مصطلح «النكبة» يدخل المنهاج المدرسي الإسرائيلي ويثير عاصفة

بعد 60 سنة من الانتظار

وزير التعليم الاسرائيلية يولي تامير
TT

بعد ستين عاما من نكبة الشعب الفلسطيني، سيتمكن طلاب الصف الثالث الابتدائي من التلاميذ العرب في إسرائيل، من دراسة جانب، مما حدث في عام 1948، والذي نتج عنه تأسيس دولة إسرائيل، التي تسميه الأخيرة «حرب الاستقلال»، في حين يطلق عليه الفلسطينيون والعرب، وأصدقاؤهم في العالم، اسم «النكبة». ويأتي ذلك بعد أن قررت وزيرة التربية والتعليم اليسارية يولي تامير، الموافقة على كتاب تعليمي جديد، يقدم رواية النكبة من وجهة نظر العرب، بالإضافة إلى وجه النظر الإسرائيلية، التي كانت معتمدة، لوحدها في المناهج الإسرائيلية، مما اعتبر حدثا غير مسبوق في تاريخ الدولة العبرية، يراه اليمينيون تراجعا عن الثوابت الصهيونية، في حين لا يرى فيه ممثلون للجماهير العربية في إسرائيل سوى خطوة، وان كانت مهمة، إلا أنها غير كافية أبدا.

يتعلق القرار بكتاب في موضوع التاريخ والجغرافيا اسمه «الحياة معا في إسرائيل»، معد لطلاب الصف الثالث في المدارس العربية، التي كان يحظر فيها مثل باقي مدارس إسرائيل، التحدث عن الوطنية الفلسطينية والنكبة. وتعرض كثير من المعلمين الفلسطينيين، وعلى مدى سنوات إلى الملاحقة الاستخبارية، والفصل من العمل، بتهمة التطرق إلى النكبة ومواضيع شبيهة.

ونجحت تامير، التي تنتمي إلى حزب «ميرتس» اليساري الصهيوني، في إقرار الكتاب ضمن المنهاج، الذي يسمي ما حدث في عام 1948 باسمه العربي، بعد ستين عاما من وقوعه، وبعد محاولات فاشلة من أكاديميين ومنظمات في المجتمع المدني، لإدخال تعديلات على المنهاج، تأخذ بعين الاعتبار الرواية الفلسطينية.

واكثر من هذا فان الاتهامات كانت دائما تلاحق الوزارات الإسرائيلية المتعاقبة، بأنها تعمل على طمس التاريخ الفلسطيني، قبل قيام دولة إسرائيل، بشكل ممنهج لتشويه وعي أجيال فلسطينية متلاحقة، نشأت بعيدا عن محيطها العربي، ودمجها في «الهوية الإسرائيلية».

ويشير الكتاب الجديد، إلى انه بسبب النكبة، فانه تم طرد أعداد كبيرة من السكان العرب، والذين تحولوا إلى لاجئين، وصادرت إسرائيل أراضيهم، وأن العرب رفضوا قرار الأمم المتحدة 181، المعروف بقرار التقسيم، في حين أن اليهود قبلوه، مما أدى إلى اندلاع حرب، انتصر فيها اليهود. ويسمي العرب هذه الحرب «النكبة»، في حين يسميها اليهود «حرب الاستقلال».

وقالت تامير، وهي تقف في وجه العاصفة التي هبت بعد إعلان موافقتها على الكتاب التعليمي الجديد، بانه خضع لتقييم مهني، ومر بجميع المراحل التي تستلزم إقرار أي منهاج جديد، وتمت قراءته من قبل عشرات المختصين قبل الموافقة عليه.

واعتبرت تامير، بان الكتاب الجديد يقدم صورة متوازنة، للأحداث التي وقعت عام 1948، وكانت مغيبة عن المناهج الإسرائيلية القديمة، ويجسر الهوة بين ما يسمعه الطالب العربي في محيطه الذي يعيش فيه، وما سيتعلمه في المدرسة.

وقالت «لا يمكن تجاهل إدراك الجمهور العربي لما حدث عام 1948، فهو يسمي الأمور بأسمائها، ولا يجوز تغطية الأمر. والكتاب يقدم الرواية الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته الرواية العربية، كي يتعلم الطلاب العرب تاريخ أجدادهم من وجهة نظر عربية، وهو أمر لا يتناقض مع طبيعة الدولة التي نعيش فيها كدولة يهودية ديمقراطية».

وأضافت «يجب إعطاء فرصة للطالب العربي للتعرف على خصوصيات المجتمع العربي بكل ما يتعلق بهويته القومية وان يدمج ذلك مع مواطنته الإسرائيلية، ولا يكفي أن يسمع الطالب العربي عن بعض المصطلحات إنما يجب أن يتعلمها وتعطى له فرصة للتعبير عن مشاعره ومعرفة الحقائق». ومنذ الإعلان عن موافقة الوزيرة تامير، على الكتاب، انطلقت ردود فعل غاضبة في أوساط اليمين الإسرائيلي ما زالت تتوالى حتى إعداد هذا التقرير.

وطالب بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود اليميني، بإقالة تامير من منصبها فورا، وهو ما تبناه أيضا عضو الكنيست زفولون اورليف، «رئيس الحزب الوطني الديني»، الذي اعتبر أن الكتاب الجديد مناهضا للصهيونية، ويتعارض مع وجود إسرائيل كدولة يهودية، ويمحو التاريخ اليهودي، ويطعن في شرعية الطابع اليهودي لإسرائيل، ويشرّع رفض الجانب العربي الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي.

وقال النائب جدعون ساعر، رئيس كتلة الليكود في الكنيست «وظيفة وزارة التعليم نشر الوعي الصهيوني، وليس الوعي الفلسطيني، وتدريس مثل هذا الكتاب سيعزز مطالبة الفلسطينيين بحق العودة».

وقال زميل تامير في الحكومة، افيغدور ليبرمان، وزعيم حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يدعو لتهجير العرب من ديارهم، بان الكتاب الجديد يتناقض مع روح الصهيونية، وان اليسار الإسرائيلي يبحث دائما عن طرق لتقديم الاعتذارات للجانب الآخر «رغم انه ليس لدينا ما نعتذر عنه».

ووجهت وزيرة التربية السابقة، وعضو الكنيست الحالية ليمور ليفنات (ليكود)، نقدا حادا لخليفتها تامير، قائلة بان مجرد تدريس ما حدث في عام 1948، بانه كان كارثة على العرب، سيجعل الطلاب يستنتجون أن عليهم العمل ضد دولة إسرائيل، وبالتالي فان إدخال مثل هذا الكتاب إلى المناهج سيخرج طابوراً خامساً بيننا.

وهاجم أعضاء كنيست من كتلة حزب «كاديما»، الذي يقود الحكومة، قرار تامير، ووصفته النائبة رونيت تيروش، بأنه «قرار مشؤوم يخدم الدعاية الفلسطينية». وكانت المفاجأة، بإعلان عضو الكنيست، إسرائيل حسون من حزب «إسرائيل بيتنا» المناهض للعرب، موافقته على قرار تامير.

وقال حسون الذي يتحدث العربية بطلاقة «لماذا نضع رؤوسنا في الرمال، فلدى العرب في هذه البلاد، رواية أخرى غير روايتنا، يقدمها الأجداد للآباء، وهؤلاء للأبناء، ولا يوجد ما يمنع تدريس ذلك للطلاب العرب بشكل رسمي، ما داموا يعرفونه أصلا. إن محاولة حجب النكبة عن العرب، هي بمثابة حجب الشمس بالغربال، والحديث يدور عن تدريس وجهتي نظر في ما حدث عام 1948، فلماذا هذه الضجة؟».

واضاف «إذا كنا لا نذكر كلمة النكبة في الصحف ووسائل الإعلام، والمناهج الدراسية، فان 20% من سكان الدولة العرب يؤمنون بأنها حدثت، وتجاهلنا لذلك لا يعني أنها غير موجودة في وعيهم». وقال حسون «لو قارنا تصرف زعماء العرب في تلك الأيام، فإننا سنجد تشابها مع زعمائهم اليوم، كما يحدث الان في رام الله وغزة، وامل أن يقدم الكتاب الجديد للطلاب العرب إجابة على سؤال: «لماذا وقعت النكبة»؟ خاصة انه توجد مؤشرات على نكبة جديدة ستقع، بسبب سوء تصرفات زعمائهم، وعدم حكمتهم».

وفي الجهة المقابلة، اعتبر النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي، بان الكتاب الجديد خطوة هامة ولكنها غير كافية، وقال النائب حنا سويد أن إدخال مصطلح «النكبة» بدل مصطلح «حرب الاستقلال» لمنهاج التعليم في المدارس العربية، يعتبر خطوة مهمة، لكن يجب أن تتبعها خطوات أخرى لجعل جهاز التعليم الإسرائيلي «منفتحا على الروايتين التاريخيتين للشعبين العربي الفلسطيني واليهودي الصهيوني» بدلا مما هو سائد الآن، معتبرا بان ما اسماه «الانفتاح والتعددية الثقافية» سيرفع من مستوى جهاز التعليم في إسرائيل.

واضاف سويد بان «الطالب اليهودي أيضا يستحق أن يتعلم الرواية التاريخية للشعب الفلسطيني، ويجب إدخال هذا المصطلح للمدارس العبرية أيضاً لان طالب العلم من حقه أن يعرف كل التفاصيل وبموضوعية عن القضية التي يدرسها. فالطالب اليهودي على سبيل المثال لا يتعلم ساعة دراسية واحدة تتعلق باللاجئين، ولذا فمع «الحقيقة» المطلقة الوحيدة التي يعرفها تولد العنصرية ويولد العداء».

أما النائب محمد بركة، رئيس كتلة «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة» في الكنيست، فقال إن نكبة الشعب الفلسطيني ليست مجرد مصطلح بل هي تاريخ وحاضر للشعب الفلسطيني. وقال بركة «من حيث المبدأ فإن هذه خطوة إيجابية، ولكنها تبقى محدودة، وذلك لأن هذا قرار وزاري قد يتغير لاحقا مع وصول وزير آخر، كما جرت العادة، والأمر الثاني فان مثل هذا القرار وإن بقي من دون مضمون وسرد حقيقي لما جرى ويجري، فإنه يبقى مجرد مصطلح».

ودعا بركة وزارة التعليم الإسرائيلية، إلى إدخال مواضيع أخرى إلى منهاج التعليم المخصص للعرب، مثل الأدب والتاريخ الفلسطينيين، قائلا «لا يعقل أن يجبر الطلاب العرب على دراسة التفاصيل الدقيقة للأدب والتاريخ اليهوديين، وحرمانهم من دراسة أدبهم المعاصر وتاريخ شعبهم».

ويجيء قرار تامير، بعد أيام من رفض الكنيست مشروع قانون تقدم به النائب محمد بركة لإحياء ذكرى مجزرة «كفر قاسم» في المدارس، في الذكرى الخمسين للمجزرة التي وقعت بعد تأسيس إسرائيل. واظهر النقاش الذي جرى في الكنيست، حول الموضوع، بان تامير ليس لديها الاستعداد للذهاب بعيدا، في إحياء مفاصل مهمة في تاريخ العرب في إسرائيل، وحاولت تبرير رفض هذا القانون، قائلة: «الحكومة ترفض هذا القانون، ولكنني، كوزيرة للتعليم العالي، سأقر في هذا العام باتباع نفس الإجراء الذي اتخذته في العام الماضي، وهو تخصيص ساعة تعليمية في المدارس عن المجزرة في يوم إحياء ذكراها». وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها قرارات لتامير عاصفة من الجدل في إسرائيل، ففي ديسمبر (كانون الاول) عام 2006، واجهت عاصفة مماثلة، عندما طلبت من مسؤولين في وزارتها ترسيم الخط الأخضر على الخرائط التعليمية، أي حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967. وتحدت تامير آنذاك إجماعا صهيونيا، حول هذا الموضوع، وقررا للجنة وزارية أمنية اتخذته عام 1967، بشطب هذا الخط عن الخرائط التعليمية.

واعتبرت المنظمات والأحزاب الصهيونية، بان تامير تحاول إخراج منطقة مهمة من حدود ما يطلقون عليها اراضي إسرائيل، خارج أذهان الطلاب اليهود، وهو ما اعتبر «جريمة لا تغتفر». لكن تامير أكدت على انه من حق الطلبة أن يعرفوا عن ماذا يتحدث الإعلام، عندما تطرح مواضيع مثل السلام مع سورية والانسحابات من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

وبين الضجة اليمينية الرافضة لقرار تامير بشأن الكتاب الدراسي الجديد، واعتبار العرب له غير كاف، إلا أن إدخال مصطلح «النكبة» لاول مرة في منهاج إسرائيلي، اعتبره الجانبان أمرا لا يمكن تجاهله، لذا من المتوقع أن يتواصل النقاش حول هذا الموضوع، خلال الفترة المقبلة.