فنانو سورية بين جشع المنتجين وإجحاف القوانين

TT

رغم تكاثر شركات الإنتاج الفني في سورية وارتباطها بشبكة علاقات متزايدة مع القنوات الفضائية والتمويلات الخليجية، وتصاعد مداخيلها السنوية، يبقى الحديث الشاغل في الأوساط الفنية والثقافية، هو حول فقر الإنتاج الذي بدا واضحا في الأعمال التلفزيونية أخيراً، والشح على الديكورات والإكسسوار والملابس! والأهم هو العدد الكبير للفنانين والفنيين الذين يشتكون من عدم تقاضي أجورهم. والمحظوظون بينهم هم من حصلوا على دفعة صغيرة في بداية العمل وأمضوا فترة التصوير وما بعدها يستجدون باقي حقهم. والجواب الذي يأتيهم دائماً هو إما ان ثمة عجزاً في الميزانية، أو أن التحويل لم يصل بعد من الخارج (ولن يصل طبعا) أو ان عملهم الذي انجزوه لا يفي بالغرض، ليخصموا من أجر الفني، وهم مرتاحو "الضمير". ويحصل أحياناً أن يهرب المنتج - المنفذ، وبلهجة ألطف يسافر، فلا يعرف أحد مكانه، وتتبخر الأجور. وبسبب هذه الأجواء يحاول البعض ان يحصل على حقه سلفاًَ، لكن آلية العمل تعود لتفرض نفسها ومبدأ "التخجيل" سائد، والجميع يتشدقون في البداية قائلين "ألا تثق بنا، معنا لايضيع حق..."، لكنهم لحظة الوفاء بالوعد، لا تجدهم في المكاتب، ولا يجيبون على الاتصالات أو يغيرون أرقامهم، متجاهلين أن ما يقدمه الفنيون والممثلون، أهم وأثمن من أجورهم البخسة الموعودة.

وإن أصر أحد على حفظ حقه سلفاً، يقولون "لِمَ أنت مادي إلى هذا الحد" ولا يعتبرون أنفسهم كذلك حين يطالبون بالالتزام والسوية الجيدة للعمل... كل ذلك يريدونه بأجر منقوص ومقتطع أو من دون أجر أصلاً. وإن احتاجوا الفنان في عمل آخر يقدمون الوعود بالتعويض وصرف الشيكات حالما يصل مدير الشركة من السفر. وما أدراك متى يصل وأمثاله، باعتبار انهم كثيروا الأشغال والأعمال ورحلات الاصطياف... أو أنهم اكتشفوا سرقات المحاسب فسرحوه، وضاعت معه الحقوق أو أنه في المشفى بسبب جلطة أو سكتة... بالتالي التوقيع مؤجل باستمرار. فأصحاب تلك الشركات، في الأغلب، هم من رجال الأعمال، مما يجعل شركة الانتاج الفني جزءاً من شبكة واسعة تحقق لهم مكانة اجتماعية وعلاقة بالوسط الفني ونجومه، والأهم هو الجانب الاقتصادي والأرباح الكبيرة التي تحققها المسلسلات التلفزيونية وتحديداً السورية، بعدما وصلت إليه من سوية جيدة، وإن كانت متفاوتة المستوى، خصوصاً إن حصلت الشركة على كلفة الانتاج من إحدى القنوات أو رؤوس الأموال فتكون منتجا ً- منفذاً، في آن معاً. الغريب في الأمر هو تفاوت الأجور بين بلد وآخر عندما تكون الشركة هي المنتج والمنفذ. فتفاوت الأجور بين مصر وسورية بات كبيرا جداً، مما دفع العديد من الفنانين إلى تفضيل العمل في مصر. فالأجور في مصر هي أضعافها في سورية (وإن لم يكن ذلك الدافع الوحيد طبعاً).

كل هذه التعقيدات سببها عدم وجود آلية واضحة واحترافية ونقص في المهنية بين المتعاملين، وهو ما لا ينطبق على الشركات الصغيرة أو حديثة النشأة فقط، بل على الكبيرة ذات الأسماء اللامعة.

بدأت عمليات التأجيل والتسويف في الدفع منذ زمن لا بأس به، وظلت مراوغة وغير وقحة إلا أنها أخذت تتفاقم، منذ عامين تقريباً. ولم يمارس ذلك على الممثلين الجدد فقط، بل هو إجحاف يطال النجوم والفنانين والفنيين الكبار، من مخرجين إلى مهندسي ديكور، وأزياء... وبالطبع العاملين المغلوب على أمرهم الذين يقع عليهم الضيم غالبا باعتبار ان لا حول ولا قوة لهم. والأهم من ذلك، ان سورية تفتقر لقوانين تحمي حق الفنان وعمله واجره المادي؟ فإن قام أحدهم برفع دعوى ما لاسترداد حقه فغالباً لا يحصل عليه؟ وكله يعتمد على مهارة المحامي وثقل الفنان وعلاقاته. فلا وجود لقوانين واضحة تحكم مثل هذه الدعاوى.

والأهم هو غياب نسخة من العقد الموقع مع الفنان. فالشركات لا تعطي، غالباً، نسخة من العقد الذي يختلف في صيغته من شركة إلى أخرى، وإن طالب أحدهم بعقده يأتي الرد: "شو ما في ثقة". وإن أعطى بعضهم العقود دون المال، ورفعت دعوى ما، فثمن من يسخر قائلاً "عطينا عمر" باعتبار الدعاوى تحتاج سنين طويلة للوصول إلى الحكم.

يقع اللوم هنا على الفنانين والفنيين الذين غالباً ما يستسلمون لأمر يعتبرونه واقعاً، ويتعاملون معه دون تحريك ساكن سوى المطالبة بين الحين والآخر، والانتهاء بالتسليم وبذهاب المبلغ مع الريح.

والسبب هو رغبتهم في استمرار العمل فلا يقطع رزقهم نهائياً، ورفعوا الدعاوى تنفر منهم باقي الشركات، بالتالي يتوقف عملهم ومصدر رزقهم. فإما أن يقبلوا أو لا يعملوا!!!

لكن بعض "الفدائيين" من الوسط الفني، بدأوا بالعمل على توعية الجميع بالقانون وضرورة التحرك والتغيير، وإن أحتاجت المسألة سنوات عديدة لكنها ستؤسس لنمط مختلف من التعامل أكثر وضوحاً ومهنية وحفظاً للحقوق.

فهل سيجدي ذلك نفعاً؟ أم أن الخوف من تناقص فرص العمل سيبقي الحال على ما هو عليه؟ ألم يحن الوقت لوجود جهات قانونية تحمي حقوق مبدعينا وطاقاتهم وتقدر جهودهم مادياً ومعنوياً؟ أم سيبقى الميزان مائلاً لصالح الأقوى سلطة والأوفر مالاً؟