«مطعم مرمر» الدمشقي يعيد للفرجة السينمائية مجدها

TT

في ظل افتقار دمشق إلى صالات سينمائية، رغم محاولات مؤسسة السينما للخروج من هذه الأزمة، بقيت العروض محصورة في المهرجانات والتظاهرات الموسمية، التي تقام بين الحين والآخر، من دون أن ترسخ تقاليد ثابتة يركن اليها.

فهل استطاع «مطعم مرمر» أن يسد الثغرة، بعد أن جعل من عروضه السينمائية كل يوم اثنين، ملتقى للشباب يستمتعون بحضور أحدث الأفلام ويتبادلون الآراء بشكل لطيف غير تقليدي، في ما يشبه ندوات غير رسمية؟ وهل أعاد البيت الدمشقي بحميميته الطقس السينمائي إلى سابق عهده؟

يقبع في حارات دمشق القديمة وأزقتها تاريخ وحياة نلجأ إلى استرجاعهما كلما شعرنا بضياع الهوية في خضم الازدحام والضوضاء والعشوائية. بيوت كانت قد أغلقت في الماضي على أصحابها، وحارات منعت دخول الغريب، فتحت اليوم أبوابها لكل سائح وشاب يعشق تفاصيلها، وتحول عدد كبير من تلك البيوت الدمشقية التي كاد يلفها النسيان إلى مطاعم وحانات ومقاه تجمع مختلف الشرائح والأعمار. لكن هذه الأماكن باتت متشابهة إلى حد كبير، فالهدف تجاري في الدرجة الأولى، ومن ثم الحفاظ على الجانب الجمالي والنفح التراثي وجعله متاحا للآخرين.

وفي النهاية ما ضير الاستفادة من شعبية تلك الأماكن وتحقيق معادلة الربح، وفي الوقت ذاته خلق أجواء ثقافية وترفيهية دون تشويه يمس الطبيعة التراثية لهذه البيوت. هذا ما يحاول «مطعم مرمر» تحقيقه من خلال أفكار تخرجه من إطار الترفيه المجاني والرقص والغناء، وتدخله عالماً من النشاطات الفنية التي تستقطب عدداً كبيرا من المثقفين والفنانين والشباب. هؤلاء ألفوا المكان مع الزمن، بسبب حميميته وخصوصيته، حيث عمل أصحابه على خلق جمالية خاصة وحافظوا على سويته، بالتالي أصبح لديهم جمهور نوعي لا يلتف فقط حول النشاط السينمائي، وإنما يقبل أيضا على حفلات الموسيقى التي تقدمها باستمرار فرق شابة جديدة، تعزف مختلف انواع الموسيقى، وإن غلب عليها الجاز. فهو يتيح بذلك مكانا لهذه الفرق لتقدم ما لديها وتكسب جمهورا خاصا يتعرف إليها. من جهة أخرى يستقطب مطعم مرمر «الزبائن» العاديين الباحثين عن المتعة والترفيه الخفيف، ويضرب عصفورين بحجر واحد.

واللافت أن المطعم يضع إعلانات للفعاليات الثقافية التي تقام في أماكن أخرى، مثل مسرحية ما أو معرض فني تشكيلي أو حفلة موسيقية، وكأنما بذلك يقدم خدمة لزبائنه ويهديهم إلى عناوين يبحثون عنها.

مثل هذه الأجواء إن هي تراكمت، قد تكون قادرة على إعادة متعة المشاهدة الجماعية السينمائية إلى ذائقة الناس، كما أنها كفيلة بإبعاد الملل والجمود اللذين يخيمان على أجوائنا الثقافية المتجهمة، لدرجة أن بعض رواد مرمر أصبحوا لا يستمتعون برؤية أي فيلم في المنزل رغم توفر أحدث الأفلام حاليا في الأسواق بسبب القرصنة وبأسعار زهيدة. لكن طبيعة المكان خلقت خصوصية وأغنت شرط التلقي فأصبح ملتقى أسبوعياً، إن هو استمر، سيتحول إلى طقس جميل يرتبط ببيت دمشقي عريق، يحمل أفكاراً جديدة تبقيه على تماس بكل عصري وحديث.

هذه الظاهرة انتقلت بالعدوى إلى العديد من البيوت في الشام القديمة، منها ما تحول إلى معرض للفن التشكيلي، وآخر الى منتدى للشعر، ومنها ما فتح أبوابه للأنشطة الثقافية على اختلاف أنواعها وتعدد جمهورها.

هذه الأفكار حققت تنوعا في الجمهور، وأعادت الروح إلى بيوت تحمل في كل ركن لمسة جمالية، يعشق الجميع التواجد فيها والاستمتاع بأجوائها.