مثقفون إسرائيليون: هذه ليست إسرائيل التي حلمنا بها

بمناسبة مرور 59 سنة على تأسيسها

TT

إضافة إلى الفساد، ينهش إسرائيل التفاوت الطبقي، كما أن عائلات بعينها تسيطر على الثروة، في ما يشعر كثيرون بالغبن. وهذا كله يهدد وجود إسرائيل أكثر من عداوة محيطها العربي لها. فهي قوية تكنولوجيا وعلمياً وعسكرياً بحيث تستبعد هزيمتها في حرب يشنها جيرانها، لكن الخوف هو مما يحدث في الداخل. هذه ليست مجرد تكهنات، انه رأي العديد من المثقفين الإسرائيليين الذين استطلعت آراؤهم مؤخراً، وعبرّوا عن مخاوف جمة...

في عام 1948، الحاسم في تاريخ الشرق الأوسط، كان عمر الكاتب والصحافي الإسرائيلي اوري افنيري 25 عاما، وكان ضمن العصابات الصهيونية التي حاصرت وشردت سكان عدة قرى فلسطينية، على طريق القدس - السهل الساحلي الفلسطيني.

في تلك الحرب وبعدها، كان افنيري، المعروف الآن كأحد رموز حركات السلام الإسرائيلية، جنديا في كتيبة «جفعاتي»، ويعتقد بأنه كان يخوض حرب تحرر وطني لشعبه. الحديث عن حرب 1948، التي يحيي ذكراها الإسرائيليون في أبريل (نيسان) من كل عام، بوصفها سنة استقلالهم، ويحيها الفلسطينيون باعتبارها نكبتهم، يستلزم العودة 130 عاما إلى الوراء، عندما وصلت أول دفعة من المستوطنين اليهود إلى فلسطين. ويقول أفنيري: «منذ ذلك التاريخ بدأ صراع تاريخي بين شعبين، يعتقد كل واحد منهما بان الأرض ملكية له، وهذا يختلف عن أية حرب أخرى اعرفها، لأنه في العادة تقع الحرب بين دولتين حول قطعة ارض، بينما الحال هنا ان كلا الشعبين يدعي بان الأرض له، وأنا كنت اعتقد بأنه كان على الشعبين، أن يناضلا معا، ضد الاستعمار الخارجي».

ويشير افنيري، بأنه أسس من اجل ذلك حركة سياسية في عام 1946 أي قبل الحرب، ومن اجل ذلك اصدر أيضا كتابا في نهاية عام 1947 بعنوان "الحرب والسلام في المنطقة السامية"، واستخدم كلمة "السامية" لأنها في رأيه هي العبارة الوحيدة التي توحد سكان هذه الأرض. ولم يستخدم كلمة شرق مثلا، لأنها كما يقول "غير مناسبة وليس لها معنى فالشرق بالنسبة لمن...؟".

ويشير، إلى أنه اصدر، بعد تلك الحرب، كتابين، إحداهما كان شعبيا جدا، وبقي لسنوات، أحد الكتب الأكثر مبيعا في إسرائيل، أما الكتاب الثاني فهو بعنوان "الوجه الآخر للعملة" والذي قوطع من قبل السلطة الإسرائيلية، وتحدث فيه عن الجرائم والمجازر التي وقعت خلال حرب عام 1948.

ويرى افنيري بان تلك الحرب كان لا بد منها في الصراع، وبان المهم الآن، هو تجاوز نتائج ذلك التاريخ وإيجاد حل.

ويعتقد افنيري، بعد كل هذه السنوات، بصحة موقفه في المشاركة في تلك الحرب ويقول "كنا متأكدين في ذلك الوقت بأننا ندافع عن حياتنا، وكنا على قناعة تامة، بأننا إذا خسرنا في تلك الحرب فسنرمى خارج البلاد، لذلك كان شعارنا ليس هنالك خيار آخر".

وفي هذه الأيام، وإسرائيل تحتفل بذكرى استقلالها التاسع والخمسين، يجد افنيري وغيره من مثقفين وكتاب تبنوا الفكر الصهيوني، أن دولة إسرائيل الموجودة الآن ليست هي التي حلموا بها.

وفي استطلاع لآراء عدد من المثقفين أجرته صحيفة "يديعوت احرنوت"، ممن وصفتهم أبناء الجيل الأول المؤسس للدولة العبرية الذين قاتلوا من اجل إقامتها، أعرب هؤلاء عن خيبتهم الكبيرة في المآل التي وصلت إليه هذه الدولة التي ما زالت تحتل ارض شعب آخر وتمارس القمع بحقه.

ولكن آراء الكتاب تمحورت أساسا حول الدولة العبرية نفسها، وقال افنيري (83) عاما، والصحافي اهارون أمير (84) عاما، وغيرهما للصحيفة الإسرائيلية "هذه ليست إسرائيل التي حلمنا بها".

ووجهت الصحيفة سؤالا واحدا لهؤلاء المثقفين وهو: ما الذي يهدد وجود إسرائيل بعد 59 عاما من تأسيسها؟ واجاب افنيري "استقلال إسرائيل في مأمن من تهديد خارجي، ولكن التهديدات الكبيرة في داخلها"، واضاف بان "الفساد ينخر في كل مكان في دولة إسرائيل، هذا البلد لا يشبه ما كان في أذهاننا عندما ناضلنا من اجل تأسيسه، لقد فقدنا كل إحساس بالمسؤولية تجاه الآخر، لم يعد لدينا الرحمة أو الشفقة".

الصحافي والكاتب والمترجم اهارون امير قال ردا على نفس السؤال "بالمقارنة مع أي عدو محتمل، فإن إسرائيل متقدمة تكنولوجيا وعسكريا وعلميا، على كل من حولها، وليس لنا أن نقلق من هذه الناحية".

ولكن من أين يأتي القلق اذن بالنسبة لامير؟ يجيب "المشكلة مع نظام قيمنا، حلمنا بمجتمع اشتراكي يتحقق فيه العدل، وإذ بنا نعيش في مجتمع رأسمالي بدلا من ذلك".

ويضيف أمير: "مع كل الأشياء الرائعة التي حصلنا عليها، لدينا أشياء رهيبة تكشف جراح المجتمع"، ومن بين هذه الأشياء الرهيبة التي يراها مثقف اشتراكي صهيوني "الفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء".

ويقارن الكتاب والمثقفون الإسرائيليون، إسرائيل بالدول الغربية، ويقول أمير: إن إسرائيل اكثر دولة غربية توجد فيها مثل هذه الفجوة بين الفقراء والأغنياء والتي يصفها بأنها خطر وجودي ويؤكد بان "الفجوات الاجتماعية هي التي تشكل اكبر تهديد لإسرائيل".

ويضيف "الحكومة تعيش حالة ارتباك، وعدم قدرة على التخطيط، سببه التدهور الأخلاقي".

ويقول أمير "18 عائلة في إسرائيل تسيطر على كل شيء تقريبا، ووزارة المالية لا تحارب ذلك، واشير إلى أن الفساد وانعدام الأخلاق، والحياء، قد تكون إشارات عابرة لملامح هذا العام".

ويرى أمير بأنه يجب شن حرب على الفساد، والمحافظة على مستوى معين من الكفاءة الحكومية والاقتصادية.

ويتفق افنيري في أن خطر الفساد يهدد إسرائيل، ولا يستبعد أن يقتل الناس بعضهم بعضا عندما يتحول الفساد إلى ثقافة عامة داخل المجتمع الإسرائيلي.

ويقول افنيري بان "الأخلاق أصبحت كلمة قذرة في هذه الأيام، وجميع المعايير الأخلاقية تغيرت في إسرائيل، ويفترض أن يكون التضامن هو حجر الأساس لبناء المجتمع، ولكن الوضع الان مختلف". ويضيف "تحولنا من مجتمع قائم على الشراكة، إلى فجوات لا تطاق بين الطبقات الاجتماعية، واصبحنا ثاني دولة بعد الولايات المتحدة في هذا المجال».