جراحة التجميل الهدف منها «التجدد» وجلاء «الرؤية المستقبلية»

السوداوات والسمراوات على رأس قائمة الضحايا

الجمال وفق الحسابات الرياضية
TT

شعار مؤتمر الجمعية الاميركية لجراحي التجميل هذا الصيف في بولتيمور، في ولاية ماريلاند هو: «التجديد: التحرك الى الامام». وتربط الجمعية التي تأسست قبل خمس وسبعين سنة بين «التجميل» و«التجديد»، وتعتمد على قول الرئيس كنيدي: «التجديد هو قانون الحياة. وأولئك الذين ينظرون الى الماضي او الحاضر لن يصلوا الى المستقبل». لعل هذه العبارة الصغيرة هي المفتاح السري الذي يجعلنا نفهم، ما الذي يحرك عالم عمليات التجميل، ووفق أي ذهنية يذهب الناس إلى غرف العمليات؟

اجريت، في السنة الماضية، 11 مليون عملية تجميل في اميركا، بزيادة نسبتها سبعة في المائة عن السنة التي سبقتها. ورغم ان ممثلات الافلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية يشتهرن بعمليات التجميل، فإن نسبتهن لا تزيد عن واحد في المائة من واحد في المائة. ولهذا، هناك اتهامات لجراحي التجميل بأنهم يستغلون النساء الاقل شهرة، واقل جمالا، واقل تعليما، واقل ثروة. لماذا؟

قالت واحدة: «انا مطلقة، وام لطفلين، واعمل في شركة محاسبة. قبل الزواج والاطفال، كنت رياضية واجتماعية ونشطة، لكنى اصبحت بدينة وكسولة ومشغولة بين المكتب والبيت. قررت ان اعود الى صورتي قبل الزواج والاطفال، ولهذا خضعت لعمليتين جراحيتين: واحدة لشفط دهون من بطني، والثانية لرفع صدري. وشجعني شكلي الجديد على الاهتمام اكثر بصحتي. ولهذا، فقدت، خلال الاربعة أشهر الماضية، كيلوات كثيرة من وزني».

وقالت ثانية: «لست متزوجة، واعمل في شركة للضرائب. كنت امارس رياضة رفع الاثقال وكمال الاجسام. وبعد سنوات، لاحظت ان العضلات حلت محل الصدر، ولهذا عملت جراحة لضخه ورفعه».

وقالت ثالثة: «متزوجة وعندي ولدان، ولا اعمل خارج المنزل. عملت جراحتين: واحدة لازالة آثار عمليتين قيصريتين. والثانية لازالة تجاعيد تحت عيني. واحس الآن وكأني خلقت مرة ثانية».

  لكن، اوضح تقرير نشرته، الشهر الماضي، دورية «بلاستيك سيرجري» (جراحة التجميل) ان هناك سببا وراء كل هذا الاقبال، وهو التلفزيون.  

ليس فقط مشاهدة ممثلات جميلات في الافلام والمسلسلات، ولكن، ايضا، مشاهدة برامج عن عمليات التجميل، ومشاهدة اعلانات توضح صورة وجه قبل التجميل، ثم صورته بعدها (الفرق كبير جدا في كل الاعلانات).

واوضح التقرير ان النساء المكسيكيات (ومن بقية دول اميركا اللاتينية)، والنساء السوداوات (اميركيات ومهاجرات من افريقيا) اكثر إقبالا من النساء البيضاوات على جراحة التجميل. وقال جون بيرسنغ، وهو من الذين كتبوا التقرير: «لسنا راضين عن هذه النتائج».

هذا تعليق مهذب معناه الآتي:

اولا، اغلبية النساء اللواتي يجرين عمليات تجميل سمراوات او سوداوات، ولسن بيضاوات.

ثانيا،  صارت مقاييس جمال المرأة البيضاء هدفا لغير البيضاوات.

ثالثا، زاد التلفزيون (والمجلات المصورة والانترنت) من نشر صور النساء الجميلات، وأاثر هذا على غيرهن.   

تغير الجراحة البلاستيكية وجه الانسان، او اجزاء اخرى من جسمه، وتسمى، ايضا، «جراحة تجميلية». من اين جاء وصف «بلاستيكية»؟ من قدماء اليونانيين، ومعناها «تغيير». وسمي، لهذا، المطاط «بلاستيك» لأنه يغير شكله. ويشمل تغيير شكل الانسان تغييراً في عظامه، او لحمه، او عضلاته، او شحمه، او جلده. ويفعل الانسان (المرأة اكثر كثيرا من الرجل) ذلك ليكون اكثر قبولا، وهو يأمل في ترقية، او نجاح، او شهرة، او زواج. 

ورغم ان ابحاثا علمية اثبتت ان الاكثر جمالا اكثر قبولا، لم تثبت ان الاكثر جمالا اكثر سعادة. وليست جراحة التجميل فقط من اجل التجميل، لأنها يمكن ان تكون لعلاج آثار حريق، او اصلاح عين مفقوءة، او اخراج ورم سرطاني. ويعتمد نجاح الجراحة على مدى التخطيط، والتنفيذ، والتضميد، والمواد المستعملة، والعوامل النفسية (اثبتت ابحاث ان المرأة التي تتشائم من توسيع عينيها، مثلا، عندما يرفع الطبيب الضمادات، تحقق، احيانا، تشاؤمها). لم تتطور جراحة التجميل الا بعد ان تطور علم الجراحة. ولم يتطور هذا الا بعد تطور علم التخدير. لكن، قبل ذلك، في القرن الخامس عشر، كتب هاينرتش فون فولسبنت، وهو طبيب الماني، عن عملية اجراها لوضع: «فم لمن لا فم له، بعد ان اكله كلب». وفي سنة 1791، اصلح هنري شوبارت، طبيب الماني، شفة سلفية بنقل قطعة لحم من رقبة صاحبها. وفي سنة 1841، رمم جوزيف كاربوي، طبيب بريطاني، انف جندي بريطاني فقده في الحرب. وفي سنة 1845، كتب داي فينباخ، طبيب الماني، اول كتاب عن جراحة التجميل.  ومع بداية القرن العشرين ابدع جراحون اميركيون في تطوير هذه العمليات، وخاصة خلال الحرب العالمية الاولى، ثم الثانية، لاعادة انوف وآذان واعين من فقدها من الجنود. ومنحت ملكة بريطانيا وسام «سير» لهارولد جيليز، وهو طبيب نيوزيلندي اجرى اول جراحة تجميل حديثة.   

اتهم خبراء وعلماء نفس جراحي التجميل بأنهم يعتمدون على مقاسات الجمال الغربية. وانهم يستغلون النساء السمراوات والسوداوات، وحتى وسط البيضاوات هم يستغلون الاقل جمالا. 

لم يؤيد ذلك جون بيرسنغ، الذي اشترك في كتابة تقرير دورية «بلاستيك سيرجري» (جراحة بلاستيكية). اعترف بأن نسبة كبيرة من الاميركيات اللائي يجرين عمليات تجميل جراحية سوداوات وسمراوات. لكنه لم يقل ان لذلك صلة بمقاييس الجمال الغربية، وإنما قال ان لهذا صلة بصور الجميلات في الافلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، رغم انه يعرف جيدا ان كل هؤلاء تقريبا بيضاوات (ماعدا سوداوات مثل هيل بيري، وسمراوات مثل سلمى حايك).

وضع جون شولتز، في سنة 1913، نظرية «واقعية الجمال» هذه، ومعناها ان الناس يختلفون في اشكالهم والوانهم. واشار شولتز، مثلا، الى ان الانف الأسود شبه مسطح، والأبيض مستقيم، والأسمر متوسط، والآسيوي اصغرهم كلهم. لم يقل شولتز ان انفا احسن من انف، ولم يقل ذلك تلاميذه بعده، ولا جراحو التجميل الذين ساروا على خطاهم. لكن هؤلاء قالوا، اعتمادا على نظرية «واقعية الجمال»، ان الاحصائيات والتقارير (مثل تقرير «بلاستيك سيرجري») توضح ان البيضاوات اقل النساء تغييرا لانوفهن، بينما السوداوات اكثرهن. والبيضاوات اكثر النساء زيادة لاحجام نهودهن، بينما الافريقيات اقلهن.

وضع فلاسفة يونانيون قدماء اول نظرية للجمال. فيثاغورس، عالم الرياضيات، ربط بين الجمال والتناسق (لن تكن جميلة عين كبيرة جدا وأخرى صغيرة، ولن تكن جميلة عين بعيدة عن الانف وأخرى قريبة من الانف). 

وسار على خطى فيثاغورس خبراء تجميل، واشاروا الى «النسبية الذهبية»، التي فيها تناسق، وتناسب، وتناغم، وتواصل، وتماسك، وتقارب.

لكن، بالاضافة الى خبراء الجمال، هناك علماء النفس المتخصصون في الموضوع. وقال بعضهم ان الجمال ايجابي، وان كثيرا من الناس يعتقدون ان الجميل طيب، وفاضل، وذكي، وناصع. ويعتقدون، في الجانب الآخر، ان القبح سلبي، وله صلة بالظلام، والاشباح، والشر، والظلم، والغباء، واللون الاسود. 

في سنة 1809، كتب غوته، فيلسوف الماني، كتاب «ميول اختيارية»، وقال فيه: «الجمال علامة ترحيب. يرحب الجمال بك، ويطمئنك، ويهدئ روعك، ويسعدك». واشار غوته الى «الجمال الخارجي» و«الجمال الداخلي»، وقال ان الاثنين يتناسقان مع الطبيعة، وهناك اكثر من مثال على ذلك: اولا، بحث الانسان عن الامن، خارجيا وداخليا. ثانيا، جمع الطفل حديث الولادة بين النعومة والبراءة. وقال روبرت شومان، ان هناك نوعين من الجمال: طبيعي وشعري (خيالي): الطبيعي يسعد النفس، ويثير الرغبات الجنسية. والخيالي يبدأ مع نهاية الجمال الطبيعي ليحقق نفس الهدف.  ورغم اختلاف الآراء، وتبادل الاتهامات، هناك تفسير بسيط للجمال، وهو انه الذي يسعد النفس، ويهدئها، ويطمئنها، إن كان ابيض، اسمر، اسود او اصفر. 

وليست الحواس الخمس الا وسائل لتحقيق هذا الاحساس: تذوق شكولاته، وسماع موسيقى، ولمس شيء ناعم، وشم رائحة عطرة، ومشاهدة امرأة جميلة (او رجل انيق).

يقول مثل اميركي: «الجمال حسب عين صاحبه»، اي ان مقاييس الجمال تختلف من انسان الى انسان. وكتب ديمتر هالسنجر، في دورية «سايكلوجي توداي»: «اوضحت استفتاءات ان كثيرا من شعوب العالم تتفق على مقياس اساسي، وهو التناسق (الذي وضعه فيثاغورس). هذا بالاضافة الى ثلاثة مقاييس جانبية: لمعان، ونعومة، وزينة: دهان يلمع الجلد، وبودرة تنعم الخدين، وجواهر للجيد، والاذنين، والاصابع».

واضاف: «لا يعتبر اللون مقياسا للجمال، لكن، هناك ميولا في كل الثقافات نحو اللون الفاتح. اولا، لأن الثقافة الغربية هي الاكثر تأثيرا. وثانيا، لأن البياض الانصع، حتى وسط البيض، يدل على ان المرأة ناعمة ومتنعمة وتبقى داخل البيت ولا تعمل في الخارج». واخيرا، وربما عملا بنظرية «واقعية الجمال»، ودفاعا عن النساء اللواتي يجرين عمليات تجميل، نشرت، مؤخرا، مجلة «تايم» تقريرا عن حظوظ النساء الاكثر جمالا (والرجال الاكثر اناقة)، فقالت انهم ينالون درجات اعلى من غيرهم في الجامعة. ويستمتعون بعناية كبيرة في المستشفيات. وينالون رواتب اعلى من الآخرين، كما يحاكمون برأفة في المحاكم.