الإسلام والديمقراطية الغربية والسياسة كبديل للعنف

«على خطى النبي» لطارق رمضان

TT

ظل الفيلسوف السويسري والمفكر الاسلامي طارق رمضان يردد على مدى سنوات انه يريد التوفيق بين الاسلام والديمقراطية الغربية وبين القيم الدينية المحافظة والقيم الليبرالية السياسية. إلا ان هناك من لا يرى مصداقية في حديث رمضان، كما ان كونه حفيد مؤسس حركة الاخوان المسلمين المصرية، حسن البنا، لا تساعد على هذا الأمر. ويقول المشككون في طروحات رمضان: إنه شخص متطرف اصلا لكنه يتخفى وراء هذه الطروحات، وانه يظهر وجها معتدلا للجمهور الغربي ووجها رجعياً للمسلمين.

حكومة الولايات المتحدة رفضت مرتين منحه تأشيرة دخول للتدريس في الولايات المتحدة بسبب تبرعه بمبلغ 800 دولار اميركي لمنظمة خيرية ادرجتها السلطات الاميركية فيما بعد في قائمة المنظمات المحظور التعامل معها بسبب علاقاتها مع حركة "حماس". ويقول إيان بوروما في البروفايل الذي كتبه حول رمضان في مجلة "نيويورك تايمز" تحت عنوان "ما افهمه حول مشروع طارق رمضان" ان القيم التي يتبناها "ليست بعلمانية ولا هي ليبرالية، لكنها لا تشكل جزءا من الحرب المقدسة ضد الديمقراطية الغربية. مفاهيم السياسة لديه تقدم بديلا للعنف، وهي تشكل سببا كافيا لمناقشته نقديا، ولكن دون خوف».

وفي نفس الوقت يواصل رمضان الدفاع عن مشروعه. ففي كتابه الجديد بعنوان "على خطى النبي"، الذي يتناول سيرة النبي محمد، يسعى رمضان الى توضيح ان الاسلام والديمقراطية الغربية لا يتعارضان، ويدلل على ذلك بدروس من حياة النبي. ويرى رمضان ايضا ان العودة الى جذور الاسلام تجعل المقارنة اكثر وضوحا. شخصية النبي محمد كما يراها رمضان شخصية زعيم حكيم عادل مع زوجاته محب لبناته ويتعامل مع النساء بصورة عامة على نحو جديد ويسمح لهن بالصلاة في المساجد. ("التهذيب" من المفردات المفضلة لرمضان)، كما انه يجري مشاورات قبل اتخاذ قراراته، وكان يشن الحرب عندما يقتضي الأمر ذلك. ويقول رمضان في كتابه ايضا ان النبي محمد كان متسامحا تجاه غير المسلمين وعادلا تجاه اعدائه. كان ايمانه هادئا، لكنه كان مفكرا ناقدا ايضا، استخدم العقل لترجمة كلمة الله الى مبادئ اخلاقية عملية. ويرى رمضان ان النبي محمدا اذا كان تجسيدا للإسلام، فإن الاسلام دين اعتدال وعقل ومرونة وحب.

سيتحدى البعض تناول رمضان الضعيف لفتح المسلمين لشبه الجزيرة العربية وادعاءه ان الجهاد المسلح كان فقط في حالة الدفاع عن النفس. إلا ان الحكم على هذه السيرة القائمة على على اساس التفسير من خلال معيار الدقة التاريخية او نوعية تفسير القرآن سيؤدي الى إهمال سؤال مهم للغاية وهو "ما الذي يمكن ان يكشفه هذا الكتاب عن فلسفة رمضان السياسية؟"

رؤية رمضان للإسلام تتخلص في بضعة مبادئ عامة. ما عدا ذلك ـ ثقافات البلدان المسلمة والسياسة التي تمارس باسم الاسلام ـ مسائل عارضة تاريخيا وبالتالي قابلة للتفاوض. (في مواضع اخرى بالكتاب اوضح رمضان ان "العربية هي لغة الاسلام، إلا ان الثقافة العربية ليست ثقافة الاسلام). لهذا السبب فقط يمكن ان يصبح الاسلام متوافقا مع الديمقراطيات الحديثة. يقول رمضان ايضا ان "الاسلام يعتمد على مجموعة من المبادئ التي يمكن ان تتوافق مع ركائز وقيم المعتقدات والأعراف والتقاليد الدينية الاخرى". بمعنى آخر، يمكن القول ان كتاب "على خطى النبي" مختصر، لكنه في نفس الوقت يمثل دفاعا وتبريرا لبعض مواقف رمضان في اكثر المواقف إثارة للجدل. ففي عام 2003 وجهت انتقادات الى رمضان بسبب مناداته بتعليق رجم الزناة بدلا عن إدانة العقوبة واستنكارها. ورد رمضان على الانتقادات قائلا انه على المستوى الشخصي يعارض الحكم ـ وعقوبة الإعدام بصورة عامة ـ لكنه يعتقد ان الحظر الشامل ربما أدى الى إغضاب كثير من المتشددين في الدول ذات الغالبية المسلمة وتسبب ذلك بالتالي في تأخير الاصلاحات. هذا الدفاع كان ضعيفاً من وجهة نظر منتقديه. لكن رد رمضان لم يكن تأييدا ضمنيا لعقوبة الرجم بقدر ما كان تعبيرا عن وجهة نظره التي يرى على اساسها ان كل مجتمع يجب ان يحدد لنفسه كيفية تطبيق قيم الاسلام.

وبنفس القدر، فإن تصويره لهذه القيم كونها عامة ربما يلقي ضوءا مختلفا على تشدده المزعوم. فقد وصف طارق رمضان بأنه معاد للسامية إثر كتابته مقالا عام 2003 انتقد فيه مفكرين يهود فرنسيين، مثل آلين فينكيلكروت وبيرنارد، وهنري ليفي وبيرنارد كوشنر، بسبب تأييدهم للحرب في العراق وسياسة اسرائيل الخارجية. غير إن ادراج رمضان لعالم الاجتماع بيير ـ آندريه تاغويف، وهو ليس يهودياً، لم يساعد في قضيته. وكان رمضان قد أشار الى هؤلاء كتمهيد لتحذير المسلمين من مخاطر خلط السياسة بالطائفية والاثنية. وأود الإشارة هنا الى انني عندما اجريت مقابلة مع رمضان عام 2005 قال لي ان العدد الكبير لهؤلاء في فرنسا يشير ضمنا الى ان ثمة استراتيجية تخدمهم جميعا.

إذن، لماذا الجدل؟ بالنسبة للذين يقولون ان خطابه مزدوج، يرد رمضان قائلا انهم يعانون من "ازدواجية السمع". كما ان نواياه ـ بصرف النظر عن ماهيتها ـ اقل اهمية من الحجج نفسها. ويمكن القول هنا ان التفسير الحرفي لما يكتبه رمضان ربما يؤدي الى نفس الصعوبات التي تواجهها المؤسسات العلمانية في فرنسا، وأنصار ما بعد البنيوية في هولندا فيما يتعلق بالتعامل مع الجاليات المسلمة.

إن رؤية رمضان العامة وغير السياسية للإسلام يمكن ان تساعد على التوصل الى حلول براغماتية للاحتكاكات الاجتماعية. فقد عارض مثلاً القانون الذي سنته فرنسا عام 2004 حول حظر لبس غطاء الرأس في المدارس العامة. إلا ان رأيه ذلك كان متعلقا في الأصل بموقفه تجاه الحريات، أي حق الفتيات المسلمات في اختيار ما يردن لتغطية الرأس، كما كان ينصح الفتيات اللائي اجبرن على الاختيار بين التوجه الى فصول الدراسة وارتداء الحجاب بمواصلة الدراسة.

* صحافية في « فورن أفيرز»

* خدمة «نيويورك تايمز»