قنبلة أسبوع الكتاب العبري المدوية

بورغ يقارن بين ألمانيا وإسرائيل.. ويوجه نقدا للإسرائيليين واليهود لأنهم ما زالوا أسرى لهتلر

TT

انطلقت في إسرائيل فعاليات أسبوع الكتاب العبري السادس والأربعين، الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة في الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية، لم تخل من مشاعر الفخر بما يعتبر حدثا ثقافيا كبيرا في الدولة العبرية، ولكن ذلك لم يكن بدون مفاجآت.

ومن المتوقع أن يزور هذا الحدث الثقافي مليون شخص، للاطلاع على 100 ألف عنوان، مصفوفة على 3 آلاف منصة عرض.

وتشهد 10 مدن كبيرة و50 قرية وبلدة في البلاد فعاليات هذا المعرض، وبمناسبة انطلاق فعالياته نشرت إحصاءات تشير إلى انه يصدر في إسرائيل كل عام 7 آلاف كتاب جديد، وان هناك ازديادا في الإقبال على قراءة الكتب رغم انتشار وسائط المعرفة الأخرى مثل الإنترنت.

ووفقا للإحصاءات فان 8.2 مليون مواطن استعاروا كتبا من المكتبات العامة خلال عام 2005، مقابل 6.7 مليون، استعاروا كتبا من هذه المكتبات عام 2001.

وسيستمر المعرض حتى الخامس عشر من الشهر الجاري. ومن بين الفعاليات التي سيشهدها المعرض، لقاءات مع الكتاب ورسامي الكتب، وعروض مسرحية.

وبالإضافة إلى الكتاب العبريين، تستضيف فعاليات المعرض، كتابا من الخارج، تمت ترجمة أعمالهم إلى العبرية، مثل الشعراء البولنديين: ويسلاوا تشيمبورسكا، وتشيسلاف ميلوز، وزبيغنيو هيربرت، والكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك، والكاتب النمساوي توماس برنارد، بالإضافة إلى كتاب من اليابان وألمانيا.

وستنظم أمسيات شعرية وفكرية لأجيال مختلفة من الكتاب والشعراء العبريين، وفي مدينة حيفا سيتم عرض كتب بالعربية والعبرية والروسية، بالإضافة إلى لقاءات مع الكتاب البارزين.

ووسط التغطية ذات الطابع الاحتفالي، حدث ما يعكر بهجة المحتفلين، بصدور كتاب (لنهزم هتلر) للسياسي الإسرائيلي المعتزل ابراهام بورغ، والذي اعتبر صدوره بمثابة قنبلة مدوية.

وهو كتاب يسرد فيه بورغ، رئيس الكنيست السابق، وابن إحدى الشخصيات الصهيونية الطلائعية، المؤسسة للدولة العبرية، قصة حياة عائلته، كعائلة يهودية نموذجية، ويقدم مراجعة لمفاهيم الصهيونية الكلاسيكية، ويوجه نقدا حادا لإسرائيل، ومقترحا تعريفات جديدة للهوية الإسرائيلية واليهودية.

وفي أحاديث صحافية لخص بورغ ما أراد قوله في كتابه بان تعريف "دولة إسرائيل كدولة يهودية هو المفتاح إلى نهايتها. ان بقاء إسرائيل كدولة يهودية يعني أنها ستكون دائما قريبة من الانفجار، ومن الديناميت".

ويقيم بورغ منذ ثلاث سنوات في فرنسا، كرجل أعمال ناجح يحمل الجنسية الفرنسية، وهو ابن عائلة يهودية متدينة، من أصول ألمانية، وتلقى دراسة دينية متشددة، واشتهر باعتماره قبعة يهودية على رأسه، وعرف بطروحاته السلمية تجاه الصراع مع الفلسطينيين، والتي وان لم تكن تعجب التيار الغالب في الرأي العام الإسرائيلي إلا أنها لم تكن تخرج عن التيار الرئيسي في اليسار الإسرائيلي.

ولذا فان ما طرحه في كتابه أثار ضجة كبيرة، ومما طرحه مثلا دعوته لإلغاء قانون العودة الحالي في إسرائيل، الذي يقصر العودة على اليهود من مختلف العالم، مطالبا باستبداله بقانون لا يميز بين يهودي وأي إنسان آخر.

وفي إحدى مقابلاته قال بورغ يجب "أن لا ننظر لليهودية على أساس أنها جينات، وانما يجب توسيع تعريف الإسرائيلي إلى آفاق اكثر إنسانية، ولا يعقل أن نحصر اليهودي في الشخص الذي ولد لام يهودية فقط، يمكن لاي شخص يتفق معنا ان يكون إسرائيليا".

واضاف "لا اقبل أن أكون مجرد جينات، أنا في البداية والنهاية إنسان، يجب أن نخرج من البوتقة التي وضعنا أنفسنا فيها، ونتخلص من العقد التي تسببت فيها الصهيونية التقليدية".

وفي كتابه الذي عمل عليه لمدة عشر سنوات، يقارن بورغ بين ألمانيا وإسرائيل، ويوجه نقدا للإسرائيليين واليهود باعتبار انهم ما زالوا أسرى لهتلر، الذي أضحى جزءا من تفكيرهم، بل انه احتل ثقافتهم، وغير قادرين على التخلص منه، ويقول بأنه يرفض أن يبقى اليهود مستكينين لمسألة وجود عدو خارجي يهددهم، مثلما فعل هتلر، وان ما يفعلوه الان هو بالضبط ما كان يريده هتلر، وانه لا بد من هزيمة هتلر بالتخلص من ظله، والانفتاح على الآفاق الإنسانية، ومن هنا جاء عنوان الكتاب (لنهزم هتلر).

ويرى بورغ أن من المأساة أن تعيش إسرائيل في ظل فكرة الإبادة، أي أن هناك جهة ما في العالم تريد أن تبيدها وتمسحها عن الوجود، وعليها أن تتخلص من عقدة المستهدف الدائم، وسيكولوجية الضحية.

وتساءل "لماذا كل هذا الذعر، عندما نتحدث عن هتلر؟ لماذا نستمر في العيش في غيتو؟ لماذا لا نكون جزءاً من الاتحاد الأوروبي؟ لماذا لا يعرف الواحد منه نفسه أولا كانسان، لماذا نقبل أن تحدد الجينات هوياتنا؟".

ومن ردود الفعل على كتاب بورغ، دعوة عضو الكنيست عتنيا شنلر، بمنع دفن بورغ في مقابر اليهود، وتعليقا على ذلك قال بورغ "هذا لا يخيفني" واضاف ساخرا "جيد انهم لم يطالبوا بمنع موتي؟ ويحرموني من الموت أصلا".

وهاجم بورغ ما اعتبره عسكرة المجتمع الإسرائيلي، مشيرا إلى كيف قاد العسكر الحرب الأخيرة على لبنان، وعادوا مهزومين، منوها إلى تأثير هذه العسكرة على المجتمع الإسرائيلي والعلاقات بين أفراده حيث ينتشر العنف بين الشبان والأفراد، وتزداد النساء المعنفات.

ولا يحمل بورغ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، فقط السبب وراء انتشار العنف في المجتمع الإسرائيلي، ويعتبر أن الاحتلال هو جزء صغير من مشكلة المجتمع الإسرائيلي الذي يصفه بأنه مصاب بخوف مرضي، ومعوق نفسيا، وانه من اجل إنهاء هذا الخوف يجب معرفة مصدره، وهو برأي بورغ أن إسرائيل ما زالت أسيرة للكارثة التي ارتكبها هتلر بحق اليهود في الحرب العالمية الثانية.

وأحد أسباب الهجوم العنيف الذي يتعرض له بورغ، هو تشبيهه لإسرائيل، بألمانيا النازية، وان كان لا يرى أن ذلك يصل إلى حد التطابق، مشيرا إلى أن الأجواء في إسرائيل شديدة الشبه بألمانيا عشية تحولها إلى النظام النازي.

وردا على منتقديه سرد بورغ ما يراه تشابها بين إسرائيل وألمانيا عشية تحولها إلى النظام النازي وهي كما يقول "إحساس كبير بالمهانة القومية، واحساس برفض العالم، وهزائم لا تفسير لها في الحروب، وكان من نتيجة ذلك مركزية الإيمان بالقوة في الهوية. ومكانة ضباط الاحتياط في المجتمع. وكمية المواطنين المسلحين في إسرائيل في الشارع. إلى أين يمضي هذا الجدول البشري المسلح؟ التعبيرات التي تصرخ في الشوارع هي: العرب إلى الخارج"، بالإضافة إلى مكانة الجيش المتعاظمة في إسرائيل التي يشبهها بالعسكرية النازية.

وفي حين ينتقد بورغ، بناء جدار الفصل العنصري، يتوقع، أن تمضي إسرائيل في سن قوانين تشبه القوانين النازية، مثل حظر العلاقات الجنسية بين اليهود والعرب، ومنع العرب تشغيل عمال يهود، وغيرها من قوانين لا يستبعد أن تسنها الكنيست التي يعرفها جيدا كونه أمضى ثمانية أعوام رئيسا لها.

ودعا بورغ إلى تجريد إسرائيل من سلاحها النووي، معتبرا أن اليوم الذي سيتم فيه ذلك، سيكون أهم يوم في حياته.

وبعد أن ألقى قنبلته، غادر بورغ إلى باريس، والى موطنه الفرنسي، الذي يرى في علمه علما له أيضا، وان كونه يحمل الجنسية الفرنسية لا ينتقص أبدا من يهوديته، وربما يعود إلى إسرائيل في وقت يمكن أن يكون قريبا أو بعيدا حاملا قنبلة أخرى، ربما ستكون اشد انفجارا في مجتمع، تتكاثر فيه أصوات المثقفين التي تطالب بمراجعة الأسس التي بني على أساسها، مشككة بها في ظل العالم المتغير الذي نعيشه.