بلسان إنجليزي.. الزي أميركي والرقص فلسطيني

معرض للأثواب الفلسطينية في شيكاغو

احتفال «مركز التراث الفلسطيني»
TT

لا تستطيع مها السقا، وهي تتحدث عن الجدار أمام مركزها، منع عينيها من ذرف الدموع، ولا تجد عزاء في كتابة شعارات تندد بالاحتلال على واجهة الجدار الضخمة. وأصرت السقا، على الاحتفال بذكرى تأسيس مركزها، الذي يرفع شعاراً يؤكد على ضرورة الحفاظ على التراث "حتى يبقى ملكا لنا" كما تقول في حديثها لـ"الشرق الأوسط".

أمضت السقا فترة طويلة من عمرها وهي تجمع التراث الفلسطيني، خصوصا الأثواب التقليدية. وعندما أقامت احتفالها، لم يكن مضى على عودتها من الولايات المتحدة الأميركية إلا فترة وجيزة، حيث أشرفت على إقامة معرض للتراث الفلسطيني. فقد كان متحف جامعة شيكاغو، اتصل بالسقا، وطلب مساعدتها في تنظيم معرض للأثواب التقليدية التي تمثل المدن والقرى الفلسطينية، وتم شحن الأثواب، عن طريق الموانئ الإسرائيلية، بعد عقبات احتلالية كبيرة، ولم يكن تجاوز هذه العقبات سهلا، واخذ وقتا طويلا، وفي النهاية وصلت الأثواب، وافتتحت السقا المعرض الذي سيستمر لمدة خمسة أشهر. وتقول، بان المعرض وجد صدى جيدا، واهتمت به الصحف، وكذلك الجاليات العربية، وقطاعات من الأميركيين. وبسبب ما تصفه السقا، نجاح المعرض، فان عدة جامعات أميركية طلبت استضافته، مما يعطي فرصة أكبر للاطلاع على التراث الفلسطيني. وأصدرت الجامعة كتابا توثيقيا عن المعرض بعنوان "التطريز: قرن على الأثواب الفلسطينية" يضم صور الأثواب مع شرح عن كل ثوب. ويعتبر هذا الجهد هاما، ليس فقط للمهتمين بالتراث الفلسطيني في الغرب، ولكن أيضا للفلسطينيين والعرب، ويشكل مرجعا بحثيا. وأشارت السقا، إلى أن من بين الأثواب التي تعرض في أميركا الآن، أثواب مدن وقرى: بئر السبع، ولفتا، والخليل، وبيت دجن وغيرها، وكل ثوب يشكل حكاية وقصة بحد ذاته، ويدل على الهوية الاجتماعية والوطنية ليس لفلسطين فحسب بل للبلدة أو المدينة التي يتبع لها. وتحدثت عن ثوب يعرض في شيكاغو أطلقت عليه اسم "ثوب الانتفاضة" وهو من صنع امرأة فلسطينية أصيبت في الانتفاضة الأولى، ويتضمن تطريزا لرموز فلسطينية مثل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.

وقالت السقا بأن ثوب كل مدينة أو قرية له ميزات خاصة، فمثلا ثوب يافا يشتهر بزخرفة ثمر البرتقال عليه، ومن المعروف بأن يافا تشتهر ببيارات البرتقال، أما ثوب بئر السبع فهو يروي قصة الوضع الاجتماعي للمرأة. فعندما تتزوج المرأة ترتدي ثوبا أحمر مزركشاً، وإذا أصبحت أرملة، ترتدي الثوب الأزرق، وإذا أرادت الزواج مرة أخرى فإنها تضيف إلى هذا الثوب بعض الألوان والرموز، مثل رسوم للأطفال، تعبيرا عن رغبتها في الزواج مرة أخرى وتكوين أسرة.

وتركت السقا الجمهور الأميركي، يتجول في معرضها في شيكاغو، لتعود إلى فلسطين، وتنظم الاحتفال بمناسبة تأسيس مركزها، والذي كان اغلب حضوره، من المغتربين الفلسطينيين في الولايات المتحدة، جاءوا ليزوروا فلسطين، ويطلعوا على الوضع، وكذلك كان حضورا كبيرا من أصدقاء الشعب الفلسطيني من شبيبة أميركيين وأوروبيين، يزورون أو يقيمون في الأراضي الفلسطينية لفترات معينة، وتستهويهم النشاطات التراثية. ووجد هذا الجمهور الذي يتكلم بلسان إنجليزي، ويرتدي أزياء غربية، نفسه ينزل إلى ساحة الاحتفال، ليرقص على أنغام الربابة، واليرغول، والشبابة، وكلمات الأغاني الشعبية الفلسطينية، التي تتحدث عن العواطف الجياشة، وتشكو الوضع السياسي، وتتأمل في الوجود الحياتي للإنسان.

وحملت مشاهد الرقص المحموم والدبكة على الطريقة الفلسطينية، مفارقات مع الزي والسحنات الغربية. وقالت منى حنضل، رئيسة اللجنة التنفيذية لإحدى جمعيات المغتربين، في الولايات المتحدة، بأن التراث الفلسطيني يشكل هوية، وأنها تشعر بسعادة، عندما ترى من يبذل جهودا للحفاظ عليه.

ورغم أن حنضل، لا تجيد العربية جيدا، وتتحدث بالإنجليزية، وتبدو كأي امرأة غربية عصرية، إلا أنها خلعت حذاءها، ونزلت إلى حلبة الرقص، تاركة لنفسها العنان، لتدبك على الطريقة الفلسطينية، ومثلها فعل الكثيرون والكثيرات.

وقالت حنضل "قد لا يقدر أحد شعورنا، عندما أحسسنا بان لا شيء كتراث أجدادنا يمكن أن يشعرنا بهويتنا الأصلية". وكان الاحتفال مناسبة، ليؤكد خطباؤه، بان التراث الفلسطيني "هو عنوان حضارة شعب عصي على الانكسار". وقالت مها السقا "نحن نواجه عدوا يحاول سرقة كل شيء،

ومن بين ذلك تراثنا، لذلك فان ممارستنا للتراث تشكل حماية له". ودعت السقا إلى تطوير التراث ليناسب الحياة العصرية، مثل وضع التطريز الفلسطيني المميز على شال، وعلى الفساتين الحديثة، والزي المدرسي، الذي يمكن تطريز بعض مكوناته مثل الحزام، أو القبة، وترى أنه حتى الجلباب أو الحجاب، يمكن إضافة التطريز إليهما. وعن ذلك تقول السقا "من المهم أن نمارس التراث، وليس فقط توثيقه، ولذا فإني أدعو لإدخاله في شتى مناحي الحياة". وأضافت "فلسفة مركزنا تقوم على أساس أن التراث وثيقة امتلاكنا للأرض عبر التاريخ وعلينا أن نمارسه". وفي حين أن القائمين على هذا الاحتفال، كان لديهم ما يبرر، زعمهم، بأن إحياء التراث، هو مظهر نضالي، وتحد، للاحتلال، ورمزه الأكبر الآن، هو الجدار، فإن الجماهير العربية داخل إسرائيل، لديها أيضا هذا الشعور، حيث نظم في مدينة عكا، مهرجان تم فيه عرض أطول دبكة في العالم بمشاركة 2743 شابا وشابة، وهدفهم تسجيل ذلك في موسوعة غينس للأرقام القياسية، وهو ما ستتابعه لجنة مختصة الآن. وفي الوقت الذي تخبو فيه الرموز السياسية، يظهر التراث الفلسطيني، كمعبّر عن هوية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وإسرائيل، والشتات.