندونيسيا، وهناك واجه صعوبات كثيرة منها الوحدة، غير ان ذلك لم يمنعه من انهاء مجموعة شعرية اسماها «اقامة على الارض» ضمنها نظرته المرة الى العالم.

وكان نيرودا يسكن شقة صغيرة في حي للسفارات، ومنذ الاسابيع الاولى التي اعقبت وصوله اصيب بحمى عنيفة الزمته الفراش، كما ان الصعوبات المادية التي واجهها، حيث انه كان غير قادر احيانا على شراء رباط عنق حولت حياته الى جحيم.

ولأن الوحدة باتت غير محتملة، فإن نيرودا قرر ان يتزوج، ومع زوجته الجديدة، اصبح بإمكانه ان يؤدي زيارات الى السفير الكوبي الذي كان يفاخر امامه بأن المعارضين لنظام بلاده آنذاك، يرمون في البحر لتلتهمهم اسماك القرش، كما كان يلتقي ايضا بيهودي الماني رومنطيقي يدعى فيلهالم ليهمبروك كان يردد دائما أن هتلر لن يستطيع الوصول الى الحكم لأن «المانيا بلد ديمقراطي لن يقبل مهرجا مثله». غير ان الحياة بين الزوجين سرعان ما اصبحت تواجه مصاعب جمة بسبب الغيرة المتأصلة في روح ماريا. وذات ليلة عاد نيرودا متأخرا فما كان منها إلا ان هاجمته بمقص.

في عام 1932 عاد بابلو نيرودا الى شيلي ليعين قنصلا لبلاده في العاصمة الارجنتينية بيونس ايرس وهناك التقى جارسيا لوركا واصبح صديقا حميما له. وفي عام 1934 انتقل الى برشلونة ثم الى مدريد للقيام بنفس الوظيفة. وفي 12 اغسطس (آب) 1934، انجبت ماريا ابنة سمّوها مالفا مارينا، بعد ذلك بقليل انفصل الزوجان وسافرت ماريا بصحبة الطفلة الصغيرة الى هولندا لتقيم هناك.

لعنة فاوست «لعنة فاوست» هو عنوان الرواية الجديدة للكاتب المكسيكي المرموق كارلوس فيرنتاس، وقد وصف احد النقاد هذه الرواية قائلا إنها «جد جميلة، وجد غريبة وجد موجعة تماما، مثل موسيقى برليوز». وتروي هذه الرواية قصة امرأة تعشق رجلا يعيش خارج وقتها، وخارج زمنها، وعليها ان تبحث عنه في زمن آخر، وفي فضاء آخر، ومعنى ذلك ان هذه الرواية القصيرة، المختزلة تتطرق، كما يقول عنها صاحبها الى موضوعات مثل الذاكرة والنسيان والذكرى وايضا الماضي والحاضر والمستقبل.

وتبدأ الرواية حين يشرع الموسيقى جابرييل انتلان فارارا البالغ من العمر 93 عاما في تدريب الاوركسترا الذي يقوده على عزف سمفونية «لعنة فاوست» وتنتهي بذكرياته، وعن روايته هذه التي شبهها البعض بالسمفونية، وتحديدا بموسيقى برليوز، قال كارلوس فيونتاس: «لقد حاولت في روايتي هذه ان اربط الصلة بين الموسيقى والنثر، وقد سعيت قدر الامكان ان اجعل هذا النثر شبيها بموسيقى برليوز، أي ان يكون مرتجفا متنافرا».

وعن حضور الطبيعة والحيوان في هذه الرواية، قال كارلوس فيونتاس: «هناك حضور قوي للطبيعة في عملي الجديد هذا، كما ان هناك احتمالا لاختفائها. وكانت رغبتي شديدة في وصف الحيوانات، وعاداتها، واماكن عيشها. لماذا؟ ذلك ان الحيوانات لها غرائز اقوى واكثر تطورا من غرائزنا، مثل الغريزة الجنسية، وغريزة التشبث بالحياة وغريزة الاكل والولادة.. كل شيء عندها يولد من الغريزة. عند الحيوان، نحن نجد الغريزة في حالتها الصرفة والخالصة».

خوان خويتسيلو ومراكش منذ حوالي ثلاثين عاما، والكاتب الاسباني الكبير خوان خويتسيلو يتردد على مدينة مراكش المغربية، ليس لأنه يملك بيتا هناك، وانما لأن علاقة روحية كبيرة تربطه بهذه المدينة واهلها، الشيء الذي جعله يطالب المنظمات الدولية بضرورة الحفاظ على تراثها المعماري الاصيل. وقد كتب الصحافي الفرنسي المرموق يقول مادحا هذه العلاقة بين الكاتب الاسباني ومراكش: «صعب ان نتحدث عن مراكش وان نغفل عن المغامرة الجميلة، اعني بذلك مغامرة خوان خويتسيلو، فقد عشق هذه المدينة الساحرة قبل ان تصبح متطابقة مع اذواق الموضة الجديدة، وبالخصوص ساحتها الشهيرة، «جامع الفنا» وحلقات الرواة فيها الذين يعرفهم جميعا ويفهم ما يقولون معتبرا اياهم كنزا بالنسبة لروائي مثله غزير الانتاج. وقد وصف عالم الرواة هذا في مراكش في روايته الشهيرة «حظيرة». وفي مراكش تولدت عنده فكرة مطالبة منظمة اليونسكو بضرورة الحفاظ على «تراثها الشفوي والروحي». وتاريخ هذا النضال رائع وقد افضى الى مجمع كبير يرأسه خوان خويتسيلو ومهمته الحفاظ على التراث الشفوي في اماكن متعددة من بوليفيا الى الصين ومن ايطاليا الى اسيا الوسطى. وخويتسيلو ليس فقط روائيا كبيرا وانما هو ايضا مدافع كبير عن التأثير العربي في اسبانيا. ومهمة خويتسيلو الآن هي التصدي للذين يحاولون احاطة ساحة «جامع الفنا» بفنادق شاهقة.

صورة الشاعر شيخاً يعد الشاعر فيليب جاكوتات واحدا من اكبر الشعراء الفرنسيين الاحياء. وخلال ربيع هذا العام اصدر ثلاث مجموعات شعرية دفعة واحدة وكأنه وهو البالغ من العمر 76 عاما، يريد ان يقنع القراء بأن الشعر يمكن ان يتحدى الشيخوخة، وامراضها ومتاعبها.

والى جانب الشعر، نقل فيليب جاكوتات الى الفرنسية اعمالا ادبية خالدة مثل «الاوديسة» لهوميروث او اعمال هولدرلين وريلكة وانجراتي وموزيل وتوماس مان.

ومنذ الخمسينات اختار فيليب جاكوتات العيش في الريف الفرنسي. وقد دفعته الى ذلك في البداية اسباب مادية، اذ انه كان من المستحيل عليه تقريبا الاستقرار في مدينة كبيرة مثل باريس. لكن مع مرور الزمن، والتقدم في السن استلذ هذا الاختيار الذي ساعده بالخصوص على العمل في هدوء بعيدا عن صخب المدن الكبيرة. وفي اعماله الاخيرة، يتردد موضوع الموت بصفة شبه دائمة. وهو يقول عن ذلك «نعم الموت حاضر بقوة في اعمالي الاخيرة، ولكن احمد الله اني ما زلت قادرا على النظر وعلى الملاحظة والتفكير بصفاء وعمق. ولو اقتصر الامر على كتابة المراثي، لكان من الافضل الرحيل باقصى السرعة. مع ذلك اعترف انه علي ان اواجه يوميا هذا الحضور في داخلي، ومن حولي، اعني بذلك حضور الموت، الذي كان من قبل موضوعا ادبيا، اما اليوم فقد بات واقعا، لكأني المس الحجر البارد بيدي في الوقت ذاته انا ما زلت مفتونا ومسحورا بجمال العالم، لذا فان التمرد على الرحيل يكون احيانا عنيفا وقويا. احاول ان اقيم انسجاما بين هذين الشعورين غير اني اعجز في النهاية عن فعل ذلك».

وعن قراءاته يقول: «اني اعيد قراءة اعمال احببتها في حياتي، اعيد قراءة بروست وروسو وهوجو. وفي الفترة الاخيرة، حملت معي احد اعمال بلزاك غير ان القطار الذي ركبته كان اسرع من بلزاك. واعتقد انه كان من الافضل ان احمل معي عملا جديدا غير اني اعترف باني لا اميل كثيرا الى الانتاج الادبي راهنا وليس لدي القوة الكافية لقراءة اعمال المعاصرين».

سيرة ماتيس كان الرسام الفرنسي الشهير ماتيس في سن العشرين عندما دخل الى المستشفى بسبب مرض اصابه. وكان جاره في غرفة التمريض رجلا يدعى ليون وفييه يقضي وقته في رسم لوحات تجسد مناظر طبيعية في سويسرا. وكان هذا الرجل يردد دائما ان افضل شيء يفعله الانسان عندما ينتهي عمله في المكتب هو ان يرسم الطبيعة السويسرية. وقد تأثر ماتيس بهذا الكلام فطلب من والدته ان تشتري له ادوات رسم. وفي ما بعد كتب يقول: «قبل ذلك لم تكن لي رغبة بأي شيء. وكنت ابدي لا مبالاة كاملة بكل شيء تطلب مني عائلتي ان افعله، وعندما اقتنت لي والدتي ادوات رسم احسست ان حياتي الحقيقية بدأت».

وقد ولد ماتيس عام 1869، وكان والده يتمنى ان يكون مثله تاجر حبوب. وبعد اقامة قصيرة في باريس، تمكن من اقناع عائلته بضرورة العودة الى هناك لمواصلة دراسته في الحقوق. وعقب حصوله على ديبلوم، بدأ يهتم بالرسم، ثم شيئا فشيئا ترك كل شيء، ليهب حياته كلها للفن متحديا والده وعائلته.

وفي البداية، تأثر بكل من بوسان وشاردان بالخصوص، وكان يمضي الوقت متجولا في المتاحف الكبيرة، مثل متحف «اللوفر» دارسا اللوحات المعروضة بدقة وانتباه فائقين، وفي عام 1897، التقى اميلي برايار وتزوجها غير انه حذرها قائلا: «اني احبك يا آنسة. غير اني احب الفن اكثر منك!». وبالرغم من ان الزوجة الشابة لم تفهم خفايا فن زوجها، فإنها وقفت الى جانبه ودافعت عنه بقوة، خصوصا في الاوقات العصيبة عندما كانت لوحاته لا تباع اطلاقا، بل انها لم تتردد في ان ترهن خاتماً من الزمرد وذلك عام 1900، لكي تساعد ماتيس على الخروج من ازمة مادية حادة كان يتخبط فيها.

وتحتوي سيرة ماتيس الجديدة التي اعدتها البريطانية هيلاري سبورلينج على معلومات جديدة، بعضها مثير ومدهش عن حياة هذا الرسام العظيم الذي يعد واحدا من المؤسسين الكبار للفن الحديث.

=