سهى بشارة.. حدث الأسبوع السينمائي الوثائقي في فاس

المغاربة يكتشفون الوجه الآخر للمأساتين الفلسطينية واللبنانية

TT

نظم المعهد الفرنسي لمدينة فاس من 13 إلى 22 أبريل/نيسان الماضي، «أسبوع الفيلم الوثائقي». وقد عرفت هذه التظاهرة سمتين مائزتين تمثلتا في تكريم المخرج الملتزم جان بيار طورن من جهة، وبيينال السينما العربية التي ينظمها معهد العالم العربي، من جهة أخرى. كما أن جمهور مدينة فاس المتعود على مهرجانات الموسيقى النخبوية، استطاع أن يتابع مجاناً، عروضاً شيقة لأفلام وثائقية فتحت له آفاق الفكر والحوار والتعرف عن كثب على القضايا العربية الساخنة. وهكذا شاهد الجمهور أفلاماً لجان بيار طورن، و"صمت حقول الشمندر" للمخرج المغربي علي الصافي، «نداء» للمغربية دليلة الناضر، «حرب دون صور» للجزائري محمد السوداني، «صبيان وبنات» ليسري نصر الله، «يوميات بيروت، الحقيقة، الكذب والفيديو، أحلام المنفى» للفلسطينية مي المصري، «وحيدة مع الحرب» للبنانية دانييل عربيد، «سهى النجاة من الجحيم»، «حروبنا الطائشة» للبنانية رندة الشهال صباغ، «من يوم ما رحلت» للفلسطيني محمد بكري، «أبوديس-الربيع الأخير» للفلسطيني عيسى فريج، «الطوفان» للسوري عمر أميرلاي....

هذه الوجبة الدسمة، سهر على إعدادها إلى جانب جان دودلان، مدير المعهد الفرنسي، وإبراهيم زرقاني، المسؤول عن البرمجة الثقافية، أندريه دي مارجوري المسؤول عن العلاقات الدولية بقناة أرتي الثقافية وماري كلود بهنة عن بيينال السينما العربية. افتتحت هذه الدورة إذن، بتكريم المخرج الفرنسي ج. بـ. طورن. وهو الذي بدأ حياته الفنية بالإخراج المسرحي، ولا سيما مسرح بريخت. وأخرج للنور أول أفلامه الوثائقية، في لهيب الثورة الطلابية الفرنسية سنة 1968، عن اعتصام عمال شركة رونو، فلين. بيد أنه هجر السينما، في السنة التالية، واشتغل عاملا متخصصا في معمل ألستوم. وفي سنة 1978 عاد إلى السينما الوثائقية الملتزمة بفيلم "الظهر إلى الجدار" الذي يحكي تجربته "العمالية"، ثم عمل بدءاً من سنة 1995 مع شباب الضواحي الذين اختاروا ثقافة الهيب هوب للتعبير عن هويتهم والخروج من الجحيم. فأفلام طورن تنطلق من رؤية تقدمية تفضح العنصرية والظلم الاجتماعي والسياسي وتحقير المرأة في فرنسا نفسها.

أما الأفلام اللبنانية والفلسطينية لكل من مي المصري، محمد بكري، رندة الشهال صباغ، عيسى فريج ودانييل عربيد، فقد مكنت الجمهور المغربي من فهم آليات حروب مزقت العالم العربي، ولا تزال، ودجنت في صور مكرورة تتناقلها وكالات الأنباء الدولية وتبثها تلفزيونات العالم العربي دون بناء خطاب تحليلي وعقلاني حولها. وقد تأثر هذا الجمهور الذي يعتبر نفسه جزءا لا يتجزأ من العالم العربي الكبير، بهمجية ما عاشه ويعيشه اللبنانيون والفلسطينيون، مما جعلهم يواجهون لوحدهم مصيرا كارثيا تساهم فيه عضويا الأنظمة العربية المهزوزة. كما أن الأفلام المغربية والجزائرية والسورية عالجت وقائع يعرفها المغاربة جيدا، كمدونة الأسرة التي أحدثت ثورة في المجتمع، غير أن أغلبية النساء المغربيات الشعبيات لا يعرفن شيئا عنها، وحرب الجزائر التي اختزل المصورون الغربيون جرحها في صور المتشددين الإسلاميين، واغفلوا كل ما يتعلق بنضالات النساء التقدميات اللواتي واجهن العنف دافعات حياتهن ثمنا لمبادئهن، ثم قراءة تاريخ حزب البعث السوري من "زاوية سد الفرات"...

وإذ غابت مي المصري وعمر أميرالاي لاعتبارات قاهرة، فقد حضرت عروس المقاومة اللبنانية سهى بشارة التي وقف الجمهور المغربي لها، وصفق طويلا، إذ تمثل بالنسبة له، كما لباقي العالم العربي، رمزا للمقاومة الأسطورية الحية التي انتهت بطرد العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان. مع فارق بسيط، هو تشبع الوجدان المغربي، نظرا لبعده عن المركزية المشرقية، بقضايا الثورة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية أو العراقية. قدمت سهى بشارة فيلم رندة الشهال صباغ وناقشته بعد العرض مع الجمهور الذي بقي في قاعة مركب الحرية إلى ما بعد العاشرة ليلا. وكانت زيارة سهى بشارة حدثا في هذا الأسبوع السينمائي، وقد قالت بأن المقاومة مازالت مستمرة ضد كل ما يفقد الإنسان آدميته أينما كان في العالم. وهذه هي رسالة السينما الوثائقية أيضا التي تفكك الأيديولوجيات العمياء واللغة الخشبية والخطابات التمجيدية التي تنسج صورة طوباوية عن واقع عربي بئيس. فهذا النوع من الصور الواقعية يوقظ المجتمعات العربية من سباتها لترى وجهها في مرآة الضرورة التاريخية الصارمة؛ وما توالي الاهتمام بالخطاب السينمائي الوثائقي في المغرب مؤخرا سوى تعبير ثقافي عن تعطش الجمهور المغربي لنقاش الأفكار والتصورات، لا سيما بعد اتساع هامش الديمقراطية في عهد الملك الجديد.