حكاية عشق للقاهرة

مراسلة صحيفة «وول ستريت جورنال» تروي قصة رحيل العائلة من مصر

TT

في مذكراتها الجديدة «الرجل ذو البذلة البيضاء المصنوعة من جلد القرش» تشير لوسيت لاغنادو إلى كيفية رد فعل أبيها ليون تجاه الهروب من المناخ الذي عرف عداء في مصر الناصرية عام 1962: صرخ الأب باكيا: «أرجعونا إلى مصر» حينما غادر المركب ميناء الاسكندرية.

إنها لحظة حزينة، لكنها في الوقت نفسه ميلودرامية. فبعد كل شيء نحن نعرف كيف تنتهي القصة: استقرت العائلة في أميركا وعند النظر إلى صعود البنت الصغرى لوسيت وحصولها على جائزة باعتبارها مراسلة لصحيفة «وول ستريت جورنال» ولا بد أن أفراد عائلتها يستمتعون بالنجاح والسعادة. لكن المذكرات تعكس صورة أخرى حول مصير عائلة لاغنادو بعيدا عن روح الانتصار التي يعكسها الأميركيون المهاجرون في قصصهم، ولهذا السبب أصبح هذا الكتاب متميزا حقا.

تتعقب لاغنادو حكاية عائلة مرتبطة جدا بالقاهرة، حتى أجبرت على الخروج، وكتاب «الرجل ذو البذلة البيضاء المصنوعة من جلد القرش» هو حكاية حول ما جرى حينما يحدث الانفصال بين عاشقين قسرا.

تمكن ليون في الأخير من الزواج من امرأة تصغره بـ 20 عاما، وجلبها كي تعيش مع أمه وابن اخيه المراهق. ومعا سينجبان أربعة أطفال، لكن خلال كل تلك الفترة ظل ليون وسيطا بين عالمين هما «القاهرة الكوسمبولوتية والقاهرة الغامضة الحسية الإسلامية».

في هذا الكتاب تمكنت المؤلفة من مسك الخصائص في أسرتها والروح المصرية التي ظلت ملازمة لها، وقد لا يتمكن القارئ من ملاحظة البحث الهائل الذي يقف وراء هذه القصة: نوع الموقد الذي كانت جدتها تستخدمه وماذا كانت امها تشرب حينما التقت بابيها ليون.

كذلك كانت لاغنادو ماهرة في خلق عنصر التشويق، خصوصا مع بدء تلبد السماء فوق يهود مصر بعد صعود عبد الناصر للحكم. وقد ظل ليون يعارض الخروج من مصر لمدة عقد على الرغم من كل المضايقات والتمييز ضد أسرته، حتى استهلك كل أمل بمستقبل له ولأسرته في القاهرة. وظلت الأسرة تتنقل بعد مغادرتها الاسكندرية فترة طويلة ما بين أثينا ونابولي ومرسيليا وباريس ومانهاتن قبل استقرارها في بروكلين.

لكن اتحادا سهلا ما بين ليون واميركا لم يتحقق بسهولة، إذ فشل في إقناع موظفي الخدمات الاجتماعية والبيروقراطيين المعنيين بمساعدة المهاجرين الجدد وهذا ما أدى إلى جملة مهانات لحقت بالأسرة. ذلك «العاشق للقاهرة» لن يتمكن أبدا من استرجاع قوته وذلك النسيج الذي كان يجمع أفراد اسرته بدأ يذوي من دون رجعة.

نقلت لاغنادو المفارقة القائمة ما بين أغاني عيد العبور في بروكلين «فبغض النظر عن غنائنا بصوت عال جدا أصبحت عطلتنا لا احتفالا بالخروج من مصر (في زمن النبي موسى)، بل هو شوق للعودة إلى المكان الذي من المفترض أن نكون مبتهجين لمغادرته».

تمكنت لاغنادو أن تعود أخيرا بعد عدة عقود تحت تشجيع الحكومة المصرية الحالية «المتعطشة للعملة الغربية والسياحة الغربية والنية الطيبة الغربية». فوجدت مدينتها تعاني مثلما هو الحال مع أفراد أسرتها من «تلاشي سحرها وروعتها». لم يكن للقاهرة ويهودها أن ينفصلوا عن بعض. لكن الكاتبة عند وصولها إلى هذه النقطة تكون قد استهلكت نفسها بالغضب، غير انها تمكنت بشكل مفاجئ من تحقيق سلام مع مدينتها المعشوقة بتقديم قبلة أخيرة لها.

*خدمة «نيويورك تايمز»