سوق الترجمة في لبنان الكمية تغلب النوعية

TT

تبقى الكتب المترجمة في لبنان، خاضعة لمبدأ الكمية على حساب النوعية، لا سيما في غياب أي رقابة تردع من يتاجر بها عن جهل ودون احتراف.

هذا الوضع لا ينفي وجود كمية وان كانت قليلة من الكتب التي تنشر في الاسواق اللبنانية ذات قيمة فكرية وأدبية يقوم بترجمتها أشخاص مشهود لهم في هذا المجال، وتنشرها دور لها اسمها وخبرتها الطويلة. وقد نشطت الترجمة بشكل ملحوظ، بعد صدور تقرير التنمية الانسانية في العالم العربي عام 2002 والذي أشار الى أن عدد الكتب المترجمة في الدول العربية سنويا لا يزيد على 330 كتابا، ما شكل محفزا للعمل بشكل أفضل لتسريع العمل واللحاق قدر الامكان بركب الاصدارات الجديدة، مع العلم أن هذه الكتب بقيت محصورة في أنواع محددة، خصوصا الروايات وبعض الكتب السياسية.

لا يرى مازن زهر الدين، مدير التحرير في "دار الساقي" أن وضع الكتب المترجمة في لبنان، تحسن عن ما كان عليه قبل صدور تقرير التنمية الانسانية، ويقول: "لم يتحسن الوضع كثيرا، اذ لا نزال نواجه المشكلات عينها، وهي في أكثرها متمثلة بعدم وجود مترجمين محترفين. اذ نحاول في "دار الساقي" الابتعاد عن ترجمة الروايات نظرا لافتقادنا الى مترجمين بارعين، يملكون الروح الأدبية التي تحتاجها الرواية، لأن غيابها يفقد السياق الأدبي قيمته. لذا ينصب اهتمامنا على الكتب العلمية والسياسية والاجتماعية، حيث هامش الأخطاء يبقى محدودا". وتطبيقا لهذا المبدأ عمدت "دار الساقي" منذ عام 2004 الى عقد اتفاقية مع "مركز البابطين" الكويتي لترجمة الكتب الأجنبية وتوزيعها وبخاصة العلمية منها. ويشير زهر الدين إلى أن هذا النوع من الكتب يجد سوقا أوسع له في الدول العربية أكثر من لبنان، بسبب ابتعاد المؤسسات التربوية في لبنان عن الاستعانة بالكتب المترجمة واعتمادها الكتب الاصلية باللغة الأجنبية.

ويشير زهر الدين الى عائق آخر يواجه دور النشر في لبنان التي تترجم الكتب الأجنبية، وهو عدم وجود أي صيغة تنظيمية لهذا العمل. اذ تقوم دور نشر عدة بترجمة الكتاب الواحد في الوقت نفسه، وبيعه بأسعار مختلفة وبنوعية متفاوتة. وبذلك تقع دار النشر التي حصلت على حقوق الترجمة في مأزق يعيق تسويق الكتاب، الذي تغزو طبعاته الأسواق بعيدا عن النوعية الجيدة.

وبذلك يقول زهر الدين "لا يمكن لدار النشر أن تأخذ قرار الترجمة الا بعد أن يثبت الكتاب موقعه وأهميته في الأسواق الأجنبية، ما يمنحه فرصة رواج أكبر في الدول العربية. لذا لا تزال هناك كتب لم تترجم حتى بعد مرور عشرات السنين على اصدارها". من جهة أخرى يشكك مدير عام "الدار العربية للعلوم" في لبنان، بسام شبارو بتقرير التنمية الانسانية ويقول "في السنة التي صدر فيها التقرير كانت "الدار العربية للعلوم" قد أصدرت منفردة 200 كتاب فكيف بمجموع اصدارات مئات دور النشر الموجودة في الدول العربية؟". ويصف شبارو الترجمة في لبنان بأنها ناشطة وان كانت معتمدة في كثير من الأوقات على عناصر عربية ضليعة في اللغة العربية، "نتواصل معهم ويقومون بعملهم عبر شبكة الانترنت. وهذا ما ينسحب أيضا على سوق الكتب المترجمة الذي يرتكز بشكل كبير على الدول العربية".

ويصف شبارو واقع الترجمة في لبنان بأنه مزدهر وتطور كثيرا عن السنوات الماضية، اذ يتم في أحيان كثيرة ترجمة الكتاب أو الرواية بموازاة اصداره باللغة الأجنبية. والكتاب الجيد يفرض نفسه في دور النشر وفي الأسواق". وانطلاقا من نسبة المبيعات لديه، يضع شبارو الروايات على رأس القائمة، منذ حوالي ثلاث سنوات. لكن في الوقت عينه، يشير شبارو الى غياب القانون أو المراقبة عن سوق الكتب في لبنان والتي تصل في معظمها من دول عربية مجاورة بأسعار متدنية مقارنة بالأسعار الموجودة في لبنان ما يؤدي الى فوضى عارمة وخسارة تتكبدها دور النشر اللبنانية". أما مدير عام "المنظمة العربية للترجمة"، التونسي الطاهر لبيب، فيرى أن لبنان اليوم لا يقوم بجهد كاف في مجال ترجمة الكتب، وبرأيه أن استثنائية العمل الفكري والابداعي في هذا البلد لم ينعكس على الترجمة. ويضيف "لبنان الذي كان أول من قام بترجمة الكتب الأجنبية وكان رائدا في هذا المجال وجسر تواصل بين الشرق والغرب، فقد بعض ركائزه وأصبح أقل انفتاحا على الغرب مما كان عليه من قبل". ويعتبر لبيب ان وضع الترجمة في لبنان سيئ ورديء، مع هامش الأمانة العلمية والأخلاقية التي لا تتجاوز 2 في المائة. فالتقدم كمي وليس نوعيا ويفتقد الى الضمير المهني ويخضع لمبدأ التجارة. ويقول "لا أرى أن هناك في لبنان ترجمة لافتة للانتباه، وهي تكاد تكون مقتصرة على الروايات، وهي من أفضل ما ترجم، أما الأسوأ فتعكسه بشكل كبير الكتب العلمية".

لذا يقول لبيب ان "المنظمة العربية، هي مؤسسة علمية وغير حكومية، تعمل على تقديم نموذج متقدم في الترجمة لتجاوز المشكلات التي يعانيها العالم العربي والتي تسيء الى الفكر المنقول منه والمنقول اليه. لذا نترجم كتبا لكبار الكتاب والمؤلفين والمؤرخين العالميين ونعطيها وقتا طويلا ولو كنا نعلم مسبقا أن لا سوق لها ولا طلب عليها، ولكننا -على الأقل- نحاول سد فراغ معرفي".