وجبات ثقافية شهية على التلفزيونات المغربية

TT

عرف التلفزيون المغربي عبر قنواته المختلفة، في السنوات القليلة الأخيرة بروز برامج ثقافية جديدة سعت بكل ما لديها من إمكانات لتقديم وجبة ثقافية تريد لنفسها أن تكون شهية على طريقة برنار بيفو، المذيع الفرنسي الشهير ببرامجه في هذا المجال، والتي كان آخرها هو برنامج "حساء الثقافة". هذه البرامج الثقافية تستضيف في غالبيتها، كتاباً أو مفكرين أو فاعلين ثقافيين متعددي الاهتمامات والمشارب، يتم خلالها مناقشة كتب جديدة صدرت لهم، مع تقديم آراء بعض النقاد أو المتابعين. هكذا كان الأمر في برنامج "ديوان" الذي تقدمه القناة التلفزيونية الثانية، في صيغته السابقة، قبل أن تتم إضافة فقرات جديدة إليه الآن، تتعلق بصناعة الكتاب، وبفقرة يتم فيها الرجوع إلى الذاكرة الثقافية المغربية لتقديم شخصية، نشطت وأثرت في هذا المجال وغادرت إلى دار البقاء. وقد حظيت هذه الفقرة بتقدير كبير من لدن الرأي الثقافي المغربي لما تشكله من اهتمام بأناس أعطوا وقدموا للثقافة الشيء الكثير. في حين نجد أن برنامج "مشارف" الذي تقدمه القناة التلفزيونية الأولى، يسعى للاشتغال على المواضيع الثقافية العامة، محاولا التركيز على موضوع ثقافي عام يحظى بالحضور ومناقشته مع شخصية ثقافية تمثله أو تهتم به بشكل معروف ومتداول. وقد تمت في هذا المجال استضافة أسماء مغربية وعربية كبيرة، كما هو الشأن مع الشاعر العربي الكبير أدونيس أو الكاتب المغربي المعروف محمد برادة، وسواهما من المبدعين والكتاب المغاربة والعرب. ويحرص كلا البرنامجين، كما هو معهود ومتداول في البرامج الثقافية العالمية خصوصا الفرنسية منها، على تقديم الإصدارات الثقافية والتعريف بها بطريقة تحبب قراءتها إلى المشاهدين. إضافة إلى هذين البرنامجين اللذين تآلفت معهما الآن الذائقة الثقافية المغربية بشكل عام، نجد أن القناة التربوية المغربية، تقدم برنامجا ثقافيا يعنى بالكتاب وبعملية قراءته وتداوله، سواء داخل المكتبات العامة أو الخاصة. وهو برنامج "المقدمة" الذي استعار تسميته من "مقدمة" ابن خلدون، ويحظى الآن بقبول مطرد، داخل الأوساط الثقافية العامة.

في مقابل هذه البرامج الثقافية المقدمة باللغة العربية، نجد برامج ثقافية أخرى مهمة تقدم باللغة الفرنسية من أشهرها برنامج "بين السطور" الذي يحرص على طرح قضية ثقافية عامة، ويستدعي مجموعة من المثقفين المغاربة والأجانب المهتمين بها لمناقشتها وإبداء الآراء المتعلقة بها. وهناك برنامج "ولكن أيضا" الذي يستضيف شخصية ثقافية فاعلة على المستوى الوطني أو القاري أو العالمي وتقديمها إلى المشاهد بشكل يبين اهتمامها وتأثيراتها القوية في المجال الذي تشتغل فيه. وهذان البرنامجان الثقافيان اللذان تقدمهما القناة التلفزيونية الثانية، يحظيان بحضور نوعي داخل المجال الثقافي المغربي. أما في المجال الثقافي السينمائي فنجد أن التلفزيون المغربي بقناتيه الأولى والثانية، يحرص على تقديم هذا المجال الفني عبر برنامجين خاصين، برنامج

"عالم السينما" الذي تقدمه القناة الأولى. وهو برنامج يحرص على حضور المهرجانات السينمائية المغربية، وتقديم ريبورتاجا غنيا ومتنوعا عن أجوائها، إضافة إلى تقديمه من حين لآخر لبعض الإصدارات المغربية المتعلقة بالسينما والتعريف بها. وهو ما يفعله أيضا برنامج "صورة" الذي تقدمه القناة الثانية.

هذان البرنامجان يتكاملان بشكل كبير، وهما يمنحان للمشاهد فرصة كبيرة للتعرف على النتاجات السينمائية المغربية والعالمية، كما يساهمان في التعريف بالثقافة السينمائية ومنحها ما تستحق من اهتمام.

إن هذه البرامج الثقافية التي ذكرنا، إضافة إلى بعض البرامج الأخرى التي تهتم بالثقافة الشعبية المغربية في غناها وتنوعها الكبيرين، تسهم بشكل كبير في خدمة الأدب والفن المغربيين، يعضدها في ذلك بعض البرامج الثقافية العامة التي تحرص على التنوع في اختيار موادها بحيث تجمع بين ما هو فني وأدبي وترفيهي وثقافي بشكل عام، كما هو الشأن بالنسبة لبرنامج "مراكش اكسبرس" الذي تقدمه القناة الأولى أو برنامج "أجيال" الذي تقدمه القناة الثانية، ويظل في عمومه مرتبطا بفئة الشباب.

إن مسألة الاهتمام بالمجال الثقافي في التلفزيون المغربي أصبحت مسألة تفرض نفسها بإلحاح، خصوصا وأن المغرب الآن يشهد تطورا كبيرا في المجال السينمائي والمسرحي، كما يعرف اطراداً كبيرا في عملية إصدار الكتب.