جموع بلا ألباب

أبو القاسم الشابي

TT

ولد أبو القاسم الشابي في بلدة توزر في تونس عام 1901 أرسلته عائلته، وهو لم يبلغ الثانية عشرة، إلى تونس لمتابعة الدراسة الثانوية بجامع الزيتونة، فدرس الفقه والعربيّة، ثم سافر الى القاهرة التي عاش فيها سبع سنوات، عاد بعدها إلى تونس يحمل إجازة الأزهر.

ظهرت عليه أعراض مرض القلب مبكراً، وكتب عن ذلك يقول: «من ها هنا صبية يلعبون بين الحقول وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل ومن لي بأن أكون مثلهم؟ ولكن أنى لي ذلك والطبيب يحذر علي ذلك لأن بقلبي ضعفاً! آه يا قلبي! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية». رحل عام 1934. من أعماله المطبوعة «أغاني الحياة» و«الخيال الشعري عند العرب»

إني ارى ، فَأرَى جُمُوعاً جَمَّة ً

لكنّها تحيا بِلاَ ألْبابِ

يَدْوِي حوالَيْها الزَّمانُ، كأنَّما

يدوي حوالَي جندلٍ وترابِ

وإذا استجَابُوا للزمانِ تَنَاكروا

وَتَرَاشَقُوا بالشَّوكِ والأحْصَابِ

وقضَوا على رُوح الأخوَّة ِ بينهم

جَهلاً وعاشُوا عِشية َ الأَغرابِ

فرِحتْ بهم غولُ التّعاسة ِ والفَنَا

وَمَطَامِعُ السّلاَّب والغَلاّبِ

لُعَبٌ، تُحرِّكُها المَطامعُ، واللّهى

وصَغائِرُ الأحقادِ والآرابِ

وأرى نفوساً، مِنْ دُخانٍ، جامد

ٍمَيْتٍ، كأشباحٍ، وراءَ ضَبَابِ

مَوتى ، نَسُوا شَوقَ الحياة ِ وعزمَها

وتحرَّوا كتحرُّكِ الأنصابِ

وخبَا بهمْ لَهَبُ الوجودِ، فما بقُوا

إلاَّ كمحترِقٍ من الأخشابِ

لا قلبَ يقتحمُ الحياة َ، ولا حِجَى ً

يسمُو سُمُوَّ الطَّائر الجوَّابِ

بلْ في اليرابِ المَيتِ، في حَزن الثَّرى

تنمو مَشَاعِرُهُمْ مع الأَعشابِ

وتموتُ خاملة ً، كَزَهرٍ بائسٍ

ينمو ويذبُل في ظَلامِ الغَابِ

أبداً تُحدِّقُ في التراب..، ولا تَرَى

نورَ السماءِ..، فروحُها كتُرابِ..!

الشَّاعرُ الموهوبُ يَهْرِق فنَّه

هدراً على الأَقْدامِ والأَعْتابِ

ويعيشُ في كونٍ، عقيمٍ، ميِّتٍ

قَدْ شيَّدتْهُ غباوة ُ الأَحقَابِ

والعاِلِمُ النِّحريرُ يُنفقُ عُمره

في فهمِ ألفاظٍ، ودرسٍ كيابٍ

يَحيا على رِمَمِ القديم المُجتَوَى

كالدُّود في حِمَمِ الرَّماد الخابي

والشَّعبُ بينهما قطيعٌ، ضَائعٌ

دُنياه دنيا مأكلٍ وشرابِ

الوَيلُ للحسَّاسِ في دُنياهمُ

ماذا يُلاقي من أَسَى ّ وعَذِابِ