ظاهرة الترجمة الشعرية تقودها نساء في المغرب

عبد اللطيف اللعبي
TT

تعرف الساحة الثقافية المغربية حاليا، ظاهرة صحية تتمثل في لجوء كثير من الشعراء المغاربة الذين يكتبون باللغات الأجنبية، وخصوصا الفرنسية إلى ترجمة نظرائهم من الشعراء المغاربة الذين يكتبون باللغة العربية، ويتميزون بحضور قوي في هذا المجال. إذ بعد ظاهرة الأنطولوجيات الشعرية المكتوبة باللغة الفرنسية والتي كان من أشهرها الانطولوجيا الشعرية التي قام بانجازها باللغة الفرنسية الشاعر المغربي المعروف عبد اللطيف اللعبي والتي خلفت وراءها الكثير من المداد، كما يقال عادة في مثل هذه المناسبات، وكذلك الانطولوجيا الشعرية التي قام بانجازها أيضا بنفس اللغة المشار إليها الشاعر المغربي محمد العمراوي، ولم تحظ رغم أهميتها بتغطية إعلامية واسعة كما هو شأن سابقتها، أصبحنا نرى ترجمات شعرية جديدة، تقتصر هذه المرة على دواوين شعرية محددة أو على إنتاج شاعر مغربي محدد. هذا هو الشأن مثلا بالنسبة للشاعرة المغربية فاتحة مرشيد التي تمت مؤخرا، ترجمة ديوانها "أيّ سواد تخفي يا قوس قزح؟" إلى اللغة الفرنسية من لدن الكاتب والأكاديمي المعروف د. عبد الرحمن طنكول، رئيس بيت الشعر المغربي، الذي سبق له أن ترجم ديوان الشاعر المغربي حسن نجمي "الرياح البنية"، وقام بعملية تشكيل لوحاته الداخلية الفنان المغربي الراحل محمد القاسمي. وقد جاءت ترجمة هذا الديوان للشاعرة فاتحة مرشيد -وهو الديوان الرابع في تجربتها الشعرية التي بدأت تفرض نفسها بقوة على المشهد الشعري المغربي والعربي- بعد "إيماءات" و"ورق عاشق" و"تعال نمطر" ليعزز من حضورها الشعري، ويمنحها متلقين جددا.

وفي نفس السياق نجد أيضا الترجمة التي قام بها الشاعر المغربي الذي يكتب باللغتين العربية والفرنسية جلال الحكماوي، لديوان الشاعرة المغربية وداد بنموسى "بين غيمتين"، ولاقت هذه الترجمة الشعرية أيضا حضورا مميزا، خصوصا أن الشاعرة بنموسى أصبح لها في السنوات الأخيرة حضوراً عربياً مميزاً.

إضافة إلى هذه الترجمات نجد ترجمة جديدة أخرى قام بها الشاعر المغربي المعروف عبد اللطيف اللعبي لمجموعة من القصائد الشعرية للشاعرة عائشة البصري، تم اختيارها من مجاميعها الشعرية الأربعة، أي "مساءات" و"أرق الملائكة" و"شرفة مطفأة" و"ليلة سريعة العطب". وقد اختار لهذه الأنطولوجيا اسم أحد دواوين الشاعرة: "أرق الملائكة".

الجميل في هذه الترجمات الشعرية أن عملية نشرها تتم لحد الآن -خصوصا التي طبعت في المغرب- بنشر القصائد الأصلية صحبة الترجمة المنجزة لها. وهو ما يجعل من هذه الدواوين ذات اللغتين المختلفتين تعرف حضورا لدى القراء العرب أو الفرنكوفونيين، كما يسمح لها بالتوزيع داخل البلدان الناطقة بالعربية والأخرى الناطقة بالفرنسية .

إضافة إلى هذه الترجمات المتعلقة في أغلبها بالشعر المغربي النسائي نجد أيضا ترجمات أخرى للشعر المغربي، قامت بها هذه المرة شاعرات لدواوين شعراء مغاربة، كما هو الأمر مع الشاعر ياسين عدنان الذي تمت ترجمة ديوانه الشعري "رصيف القيامة" إلى اللغة الفرنسية من قبل الأديبة والمترجمة المغربية المقيمة بباريس سهام بوهلال، أو كما هو الشأن مع الشاعر طه عدنان الذي قامت بترجمة ديوانه "بهواء كالزجاج" هو الآخر إلى الفرنسية نفس المترجمة، إلا أن عملية نشره تمت خارج المغرب، على عكس الديوان السابق الذكر.

ورغم أهمية هذه التجربة الشعرية الجديدة التي بدأ يعرفها المغرب الثقافي الحديث، أي عملية ترجمة الشعر المغربي إلى اللغات الأخرى، والتي كانت في السابق مقتصرة على بعض الأسماء الشعرية المغربية الكبيرة، في مقدمتها المعروفان محمد بنيس وعبد الله زريقة، فإن ما يجعل من هذه الظاهرة الثقافية الايجابية محدودة لحد الآن هو اقتصارها في الغالب على ترجمة بعض الشعراء المغاربة خصوصا من الجيل الشعري الجديد دون غيرهم من باقي الشعراء المغاربة، سواء أولئك الذين حققوا تراكما شعريا لافتا للنظر أو الذين استطاعوا الحضور بشكل مميز داخل الصحافة الثقافية العربية عبر أهم منابرها. كما أن حضور الشعر المغربي النسائي بكثرة في هذه الترجمات جعله في صدارة التمثيل الشعري المغربي في الآونة الأخيرة، خصوصا بالنسبة للقارئ الآخر الذي لا يعرف العربية، وهو أمر تتضارب الآراء النقدية في المغرب حوله بين مساند ومعارض.